إبراهيم نوار: ويتكوف يقدم حلا لإسرائيل للهروب من مصيدة «اللاحسم»

إبراهيم نوار 4-6-2025: ويتكوف يقدم حلا لإسرائيل للهروب من مصيدة «اللاحسم»
تعلمنا من هانز مورغنتاو وهنري كيسنجر، أن المفاوضات الناجحة يديرها سياسيون لا وسطاء عقاريون، وأن المفاوض الجيد يكون موثوقا في حياديته، وأن هدف المفاوضات هو التقريب بين الأطراف لبناء واقع جديد مستدام، لم يكن موجودا قبل التفاوض، وأن الوصول إلى هذا الواقع الجديد يبدأ بخطوات صغيرة للأمام، وليس بتثبيت الأمر الواقع، لكننا في محاولة إنهاء الحرب في غزة والخروج من «مصيدة اللاحسم» نجد أنفسنا أمام مفاوضات يديرها مطور عقاري اسمه ستيف ويتكوف، يعمل بتوجيهات سمسار عقارات أكبر هو رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، على العكس مما كان عليه الحال بعد حرب أكتوبر 1973 عندما لعب هنري كيسنجر دور الوسيط المفاوض، بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا.
نحن لسنا إذن بصدد إدارة مفاوضات، وإنما بصدد إدارة مقاولات وصفقات تتوقف نتائجها على مهارات المساومة واستخدام كل الأدوات المبتذلة سياسيا مثل، الوعيد والانحياز المفضوح، ولذلك ليس غريبا أن يصدر ويتكوف فور تلقيه رد حماس على خطته بيانا يصف فيه الرد بأنه «غير مقبول مطلقا»، جاهلا حقيقة أن مصداقيته كوسيط تتوقف على حياده، وأن دوره كمفاوض يتركز على تقريب مواقف الأطراف المختلفة، ولا يمكننا أن ننصحه بقراءة كيسنجر ودراسة مورغنتاو، فهو لا طاقة له على ذلك، حتى لو أتي بجمع من المستشارين حوله، حتى يعلم أن ورقة الحوار قابلة للمناقشة والتعديل، وليست اتفاقا نهائيا.
ورقة ويتكوف تنطلق من إعادة هيكلة الوضع على الأرض في غزة، وإعادة ترتيب الأولويات بما يستجيب للمصلحة الإسرائيلية، ويتنكر للمصلحة الفلسطينية على طول الخط. ومع ذلك فإن رد المقاومة الفلسطينية جاء هادئا بعد مشاورات بين فصائل المقاومة من أجل التحرير في غزة والضفة الغربية. المقاومة قبلت بمطلب إعادة المحتجزين، ولكن حسب جدول معدل. وأضافت إلى ذلك ملاحظات تحفظ التوازن في أي تسوية للصراع بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، بما يضمن عدم استئناف الحرب في اليوم التالي لتسليم المحتجزين، تحوطا ضد تكرار ما حدث في الاتفاق الأخير. ملاحظات المقاومة على ورقة ويتكوف تتعلق مباشرة بالتعامل مع قضايا عاجلة على الأرض، الغذاء والدواء والأمان للفلسطينيين، الذين يتحملون ما لم يتحمله شعب في العالم منذ أكثر من 100 عام. ورقة ويتكوف، ومسار المفاوضات، والأهداف المرجو تحقيقها يجب أن تسير جميعا في اتجاه واحد يبني جسرا لتقريب المسافة بين الطرفين، وليس العكس من دون تكريس للأمر الواقع. ما صرح به ويتكوف بشأن ملاحظات المقاومة، يعقد الأمور أكثر، ولا يساعد على بناء الثقة في المفاوضات، ويفقده المصداقية كوسيط.
الوضع على الأرض
أسقطت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في غزة، في اللحظة التي استعادت فيها العدد المتفق عليه من المحتجزين. وجاءت هذه الخطوة للتهرب من تنفيذ ما التزمت به في الاتفاق بشأن بدء مفاوضات جادة للانسحاب وإنهاء الحرب. ولا شك أن أي عاقل لا بد أن يضع في اعتباره ضرورة التحوط من تكرار ذلك بعد أن تتسلم دفعة جديدة من المحتجزين. ويجري الحوار بشأن استئناف المفاوضات بينما تشن إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق لاحتلال قطاع غزة، وتدمير البنية الأساسية الإنسانية (المستشفيات والمدارس ومراكز الإغاثة التي تديرها الأمم المتحدة) وقتل السكان وتجويعهم حتى الموت وتهجيرهم. طبقا لآخر المعطيات فإن إسرائيل أصدرت أوامر استدعاء ما يقرب من نصف مليون شخص من قوات الاحتياط للانضمام الى الفرق العسكرية الخمس، التي بدأت العمل في غزة من الشمال إلى الجنوب اعتبارا من 18 مارس الماضي. إسرائيل لم تحشد في تاريخها مثل هذه القوة بعددها وعتادها في جبهة واحدة من جبهات الحرب. ويعتبر نتنياهو أن تصفية غزة نهائيا، وليس حماس فقط، هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للحكومة الحالية، وكل أنصار الصهيونية الدينية المتطرفة المؤيدين لها في العالم. وهو يعتقد أن تأثير أي مكاسب عسكرية حققها في جنوب لبنان وفي سوريا، يمكن أن يتلاشى طالما استمر صمود المقاومة في غزة، وأن خطة الاستيطان والسيطرة على الضفة الغربية سوف تواجه مقاومة شرسة، ويمكن أن تفشل بسبب الصمود الفلسطيني. وتتضمن الخطة المركبة التي يتبناها نتنياهو في غزة ثلاثة عناصر رئيسية: الأول هو اجتياح غزة بالحد الأقصى من القوة النيرانية المتاحة. الثاني هو تدمير البنية الأساسية الإنسانية تدميرا كاملا بحيث يصبح قطاع غزة بأكمله منطقة غير قابلة للحياة أو السكن. وعندما ارتفعت أصوات الإدانة ضده في العالم بسبب حرب التجويع وحرمان الفلسطينيين من المساعدات الإنسانية منذ 2 مارس الماضي، فإنه قرر نقل مسؤولية توزيع الأغذية الى الجيش الإسرائيلي، بحيث تتوافق المهمة مع أهداف الحرب وتكون جزءا منها. أما العنصر الثالث فهو التهجير وإخلاء غزة من أهلها، من الشمال الى الجنوب، بإصدار الأوامر للسكان بالفرار جنوبا، ثم جنوبا، ثم جنوبا. وهو الآن يطلب ممن انتقلوا الى الجنوب بالفرار إلى جيب صغير في جنوب غرب رفح. بالقطع يسعى نتنياهو إلى خلق كارثة إنسانية على حدود مصر مع قطاع غزة، ولا يعنيه كيف تتصرف مصر.
