شؤون إسرائيلية

إبراهيم نوار يكتب – ائتلاف «التغيير» في إسرائيل وتحديات ما بعد نتنياهو

إبراهيم نوار 9/6/2021

إذا صوّت الكنيست بمنح الثقة لحكومة «التغيير» فإن الائتلاف الجديد سيكون قد نجح في إقصاء نتنياهو عن الحكم، وأنهى سيطرته على المشهد السياسي الإسرائيلي منذ عام 2009. لكن ذلك لا يعني خروجه نهائيا من المشهد السياسي، فهو سيظل زعيما قويا للمعارضة، بصفته زعيم الليكود، الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد داخل البرلمان الإسرائيلي (30 مقعدا). ومن موقعه الجديد سيحاول نتنياهو بكل الطرق تقصير عمر الحكومة الجديدة إلى أيام وليس شهورا، على أمل إجراء انتخابات نيابية خامسة يفوز فيها هو وأنصاره بعدد من المقاعد يؤهله لتشكيل حكومة جديدة. ومن ثم فإن قوى التغيير التي تتمتع بأغلبية صوت واحد في الكنيست ستكون دائما على حافة الهاوية، ما لم يتم تعديل ميزان القوى داخل الكنيست.

وقد اقترح رئيس الوزراء الأسبق أيهود أولمرت في مقال نشرته صحيفة «جيروساليم بوست» (23 إبريل 2021) على نفتالي بينيت أن ينشئ «الليكود الجديد» بالتعاون مع جدعون ساعر المنشق عن الليكود، ليضم معظم نواب الليكود الحاليين، إضافة إلى نواب حزب «الأمل الجديد» بقيادة ساعر، ونواب «يمينا» بقيادة بينيت. وقال أولمرت، إن إقامة حزب «الليكود الجديد» هو الذي سينهي حلم نتنياهو بالمنافسة على منصب رئيس الوزراء للأبد.

أربعة تحديات

يواجه ائتلاف «التغيير» أربعة تحديات رئيسية، هي السلام مع الفلسطينيين، واستمرار التطبيع مع الدول العربية، ومواجهة إيران، وبناء نظام للأمن والتعاون الإقليمي. وسوف يحكم سلوك «حكومة التغيير» في حال نجاحها، تجاه هذه التحديات، ثلاثة محددات رئيسية يمثل كل منها قيدا على خياراتها السياسية، أولها المحافظة على تماسك الحكومة وبقائها، ففي حال سقوط الحكومة ينعدم بالضرورة دورها السياسي، وثانيها هو المحافظة على علاقات قوية مع الولايات المتحدة، والابتعاد عن كل ما يمكن أن يهددها أو يضعفها، وثالثها هو العمل على تحسين صورة إسرائيل، بعد موجة الانتقادات العالمية غير المسبوقة، التي تعرضت لها، حتى من داخل الكونغرس الأمريكي، والمنظمات الصهيونية ذات الميول الليبرالية، أو اليسارية، إضافة إلى منظمات حقوقية عالمية أصبحت تتهمها بأنها دولة «تفرقة عنصرية» جعلت من غزة سجنا كبيرا، ومن العرب مواطنين من الدرجة الثانية، واستباحت المناطق المحتلة، خلافا لما يقضي به القانون الدولي.

