إبراهيم نوار: نتنياهو يعيد تأكيد استراتيجية «الحرب المستمرة» في غزة

إبراهيم نوار 23-4-2025: نتنياهو يعيد تأكيد استراتيجية «الحرب المستمرة» في غزة
تستحق كلمة نتنياهو المسجلة التي بثها التلفزيون الإسرائيلي مساء السبت 19 أبريل الحالي، قراءة دقيقة واهتماما خاصا، لثلاثة أسباب رئيسية: الأول هو تعاظم قوة تيار رفض استمرار الحرب داخل المجتمع الإسرائيلي، وفي صفوف العسكريين من جنود وضباط الاحتياط، بمن فيهم قيادات كبيرة سابقة. ويواجه حكم نتنياهو خطرا كبيرا، لأن ذلك يترافق مع اتساع الحركة المدنية المعارضة للتعدي على استقلال القضاء. وبدا نتنياهو في كلمته وكأنه يلوذ بخندق الدفاع عن استراتيجيته في غزة، أكثر مما كان يهاجم خصومه في الداخل.
السبب الثاني هو أن قدرة نتنياهو على إدارة العلاقات مع حليفه الرئيسي في العالم دونالد ترامب، أصيبت بصدمة شديدة خلال الأسبوعين الأخيرين، منذ أبلغه ترامب، بعد أن استدعاه على وجه السرعة من بودابست إلى واشنطن، أنه قرر البدء في مفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي. وتأتي صدمة نتنياهو من أنه كان يضغط في الخفاء لتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية بمشاركة الولايات المتحدة، ما يرفع قيمة أسهمه السياسية والعسكرية، ومكانة إسرائيل الاستراتيجية في الشرق الأوسط، لكن ترامب، كما أوضح في تصريحات لاحقة، ليس متعجلا في شأن توجيه ضربة إلى إيران، ويفضل التفاوض لعقد اتفاق جديد يضمن عدم امتلاكها السلاح النووي. ويبدو الآن أن ترامب تعلم درسا من انسحابه من الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى خلال فترة رئاسته الأولى. هذا الموقف من جانب ترامب أصاب نتنياهو بالدوار، فأصبح لا يعرف على وجه التحديد كيف يتعامل مع ما يعتبره تهديدا وجوديا للدولة الصهيونية.
أما السبب الثالث فإنه يتعلق بمسار الاتصالات الجارية، التي تقودها مصر وقطر، بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وهي اتصالات تراوح في مكانها تقريبا، بسبب التعنت الإسرائيلي، وتمسك نتنياهو بأولوية استعادة المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في غزة مجانا من دون تقديم أي ثمن، بل الأكثر من ذلك أنه يريد في الوقت نفسه الاستمرار في حرق غزة وتهجير سكانها أو قتلهم. لهذه الأسباب الثلاثة نقول، إنه من الضروري قراءة الكلمات وما بينها والسطور وما بين السطور، ليس فقط لفهم كيف يفكر نتنياهو، ولكن، وهو الأهم، لصياغة خطوط استراتيجية عملية قابلة للتحقيق، لقطع الطريق على مشروع نتنياهو في غزة، الذي نعتقد بقوة أنه يمثل رأس الرمح لهيمنة إسرائيلية على الشرق الأوسط، تتم أولا بمساعدة الولايات المتحدة، ثم يجري تحويرها لتصبح مكسبا صافيا لإسرائيل.
