أقلام وأراء

إبراهيم نوار: هل تخشى الحكومات العربية فرض عقوبات على إسرائيل؟!

إبراهيم نوار 28-5-2025: هل تخشى الحكومات العربية فرض عقوبات على إسرائيل؟!

 

عندما ترى حماس عددٍ من قيادات أوروبا والعالم، ضرورة فرض عقوبات دولية على إسرائيل، لإجبارها على وقف الحرب، والسماح بحرية إدخال وتوزيع الإمدادات الإنسانية، وإنهاء الحصار على غزة، وقبول التفاوض من أجل تسوية سياسية على أساس حل الدولتين، فإنك تشعر بحسرة شديدة من موقف الحكومات العربية، التي تكتفي ببيانات الشجب والإدانة، بينما بعضها يمارس في الخفاء مهنة التواطؤ بلا خجل، والهجوم المبطن على المقاومة الفلسطينية بلا حياء.

الجديد في هجوم الدبلوماسية الدولية هو المؤتمر الذي تشارك في الإعداد له فرنسا والسعودية الشهر المقبل، بهدف وقف الحرب، والسعي للتوصل إلى تسوية دولية على أساس حل الدولتين، وهو حل لا ترفضه إسرائيل فقط، وإنما تعمل على تخريب الشروط الأولية كافة اللازمة لتحقيقه. الهجوم الدبلوماسي العالمي من أجل وقف الحرب وإدخال المساعدات والتوصل إلى تسوية سلمية من أجل حل الدولتين، يضم أيضا في الوقت الحاضر أكثر من ثلث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ودول رئيسية أخرى منها بريطانيا وكندا والنرويج. كذلك تقود إسبانيا مجموعة «مدريد» التي ضمت في اجتماعها العام الماضي مصر والسعودية وقطر والأردن وتركيا جنبا إلى جنب مع دول أوروبية، تساند حل الدولتين بوصفه الطريق العملي في الوقت الحاضر، لإقامة سلام بين فلسطين وإسرائيل.

مؤتمر نيويورك الذي تقوم بالإعداد له السعودية وفرنسا الشهر المقبل، لن يضيف كثيرا إلى كم ونوع الاعتراف بدولة فلسطين على المستوى العالمي، ذلك أن الدول المعترفة بدولة فلسطين رسميا داخل الأمم المتحدة يبلغ عددها 147 دولة، ما يعادل ثلاثة أرباع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لكنه يمكن أن يخلق زخما إضافيا قويا على الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية، إذا تضمنت أهدافه فرض عقوبات على إسرائيل لوقف الحرب، وإدخال المساعدات، وفك الحصار، والانسحاب من غزة، تمهيدا للاتفاق على إجراء مفاوضات سياسية بوساطة وضمانات دولية، تساعد على إنتاج ثمار عملية تفتح الطريق إلى سلام عادل ودائم بين الطرفين.

وتلقى الدعوة إلى فرض عقوبات دولية على إسرائيل، تأييدا كبيرا في أوروبا وكثير من دول العالم، باعتبارها وسيلة ضغط، في تكرار دبلوماسي للعقوبات الأفريقية الأوروبية والدولية على نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا. لقد نصت قرارات مجلس الأمن الدولي على وقف الحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإدانة الشخصيات المتورطة في جرائم حرب، منهم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت وغيرهم. إسرائيل لم تنفذ تلك القرارات، بل إنها لجأت إلى استخدام أساليب مختلفة لإضعافها. هذه المرة، المسألة ليست الاعتراف بدولة فلسطين، ولكنها تحويل قرار إقامة دولة فلسطينية إلى واقع، من خلال عملية دبلوماسية لها أسنان. ولن تبدأ هذه العملية من دون رؤية واضحة، تتعلق بحدود الدولة، ووحدة أراضيها، والضمانات الدولية التي تحميها من العدوان، ومساعدة الفلسطينيين على وضع نظام أساسي لها، يضمن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، والمساءلة والشفافية، وطبيعة علاقاتها مع جيرانها، وكفاءة الإدارة، وتوفير وسائل الرفاهية لشعبها في الحاضر والمستقبل.

ومن دون توفر وتفعيل أدوات للضغط على إسرائيل، فإن حكومتها سوف تستمر في انتهاك القانون الدولي، وتكرار محاولات ابتزاز العالم بادعاءات «معاداة السامية» التي تتحصن وراءها، وتستخدمها في التنكيل بضحاياها، وأولهم الشعب الفلسطيني. ومن أمثلة العقوبات التي يمكن فرضها على إسرائيل ما جاء في وثيقة مجموعة «موظفو الاتحاد الأوروبي من أجل السلام» التي تضم أكثر من 2000 مسؤول يعملون في المفوضية والبرلمان والمنظمات الفرعية للاتحاد الأوروبي. الوثيقة صدرت في الذكرى الأولى لتشكيل المجموعة في العام الماضي. وجاء في رسالة العام الحالي: «لقد فشلت مؤسسات الاتحاد الأوروبي في استغلال نفوذه السياسي والدبلوماسي والاقتصادي لتحسين الوضع في غزة».

وأضافت الرسالة الموجهة إلى رؤساء المفوضية والمجلس والبرلمان الأوروبي أن «تقاعس» الاتحاد الأوروبي «ساهم في خلق بيئة من انعدام المساءلة، أدت إلى الغزو الشامل لقطاع غزة في هذه اللحظة». الرسالة تتزامن مع مراجعات جادة للموقف الأوروبي من إسرائيل، تتضمن مراجعة اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، بناءً على طلب أغلبية كبيرة من الدول الأعضاء. ورحّبت مجموعة «موظفو الاتحاد الأوروبي» بهذه الخطوة، لكنها قالت إنها جاءت «متأخرة للغاية بالنسبة لآلاف الضحايا في غزة».