السلام مع الفلسطينيين

قضية إسرائيل الوجودية ترتبط مباشرة بإقامة سلام مع الفلسطينيين، ولن يتحقق أمن إسرائيل باستخدام القوة الغاشمة، فهذه قد تنفع في الأجل القصير، لكنها تضع وجودها على حافة الهاوية في الأجل الطويل، وحتى لو تصور بعض زعماء إسرائيل أن السلاح النووي هو بوليصة الضمان للمستقبل، فإن تجارب العالم كله مع السلاح النووي، من صراع كشمير، إلى صراع القرم، إلى كوبا، أثبتت أن الحلول السياسية، وليس القوة الغاشمة، هي الطريق إلى تحقيق السلام والأمن. المعضلة الكبرى التي يواجهها ائتلاف «التغيير» هي تمثيله لكل أطراف الطيف السياسي الإسرائيلي، من «يمينا» بينيت الداعي إلى توسيع الاستيطان، وابتلاع الضفة الغربية، إلى يسار «ميريتس» المؤيد لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام إلى جانب دولة إسرائيل. واذا أراد بنيامين نتنياهو أن يفجر حكومة «التغيير» ويسقطها، فما عليه إلا أن يقذفها بقنبلة توسيع الاستيطان. ومن المرجح أن تحاول أطراف ائتلاف «التغيير» أن تتجنب ذلك بتأجيل موضوع السلام مع الفلسطينيين إلى أبعد وقت ممكن، وأن تفوت على نتنياهو فرصة إسقاط الحكومة، التي تسعى لتقديم نفسها إلى الرأي العام الإسرائيلي على أنها «حكومة وحدة وطنية». وربما يكون في وسع حكومة (بينيت – لابيد) أن تغير جدول أعمال السلام مع الفلسطينيين، بعيدا عن حل الدولتين وتوسيع الاستيطان، بنقل مركز الثقل الرئيسي للنشاط السياسي في هذه المسألة إلى ثلاث قضايا فرعية، لكنها مهمة من حيث الأولوية الزمنية، وهي أولا تبادل السجناء، وإعادة بناء غزة وتحسين أوضاعها الإنسانية. وهي ستكون في ذلك على اتفاق مع الحكومة الأمريكية وبعض الحكومات العربية. وثانيا تهدئة الوضع في القدس الشرقية والضفة، بإيجاد تسوية قانونية أو سياسية لمسألة توسيع ملكية اليهود على حساب العرب في حي الشيخ جراح وقرية سلوان، وفتح بوابات التعاون لتعزيز دور السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، بما فيها المنطقة (ج) بهدف تقليل حدة الهجوم الذي تتعرض له إسرائيل في الخارج، ومن أجل رفع أسهم السلطة الوطنية الفلسطينية في المناطق المحتلة، بعد الخسائر السياسية التي لحقت بها، جراء حرب غزة الأخيرة. أما القضية الثالثة فإنها تتعلق بضرورة إصلاح ما لحق بالتعايش العربي – اليهودي داخل إسرائيل، من أضرار شديدة خلال الأسابيع الأخيرة نتيجة للحرب، وعمليات التخريب المتعمدة التي تقوم بها عصابات إجرامية مدعومة من نتنياهو واليهود المتطرفين. إن الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل بأنها تمارس سياسة «أبارتايد» ضد مواطنيها العرب، تنتشر كانتشار النار في الهشيم في كل أنحاء العالم، ولن تستطيع الحكومة الإسرائيلية إطفاء حريق اتهامها بممارسة سياسة «أبارتايد» مهما حاولت ترويع الذين يتهمونها بأنهم معادون للسامية. وستجد الانتقادات الموجهة لإسرائيل غذاء كافيا من وقائع التمييز ضد العرب داخل إسرائيل، وهدم بيوتهم، وفصلهم من وظائفهم، وحرمانهم من التمتع بحقوق المواطنة الكاملة، ما يجعلهم في مكانة قانونية غير متساوية مع غيرهم من مواطني الدولة.