المفاوضات والحرب
عن الوضع في غزة قال نتنياهو للإسرائيليين: «لن أستسلم للقتلة. هذا الاستسلام سيُعرّضكم أنتم للخطر. إذا رضخنا لمطالبهم، فسنخسر كل الإنجازات الهائلة التي حققناها».. وأضاف: «إذا قبلنا مطالب حماس، فهذا يعني إجبار إسرائيل على الاستسلام». وقال إن مثل هذا الاستسلام «سيُعرّض البلاد للخطر ويُعرّضكم للخطر». ومن الواضح أن نتنياهو يقاتل داخليا من أجل محاصرة التيار الرافض لاستمرار الحرب في غزة، الذي يتعاظم تأثيره، خصوصا مع فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي تقدم عسكري حقيقي ضد المقاومة. وفي كلمته أعاد نتنياهو صياغة أهداف العملية العسكرية الإسرائيلية الجديدة في غزة على النحو التالي: «لن ننهي «حرب استعادة قوتنا» (revival war) قبل أن ندمر حماس في غزة، ونعيد جميع رهائننا، ونضمن أن غزة لم تعد تشكل تهديدا لإسرائيل». وحذر مشاهدية قائلا: «إذا رضخنا لإملاءات حماس الآن، فستختفي كل إنجازات الحرب العظيمة، التي حققناها.» وأعلن: «بصفتي رئيس وزرائكم، لن أستسلم للقتلة الذين ارتكبوا أسوأ مذبحة بحق الشعب اليهودي منذ الهولوكوست. استسلام كهذا سيعرض البلاد للخطر ويعرضكم للخطر». في هذه الكلمات يستدعي نتنياهو سراب أحلامه البائسة بالسيطرة على غزة، ويتحدث عن «إنجازات الحرب العظيمة» وكأنه لم يفشل في تحقيق كل أهدافه التي كان قد أعلنها في أكتوبر 2023 .
ويعتقد نتنياهو أنه بالحرب يحصل على رخصة تجديد حكمه، ومساعدته مع حلفائه على الفوز بالأغلبية في الانتخابات العامة المقررة في العام المقبل. وهو يخاطب جمهور الناخبين كما لو أن الانتخابات ستجري غدا، محاولا تأكيد صحة مقومات استراتيجيته في الحرب. فهو على حد زعمه لو كان قد استجاب لدعوات وقف الحرب «لما دخلت إسرائيل مدينة رفح جنوب غزة العام الماضي، ولما سيطرت على ممر فيلادلفيا، ولما نفذت هجوم «النداء المتفجر» على حزب الله، ولما قتلت قادة حماس، ولما هيأت الظروف لسقوط نظام الأسد في سوريا، ولما وجهت «الضربة القاسية» إلى إيران.» كما ورد في كلمته. وهو يعتبر أن هذه «الإنجازات» لم تكن لتتحقق بغير الحرب، وأن إسرائيل من دونها كانت ستواصل «العيش تحت تهديد وجودي». ويعلم الإسرائيليون جميعا، أنصار السلام ودعاة الحرب، أن ما يتحدث عنه نتنياهو هو مجرد أوهام تلعب برأسه فقط. وقد اتهمه والد أحد المحتجزين لدى المقاومة في غزة (يهودا كوهين، والد الجندي المخطوف نمرود كوهين) في كلمة باسم عائلات الجنود المحتجزين، بأنه يبيع الأكاذيب للعالم، ووجه نداء إلى الرئيس الأمريكي يطالبه بالتدخل قائلا: «أنتم وحدكم القادرون على وقف الحرب وإعادة الجميع». موضحا أن تزايد الضغط العسكري يُعرّض الجنود المحتجزين الأحياء لخطر الموت، والجنود المختطفين الأموات لخطر الاختفاء». ولا شك أن توجه الناخبين الإسرائيليين بالنداء إلى الرئيس الأمريكي للعمل على وقف الحرب، يلقى استجابة يبعث على الغرور في نفس ترامب، الذي يرى نفسه زعيما للعالم كله، لكنه يبعث على المرارة في نفس نتنياهو، الذي لا يقبل منافسا له على النفوذ وثقة الناخبين داخل إسرائيل، مهما كان هذا المنافس.