ويرى نتنياهو أن حرب غزة هي جزء من حرب أكبر متعددة الجبهات، ومن ثم فإنه حتى في حال نجاح المفاوضات، لن يكون ذلك نهاية الصراع في الشرق الأوسط بين إسرائيل وخصومها على الجبهات السبع، التي حددها نتنياهو (غزة، الضفة الغربية، جنوب لبنان او لبنان كله، سوريا، العراق، اليمن وإيران)، التي توعد نتنياهو بعدم إنهاء الحرب حتى سحقها جميعا. في هذا السياق تغيب عن المفاوضات حقيقة كبرى لها وجهان تستدعي اشتباك المجتمع الدولي بكل قوته. الوجه الأول هو أن الصهيونية المتطرفة لا ترفض التعايش العربي اليهودي فقط، وإنما هي ترفض الهوية الفلسطينية، لأن وجودها يعري الحقيقة الاستعمارية للصهيونية ويقوض أي حق للاستيطان الصهيوني في الأرض المحتلة. الوجه الثاني هو أن نتنياهو ومعه حكومة الحرب الإسرائيلية، يعتقد أن إبادة الفلسطينيين ومواصلة الحرب للنهاية هو أفضل الخيارات المتاحة لضمان ما يسميه «أمن إسرائيل». ومن الضروري أن يعلم نتنياهو، بالفعل وليس بالكلمات، أن استمرار الحرب ومواصلة عملية الإبادة ليس خيارا على الإطلاق، وأنه سيدفع ثمنا فادحا إذا استمر في ذلك. نتنياهو يعتقد أن الحرب في غزة «قد غيرت وجه الشرق الأوسط»، وهو يريده أن يتغير أكثر وأكثر، حتى تصبح المنطقة بأسرها تحت الهيمنة الإسرائيلية، طالما أنه لا يدفع ثمنا لعدوانه.
الصمود الفلسطيني
في المقابل فإن الشعب الفلسطيني في غزة وصل به الإنهاك الإنساني درجة لم يتعرض لها شعب من شعوب الأرض في التاريخ الحديث، وأصبحت الخيارات اليومية للحياة تضيق يوما بعد يوم، خصوصا مع استهداف البنية الأساسية الإنسانية. أما المقاومة الفلسطينية التي خسرت منذ بدء الحرب قياداتها وخيرة أبنائها فإنها مستمرة في دفع الثمن كل يوم. وعلى الرغم من الحصار وانعدام الإمدادات العسكرية، ونقص العتاد، فإن المقاومة ما تزال تعمل من داخل ما يمكن أن نطلق عليه «منطقة محررة « تتمثل في شبكة الأنفاق. و لا يزال المقاتلون، رغم قلة عددهم مقارنة بما كانوا عليه في بداية الحرب، قادرين على استهداف الأفراد والآليات وزرع العبوات المتفجرة، وتفخيخ المنازل التي يتحصن فيها جنود الجيش الإسرائيلي، لكن شجاعة المقاتلين وحدها لا تكفي إذا انقطعت الإمدادات الأساسية العسكرية والإنسانية على السواء. وإذا كانت المقاومة قد قبلت بالتفاوض مع العدو تحت النار، فإن هذا الموقف يعكس إيمان المقاتلين بأهمية السياسة والدبلوماسية على التوازي مع القتال، وأن تحقيق أهداف الصمود يتطلب المزج بين دور البندقية ودور الدبلوماسية. ويدرك الفلسطينيون وهم يتعرضون لهجمات المستوطنين الاشرار وقوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، حيث تتعرض حياتهم للتهديد، وممتلكاتهم للحرق، أن قضية أبناء غزة ليست منفصلة عن قضية أبناء نابلس والخليل ورام الله وغيرها. وان شهية الإسرائيليين لاحتلال قطاع غزة وتهجير سكانه لا تقل عن شهيتهم لتوسيع الاستيطان في الضفة وطرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم في كل أنحاء الضفة. ولا يزال هدف الصمود الفلسطيني واحدا في كل الأحوال ألا وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على أرض فلسطينية، ليس في سيناء كما تريد إسرائيل، ولا في الريفييرا الفرنسية كما اقترح سفير الولايات المتحدة الحالي في تل أبيب، ساخرا من دعوة فرنسا لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. صمود الفلسطينيين هو سلاحهم، ومن حقهم الحصول على التأييد الفعلي الكامل وغير المشروط.