القاعدة 2.0 .. تنظيم معدّل تعلم من أخطائه وأخطاء داعش
بقلم إد بلانش – العرب ويكلي 5/7/2018
ملخص
يتابع الخبراء صعودا جديدا لتنظيم القاعدة بعد أن قام بإعادة بناء قوته العسكرية بشكل غير ملحوظ، واستغل الانشغال بالحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية ليعيد ترتيب صفوفه ويراجع أخطاءه ويظهر في نسخة جديدة يروج لها أيمن الظواهري على أنها أكثر “اعتدلا” من داعش، وهي خليط من موالين من شمال غرب أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا، ضمن مشهد ينبئ بأن الحرب القادمة ضد القاعدة ستكون أكثر صعوبة لأن التهديد سيكون أكبر.
في قمة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية، تحدث البعض عن أفول نجم تنظيم القاعدة وتراجعه لصالح التنظيم الوليد. لكن تبين أن الأمر لم يكن تراجعا لتنظيم القاعدة بل هو مراجعة لأخطائه وتعديل لاستراتيجيته.
ويبدو أن تنظيم القاعدة لم ينج فقط من النزاعات الداخلية التي شابته، بل استطاع أن يتغلب على خسارة مؤسسه، أسامة بن لادن وغيره من القادة الذين قُتلوا في الحملة التي قادتها الولايات المتحدة، وأعاد بناء نفسه من جديد وخرج بقوة تضم ما يصل إلى 40 ألفا من أكثر المقاتلين المتشددين.
قام تنظيم القاعدة بإحياء نفسه من جديد وخرج بقوة أكبر من بين الحطام الأيديولوجي الذي تسببت في حدوثه عقيدة تنظيم داعش المروعة. ويشير إلى ذلك المحلل الأميركي بروس هوفمان بقوله “بعد مرور ما يقرب من سبع سنوات على مقتل أسامة بن لادن، ازداد تنظيم القاعدة من حيث الحجم وعدد المؤسسات والمنظمات التابعة له أكثر من أي وقت آخر في تاريخه”.
ويشكل أيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن، بحسب هوفمان، تهديدا غير مسبوق بالنسبة للغرب والمعارضين لتنظيم القاعدة. وكتب هوفمان، في تحليل لمجلس العلاقات الخارجية ومقره الولايات المتحدة، “من شمال غرب أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا، تمكن تنظيم القاعدة من توحيد حركة عالمية تضم حوالي عشرين من الأذرع والمنظمات المحلية”.
وكان الظواهري، الذي تم وصفه في الكثير من الأحيان بأنه يفتقر إلى موهبة بن لادن، يعقد اجتماعات تنظيم القاعدة بعد مقتل بن لادن في مايو 2011 داخل مخبئه في باكستان على يد القوات الخاصة الأميركية وبعد أن قضت أيضا على بعض كبار قادة التنظيم في الضربات الجوية التي شُنت بأمر من الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وبحسب هوفمان، يمتلك تنظيم القاعدة بعد أن نجا من أشد حملات مكافحة الإرهاب ما يقرب من 10 آلاف إلى 20 ألف مقاتل في سوريا وبين 7 آلاف إلى 9 آلاف في الصومال وحوالي 5 آلاف في ليبيا وحوالي 4 آلاف في اليمن وعدد مماثل منتشر في منطقة المغرب والساحل وما يقرب من 3 آلاف في إندونيسيا وحوالي 1000 في جنوب آسيا.
وأضاف هوفمان، أن “التقدم في وسائل الاتصالات الرقمية مكّن قادة التنظيم من الحفاظ على الاتصال ببعضهم البعض عبر تقنيات تشفير آمنة. وبناء على ذلك، تم توزيع قادة التنظيم في سوريا وإيران وتركيا وليبيا واليمن، مع الإبقاء على بعض كبار القادة في أفغانستان وباكستان”.
بين داعش والقاعدة
تم توزيع قادة تنظيم القاعدة في سوريا وإيران وتركيا وليبيا واليمن، مع الإبقاء على بعض كبار القادة في أفغانستان وباكستانتم توزيع قادة تنظيم القاعدة في سوريا وإيران وتركيا وليبيا واليمن، مع الإبقاء على بعض كبار القادة في أفغانستان وباكستان
بعد حرب العراق، التي تسببت في ظهور تنظيم داعش وعقيدته المتوحشة، كان على القاعدة مواجهة هذا التحدي الذي يمثله التنظيم الناشئ في وقت فقد فيه تنظيم القاعدة القادة الرئيسيين والمفكرين الاستراتيجيين والقادة العسكريين.
وفي عام 2014 أعلن تنظيم داعش عن إقامة “دولة الخلافة الإسلامية” بعد استيلائه على مساحات واسعة من العراق وسوريا. كما شجع نجاح داعش عددا كبيرا من مقاتلي القاعدة على الانشقاق عن التنظيم واستراتيجيته على المدى الطويل.