إن تسمية الحرب الإسرائيلية في الكلمة بأنها «حرب استعادة القوة»، تعني اعترافا عمليا بأن إسرائيل لم تتمكن حتى الآن من استعادة القدرة على الردع. ومع ذلك فإن نتنياهو لا يدرك أن إعادة استخدام تكتيكات عملية «السيوف الحديدية» (Iron Swords) التي فشلت في تحقيق أهدافها، يؤكد أنه لن يحصد من العملية العسكرية الجديدة «القوة والسيف» (Strength and Sword) غير ما حصده في العملية الأولى. كل ما يفعله الآن هو المزيد من حرق الأرض وقتل البشر. وإذا كانت أهداف العملية الجديدة تتضمن احتلال غزة، وتحويل القطاع بأكمله إلى منطقة أمنية إسرائيلية، كما طالب بتسئليل سموتريتش وزير المالية يوم الأحد الماضي، فإن الجيش الإسرائيلي أقل من أن يستطيع الاحتفاظ بالأرض المتفجرة بالغضب.
فوق كل ذلك فإن المقاومة الفلسطينية في غزة أثبتت قدرتها على إعادة التكيف مع الوضع الجديد، بعد أن كانت تتأهب للسلام، بالبدء في تنظيم عمليات لاستهداف العسكريين الإسرائيليين والمركبات العسكرية، على الرغم من كل تحديات العمل الفدائي في «أرض محروقة». وفي هذا السياق فإن عملية بيت حانون التي قتلت فيها المقاومة ضابطا إسرائيليا وأصابت خمسة عسكريين، منهم ثلاثة قالت إسرائيل إن حالتهم خطيرة، تعيد الثقة في القدرة العسكرية للمقاومة فلسطينيا، وتثبت للإسرائيليين أن الحرب في غزة لن تعيد لهم المحتجزين، وإنما ستعيد إليهم جثث جنودهم في أكياس بلاستيكية سوداء، وتمثل عودة جثث القتلى رسالة قوية تفيد بأن الحرب لا جدوى منها، وأنه لا سبيل إلى عودة المحتجزين، وتحقيق الأمن، إلا بإنهاء الحرب والاحتلال، واستئناف المفاوضات، التي تحقق الأمن والأمان والسيادة للجميع.
الوضع الإنساني
ومن الملاحظات المهمة التي أعاد نتنياهو التأكيد عليها في كلمته، أنه يرفض رفضا مطلقا قبول أي ضمانات دولية تطلبها حماس ويطرحها الوسطاء، بشأن التزام إسرائيل بوقف الحرب وإطلاق عملية سياسية لإنهاء الصراع وحصول الشعب الفلسطيني على حقه في وطن آمن تتجسد فيه سيادته وكلمته. ببساطة إذا كانت حماس تعرض التنازل عن حكم قطاع غزة فإن نتنياهو لن يترك هذا الحكم لأحد غير إسرائيل. وهو يعتقد أن إسرائيل يجب أن تحكم غزة لمدة 30 عاما على الأقل، لضمان ألا تصبح في أي وقت في المستقبل حاضنة لأي تهديد. ومن المثير للسخرية أن الطرف المعتدي الذي يمارس حرب التجويع، يبذل أقصى ما يستطيع لتبرير منع الإمدادات بحجج قانونية. فقد أصدرت المحكمة العليا في إسرائيل قبل أسابيع حكما بأن منع الغذاء والدواء والماء والكهرباء والوقود عن سكان غزة «يتوافق مع أحكام القانون الدولي»! دبلوماسية الوسطاء يجب أن تؤكد أنه حتى مع استمرار الحرب، لا يجوز منع الغذاء عن السكان. ولذلك فإنه من الضروري تطوير موقف الوسطاء، بتقديم أولوية إدخال المساعدات الإنسانية وإمدادات الاحتياجات الأساسية إلى سكان غزة، تحت إشراف منظمات الأمم المتحدة، من دون تدخل الجيش أو الشركات الخاصة التي يحاول تكليفها بالمهمة.