المفوضية الأوروبية لم تعلن حتى الآن آلية المراجعة وجدولها الزمني. وبينما لا يُمكن تعليق اتفاقية الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، إلا بإجماع الدول الأعضاء السبع والعشرين حسب ميثاق الاتحاد، فإنه يُمكن تجميد أحكام رئيسية، بما في ذلك المتعلقة بالتجارة وبمشاركة إسرائيل في برنامج تمويل الأبحاث «هورايزون» الأوروبي، بناءً على تصويت أغلبية الدول الاعضاء. وكانت رسالة العام الماضي قد طالبت بتعليق اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل، ووقف صادرات الأسلحة، وبذل جهود عملية لدعم عمل المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية. واتهمت المجموعة هيئات الاتحاد الأوروبي بأنها تعمل بـ»ازدواجية معايير واضحة» لعدم إدانتها القادة الأوروبيين الذين ناقشوا استضافة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب. وكانت المجر قد استضافت رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في زيارة استمرت أربعة أيام في الشهر الماضي.

وفي مجال فرض العقوبات على إسرائيل أعدت حكومة جمهورية أيرلندا مشروع قانون لحظر استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة. وتشمل هذه المنتجات الأخشاب والتمور والفواكه والزيتون والخضروات وغيرها. وعلى الرغم من أن منتجات المستوطنات الإسرائيلية التي تدخل أيرلندا محدودة جدا، إلا أن موقف الحكومة يعبر عن تيار قوي ضد الحرب الإسرائيلية في غزة. كذلك فإن حكومة إسبانيا تعتزم فرض قيود على معاملاتها التجارية مع إسرائيل. وقد امتد نطاق البحث في فرض عقوبات تجارية على إسرائيل إلى دول كانت شديدة التحفظ تجاه استخدام هذا الأسلوب مثل بريطانيا وكندا. وتؤيد الحكومة البريطانية حاليا توسيع نطاق حظر صادرات السلاح الى إسرائيل وإعادة النظر في اتفاقية التجارة والشراكة الموقعة بين الجانبين عام 2019. ويتسع نطاق الدعوة إلى فرض عقوبات اقتصادية ضد إسرائيل، في إطار الضغوط لوقف الحرب في معظم بلدان أوروبا، بما فيها الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل النرويج.

وقد دعا الاتحاد العام للنقابات العمالية في النرويج إلى مقاطعة كاملة لإسرائيل، بما في ذلك سحب الاستثمارات من الشركات العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يتعرض صندوق الثروة السيادية النرويجي، أكبر الصناديق السيادية في العالم، لضغوط لسحب استثماراته من شركات عاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد سحب الصندوق بالفعل استثماراته من بعض هذه الشركات، كما يدرس اتخاذ المزيد من الإجراءات. وقد تعرضت إسرائيل منذ اوائل العام الماضي لموجة واسعة من إجراءات سحب الاستثمارات بواسطة مستثمرين أجانب في إطار محاولات الضغط عليها من أجل وقف الحرب.

وفي هذا السياق، ومن أجل إثبات مصداقيتها السياسية في الدعوة الى وقف حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة، تستطيع الدول العربية المعنية وقف تبادل الزيارات الرسمية مع إسرائيل، ومنع طائراتها من استخدام المجال الجوي العربي، وحظر دخول سفنها إلى الموانئ العربية، وفرض إجراءات مقاطعة تجارية عليها، ووقف المعاملات المالية. كما يجب على الدول العربية المعنية إعلان تجميد عضويتها في «منتدى النقب»، والاتفاقيات الأخرى الثنائية، أو المتعددة الأطراف مع إسرائيل. ومن الضروري أن تكون العقوبات مشروطة بإنهاء الحصار الإسرائيلي لغزة، ووقف إطلاق النار، ودخول الإمدادات الإنسانية الى الفلسطينيين، وتوزيعها تحت ظروف آمنة بواسطة منظمات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الإنسانية الدولية، ووقف استهداف المنشآت المدنية الفلسطينية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمساجد والمخابز ومخازن الغذاء والدواء ومحطات المياه والكهرباء وغيرها من المؤسسات، وعدم استهداف الأنشطة الاقتصادية المدنية مثل النقل والاتصالات والزراعة وصيد الأسماك.

ومن غير الأخلاقي ألا يكون مسموحا للمواطنين في بعض البلدان العربية بالتظاهر لنصرة غزة. ومن غير الأخلاقي ألا يكون في غزة متطوعون عرب بجانب المتطوعين الأجانب لتقديم المساعدات للفلسطينيين في المستشفيات والمدارس ومراكز الإغاثة. ومن غير المقبول قانونا أن تغلق إسرائيل منافذ الدخول إلى غزة وحرمان الفلسطينيين من المساعدات الإنسانية. إن الحكومات العربية تقف اليوم مسؤولة أمام التاريخ عما تفعل لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة، من خلال الحصار والقتل والتجويع حتى الموت وتدمير المستشفيات وهدم المدارس والمساجد. ولن تستطيع هذه الحكومات الإفلات من حكم التاريخ، إذا هي اكتفت بإصدار البيانات الجوفاء ومطالبة العالم بنصرة الشعب الفلسطيني، بينما تقف هي مكتوفة الأيدي.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى