إذا اراد ترامب عقد “صفقة القرن” فعليه ألا يكرر هذه الأخطاء!
سعيد عريقات – 5/10/2018
كتب كل من دنيس روس، وهو المبعوث الأميركي السابق إلى مفاوضات السلام الشرق الأوسط ومستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذي انبثق عن منظمة “إيباك” اللوبي الإسرائيلي القوي في واشنطن؛ وديفيد ماكوفسكي، وهو باحث في المعهد ذاته وعمل مع المبعوث الأميركي مارتن إنديك لمفاوضات السلام تحت رعاية وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري (آب 2013-آذار 2014) ، مقالاً نشرته مجلة فورين بوليسي الأربعاء، 3 تشرين الأول 2018 تحت عنوان “إذا كان ترامب يريد عقد صفقة القرن، فعليه ألا يكرر هذه الأخطاء”، قالا في مستهله إن عملية أوسلو للسلام التي نشأت منذ خمسة وعشرين عاماً، فشلت في تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، رغم استمرارها.
ويلفت الكاتبان إلى أنه خلال تلك الفترة، سعت ثلاث مبادرات -من قبل الرؤساء الأميركيون بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما- إلى حل النزاع، ولكن هذه المساعي باءت بالفشل، “فقد سعى كلينتون إلى دمج المفاوضات المباشرة المكثفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بانخراط أميركي مكثف؛ فيما كان نهج إدارة بوش في الغالب يتعلق بالأطراف التي تتعامل مباشرة مع بعضها البعض، بمشاركة عابرة من وزير خارجية الولايات المتحدة؛ بينما تدخلت إدارة أوباما بقيادة وزير الخارجية جون كيري ، الذي عقد الحد الأدنى من المفاوضات المباشرة بين الطرفين فيما اعتمد على المفاوضات المكوكية كوسيط”.
ويقول الكاتبان المعروفان بتأييدهما المطلق لإسرائيل، إنهما “لا يؤيدان الحجة القائلة بأن الولايات المتحدة مسؤولة عن انعدام السلام؛ فلا تستطيع واشنطن تحقيق السلام بين طرفين غير قادرين على صنعه. فإذا كانا يفتقران إلى الإرادة والوسائل، فسوف تبوء حتى أفضل الخطط بالفشل. والأهم من ذلك، يجب على الأطراف أن تتحمل مسؤولية السلام حتى يكون لديها دافع للوقوف في وجه المقاومة الحتمية التي سيواجهونها من معارضيهم المحليين الذين لا يستطيعون ببساطة التخلي عن أساطيرهم الوطنية”.
ويمضيان بالقول “ولكن هذا لا يعني أن تبقى الولايات المتحدة سلبية وأن لا تضطلع بأي دور، إذ يمكن للولايات المتحدة توفير التغطية والتفسير والطمأنة – والالتزامات، وجميعها ستجعل من السهل على الطرفين اتخاذ قرارات صعبة. ويمكن أن يساعد التعلم من أخطاء واشنطن السابقة -وكذلك أخطاء الإسرائيليين والفلسطينيين- في دفع عملية صنع السلام” معتبران “إن الميل إلى إلقاء اللوم دون تحمل أي مسؤولية عن سبب فشل عملية صنع السلام ، يعتبر عاملاً مساهماً أيضاً في عدم تحقق أي سلام بعد 25 عاماً من التوقيع على معاهدات أوسلو”.
ويسرد الكاتبان قوائم بأبرز خمسة أخطاء ارتكبتها كل من الولايات المتحدة والفلسطينيين والإسرائيليين منذ توقيع اتفاقات أوسلو.
وتتضمن قائمة الأخطاء الأميركية 1) عدم تصرف مسؤولي إدارة كلينتون بحزم أو اتساق كاف بشأن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي ؛2) عدم إصرارهم على أن يفي الفلسطينيون بمسؤولياتهم الأمنية؛ 3) تردد بوش وتجاهل إدارته لعملية السلام حتى وقت متأخر من ولايتها الثانية، ما أدى إلى خلق فراغ في الضفة الغربية، والفشل في الإصرار على تحمل الفلسطينيين مسؤوليات أمنية خلال عملية الانسحاب الإسرائيلي من غزة؛ 4) تساهل أوباما مع عباس وإحجام إدراته عن انتقاد الفلسطينيين أو مساءلتهم؛ وندرة جهود صنع السلام الشعبية، فلم تضع أي إدارة تركيزاً كافياً على بناء السلام من الأسفل إلى الأعلى؛ وأخيراً، 5) تعامل جميع الإدارات الأميركية مع السلام باعتباره فكرة مجردة في الغالب، حيث عادة ما تتناقض التصريحات والمؤتمرات الجريئة مع ما يحدث يومياً على أرض الواقع.
أما قائمة الأخطاء الفلسطينية بحسب الكاتبين فتشمل، 1) تصنيف الفلسطينيين لجهود السلام ليس كعملية مصالحة وإنما كعملية لإنهاء الاستعمار، ما قوّض شعبية عملية السلام في إسرائيل؛ 2) الانتفاضة الثانية التي عرقلت آفاق السلام حتى اليوم الراهن نتيجة الخسائر المأساوية في أرواح كلا الجانبين؛ 3) قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على إجبار رئيس وزرائه سلام فياض على ترك منصبه عام 2013، وركز فياض على خلق واقع الدولة الفلسطينية من خلال بناء المؤسسات وإضفاء الطابع الاحترافي على قوات الأمن ومحاربة الفساد وتحقيق سيادة القانون؛ 4) إحجام عباس عن الرد على اقتراح أوباما وكيري لحل الصراع في 17 آذار 2014 في البيت الأبيض، والذي دعا إلى رسم الحدود على أساس عام 1967 ومبادلات متفق عليها للأراضي وعقد ترتيبات أمنية تضمن أن تفي إسرائيل باحتياجاتها الأمنية بمفردها وحل قضية اللاجئين بطريقة لا تغير الطابع اليهودي لإسرائيل وإقامة عاصمتين لدولتين في القدس؛ وأخيراً، 5) تقاعس عباس وعدم انتهازه الفرصة لتولي مسؤولية المراكز الحدودية في نهاية صراع غزة عام 2014، الذي استمر 51 يوماً.
ويأتي على قائمة الأخطاء الإسرائيلية كل من 1) تصعيد وتيرة بناء المستوطنات؛ 2) العجز عن دعم نهج سلام فياض؛ 3) اعتماد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على اليمين المتطرف؛ 4) الإحجام عن تقديم تنازلات؛ 5 ) عدم محاولة إقناع المواطنين الإسرائيليين بأن “الانفصال عن الفلسطينيين ليس صنيعاً للفلسطينيين، بل هو أمر حاسم لإسرائيل إذا أرادت الحفاظ على هويتها الديمقراطية واليهودية.
ويشير الكاتبان إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ترتكب بالفعل أحد هذه الأخطاء: وهو “التواصل مع الإسرائيليين وتجاهل الفلسطينيين كلياً. إذ تشير الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الإدارة – نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنوروا) دون الإعلان عن آلية مؤسسية بديلة لتلبية الاحتياجات الإنسانية الحقيقية للاجئين الفلسطينيين، وقطع المساعدات عن المستشفيات، وإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن- إلى سياسة متسقة لتجاهل الاحتياجات والمخاوف الفلسطينية.
ويختتم الكاتبان المقال بالإشارة إلى أن خطة السلام المرتقب صدورها وطريقة عرضها وتنفيذها ستكون أكثر نجاحاً على الأرجح إذا أخذت في الاعتبار دروس الماضي وأقرت بأخطاء جميع الأطراف، حيث إن فهم أخطاء الماضي هو خطوة أولى نحو تشكيل مستقبل مختلف.