ومن أهم حركات التمرد التي حدثت داخل صفوف القاعدة في شمال سوريا انشقاق أبومحمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، حيث أقام منظمة منافسة ومستقلة تماما عن التنظيم، ما أدى إلى إراقة الكثير من الدماء وحدوث الكثير من التصدعات والشقوق العميقة داخل المؤسسة الجهادية.
وقال هوفمان إن استراتيجية الظواهري صممت “من أجل حماية القيادات العليا المتبقية للتنظيم وتكريس نفوذه بشكل مؤكد على المناطق التي يتمتع فيها التنظيم بحضور قوي”.
وتستند خطة الظواهري إلى ثلاثة محاور استراتيجية: تعزيز الأذرع والمنظمات التابعة له وتجنب عمليات القتل الجماعي خاصة تلك التي قد تقتل المدنيين المسلمين وتوجيه الضربات لداعش من التحالفات المحتشدة ضده.
سمحت هذه الخطة لتنظيم القاعدة بتصوير نفسه على أنه “تنظيم معتدل، وأكثر اتزانا وأكثر منافسة لتنظيم داعش”، بحسب تصريحات هوفمان. ومن الواضح أن الظواهري اتخذ بالفعل قرار تجنب شن هجمات على الولايات المتحدة والغرب -في الوقت الحالي على الأقل- لتقليل شن الحملات التي يمكن أن تهدد نمو تنظيم القاعدة الجديد، وكذلك حتى يعطي لنفسه الوقت والمساحة لإرساء أسس التنظيم الجديدة.
لكن ليس من الواضح بعد كم من الوقت سيستغرق الظواهري في هذا السبات العميق، حيث لم ينفذ تنظيم القاعدة هجوما كبيرا في دول الغرب منذ أن هاجم أربعة انتحاريين شبكة النقل العام في لندن في 7 يوليو 2005، مما أسفر عن مقتل 56 شخصا، بمن فيهم المفجِّرون، وإصابة 700 آخرين.
وكان هجومه الوحيد في دول الغرب منذ ذلك الحين هو عملية شارلي إبدو في باريس في 7 يناير 2015، لكن التنظيم، على الرغم من ذلك، يمكنه أن يعيد تنشيط العمليات الإرهابية الخارجية في أي وقت يختاره.
مراجعة الأخطاء
من الأسباب التي أدت إلى فقدان تنظيم داعش الخلافة المزعومة أيديولوجيته الدينية العقائدية المتوحشة التي تستهدف الجميع، مسلمين وغيرهم.
وفي المراحل الأولى من عمر تنظيم القاعدة، ارتكب التنظيم نفس الخطأ وقام بإقصاء واستبعاد المسلمين، بشكل رئيسي من خلال مظهره المتشدد وغير المتسامح والعداء تجاه المصالح والممارسات القبلية السائدة في العالم الإسلامي.
غير أن الظواهري تبنى منذ فترة طويلة نهجا “أكثر اعتدالا” واستغل التجاوزات الوحشية لداعش من أجل ترويج سياسته الخاصة في تفسير الدين الإسلامي كنوع من أنواع المنافسة الأيديولوجية مع داعش.
وقال توماس مكابي، المحلل السابق في وزارة الدفاع الأميركية لمكافحة الإرهاب، تعليقا على بحث نُشر في منتدى الشرق الأوسط “إلى حد بعيد، تعلم تنظيم القاعدة من أخطائه وعدل استراتيجيته، وربما تجعله هذه التعديلات الأخيرة التي أجراها أكثر خطورة، بل ربما تجعله أكثر نجاحا”.
قدامى محاربي القاعدة يقودون فروع التنظيم في سوريا
إرهابيون قدامى بحلة جديدةإرهابيون قدامى بحلة جديدة
تأسس تنظيم حراس الدين في 27 فبراير الماضي، من خلال دمج ستة فصائل جهادية، ثم انضمت إليه العديد من المجموعات الصغيرة. وحددت مصادر مختلفة قائد الوحدة الجديدة باسم أبوهمام الشامي، واسمه الحقيقي فاروق السوري، وهو من قدامى محاربي القاعدة، والقائد السابق لجبهة النصرة ومؤيد أيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن كقائد للقاعدة.
وقال المحلل تشارلز ليستر، الخبير في شؤون القاعدة “يعتقد أن العديد من قادة التنظيم كانوا متورطين في الهجمات التي تم التخطيط لها ضد الغرب من سوريا، والذين سمتهم الولايات المتحدة بجماعة خراسان”. وتم تحديد أعضاء هذه الجماعة على أنهم أهداف ذات أولوية عالية.
وكان من بين هؤلاء المحاربين القدامى سيف العدل، وهو عقيد سابق لدى القوات الخاصة المصرية، وكان مقربا من بن لادن، وعُرف عنه أنه القائد والخبير الاستراتيجي الأكثر تشددا في المعارك. ويقول ليستر إن حراس الدين يعمل بجد في الخفاء ولا يترك وراءه الكثير من الأثر. وحذّر قائلا “مثل تنظيم القاعدة قبل حادثة 11 سبتمبر، أو داعش قبل توسعه المذهل في عام 2014، يعمل تنظيم حراس الدين في شمال غرب سوريا دون عقاب أو مراقبة”.