التطبيع مع العرب

لا يبدو استمرار التطبيع مع العرب مهددا، على الرغم من حرب غزة وما تلاها حتى الآن. وقد انقسمت الحكومات العربية المرتبطة باتفاقيات تطبيع مع إسرائيل في الأسابيع الأخيرة إلى ثلاث مجموعات، الأولى تقودها مصر، تعاونت مع إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار في غزة، والثانية يقودها المغرب، لم تتردد في توجيه انتقادات إلى إسرائيل بسبب الحرب، والثالثة مجموعة بقيادة الإمارات تبنت الموقف الإسرائيلي تماما، ودافعت عنه بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى وصل بها الأمر إلى توجيه اتهامات للفلسطينيين. وعلى الرغم من اختلاف نهج تلك الدول، إلا أنها جميعا تشترك في مصلحة استمرار علاقاتها باسرائيل، وحاجتها إلى توسيع نطاق هذه المصالح. وعلى الجانب الإعلامي الرسمي يبدو الخطاب العربي تجاه إسرائيل والتطبيع منقسما بين تيارين: الأول يكرر مفردات خطاب الفشل والهزيمة، ويقول إن إسرائيل هي كيان دخيل على المنطقة محكوم عليه بالفناء، ومن ثم يعارض التطبيع من حيث المبدأ، كجزء لا يتجزأ من سياسة «المقاومة» المستمرة منذ عشرينيات القرن الماضي، منذ بدأت الحركة الصهيونية الاستيطانية في فلسطين. أما التيار الثاني فإنه، منذ اتفاقيات «العهد الإبراهيمي» وبعد انتهاء حرب غزة، يقدم إسرائيل على أنها تخطو في اتجاه «الدولة الفاضلة» ويدعو جمهوره العربي إلى الانتظار بعض الوقت، حتى يرى حقيقة «إسرائيل الفاضلة» المحبة للسلام! وتخدم هذا التيار أنظمة عربية تتاجر بالقضية الفلسطينية، وتعتبر حُسن العلاقات مع إسرائيل أساسا من أسس بقائها واستقرارها، ولن تواجه حكومة التغيير مشكلة كبيرة في المحافظة على التطبيع مع الدول العربية وتوسيعه.

مواجهة إيران

خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، أعاد بيني غانتس وزير الدفاع الإسرائيلي في حكومة نتنياهو، وعضو ائتلاف «التغيير» التأكيد على الطابع الحاسم للعلاقات مع الولايات المتحدة، وأهمية ضمانها للتفوق العسكري الإسرائيلي، وتعزيز برنامج التسلح والعلاقات المتبادلة بينهما، ووقوف إسرائيل ضد إيران، حتى لو اضطرت إلى أن تواجهها بمفردها بدون دعم أمريكي، وحتى لو وصلت هذه المواجهة إلى نقطة الحرب. ولا شك بأن غانتس في تصريحاته التي أطلقها في واشنطن أخيرا يعكس موقف حكومة نتنياهو المنتهية، لكنه في الوقت نفسه يعبر أيضا عن أغلبية التيارات المنتمية إلى حكومة التغيير. وليس من المتوقع أن تتبنى الحكومة الجديدة نهجا مختلفا من حيث الجوهر تجاه إيران، لكنها ستتبنى بالقطع خطابا مختلفا يتميز بالاعتدال في نقد محاولة الولايات المتحدة عقد صفقة مع إيران، تعيدها للالتزام بالاتفاق النووي. حكومة التغيير ستحرص على ألا تبدو أقل عداء لإيران من حكومات نتنياهو، لكنها إذا استمرت فسيكون أمامها خيار التحول من خيار «المواجهة» إلى خيار «الاحتواء» وستشجعها الولايات المتحدة على ذلك.

بناء نظام للأمن الإقليمي

ويتعلق التحدي الرابع بمدى التقدم على طريق إقامة نظام للدفاع والأمن والتعاون الإقليمي بقيادة الولايات المتحدة، وليس بقيادة اسرائيل، مع التسليم لها بدور متميز على صعيد هيكل إدارة العمليات داخل المنطقة. وتعتبر الولايات المتحدة أن السعودية يجب أن تكون لاعبا فاعلا داخل هذا النظام، وهو ما يفسر حرصها حاليا على التوصل إلى تسوية لانهاء التورط السعودي في حرب اليمن. وفي حال نجاحها في ذلك، فإن تطبيع العلاقات السعودية – الإسرائيلية سيكون الجائزة الكبرى التي تحصل عليها الحكومة الجديدة، في حال انتظامها بدون عوائق ضمن الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى