إبراهيم نوار: في غزة دلالات تهدئة إسرائيلية من جانب واحد
إبراهيم نوار 6-3-2024: في غزة دلالات تهدئة إسرائيلية من جانب واحد
في الوقت الذي تكثف فيه هجومها على رفح جوا، تمهيدا لاجتياح بري منظم، بدأت إسرائيل وضع شروطها للتهدئة في غزة موضع التنفيذ، بعد اتفاق مع الوسطاء الدوليين والإقليميين. الشرط الأول الذي تم وضعه موضع التنفيذ هو استبعاد منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، عن طريق تحويل مسار المساعدات من البر إلى الجو، وقيام الطائرات التابعة للولايات المتحدة ومصر والأردن والإمارات وقطر وغيرها، إلى إسقاط المساعدات على مناطق معينة في غزة، تم الاتفاق عليها مع الجيش الإسرائيلي. ومن المفترض أن يشكل الجيش القيادة اللوجستية لتوزيع تلك المساعدات.
ومن المرجح أن يتعاون الجيش مع أفراد محليين غير مرتبطين بحماس، أو الجهاد الإسلامي، أو المقاومة الفلسطينية عموما، لتوزيع المساعدات على «مناطق التهدئة». كذلك فإنه من المرجح أيضا على ضوء التجربة التي بدأت في بعض أحياء رفح ودير البلح، أن يقوم الجيش الإسرائيلي بإعلان أماكن «مناطق التهدئة» على ضوء التجربة التي أعلن مسؤول الاتصال باللغة العربية أفيخاي أدرعي، أنها بدأت يوم السبت الماضي، بوقف العمليات العسكرية في واحد أو أكثر من أحياء رفح ودير البلح لمدة أربع ساعات يوميا لاعتبارات «إنسانية»، كما قال حتى السابع من الشهر الحالي.
مناطق التهدئة
ويبدو أن إسرائيل تسعى للاستفادة من التجربة الروسية في سوريا لتخفيف حدة التوتر وترحيل السكان داخليا، وذلك بتطبيق صيغة مبتكرة لتخفيف التوتر في قطاع غزة، من أجل تجنب إثارة الرأي العام العالمي ضدها، في حال حدوث خسائر بشرية باهظة عند اجتياح مدينة رفح بريا، وضمان استمرار السيطرة النسبية على القطاع في مواجهة تصاعد المقاومة الفلسطينية. وقد اقترح مئير بن شبات في مقال نشرته صحيفة «إسرائيل هايوم» (في أول الشهر الحالي) إقامة مناطق منخفضة التوتر لمنع تصاعد مدّ المقاومة، وتجنب الغضب الدبلوماسي العالمي. ومع أن إسرائيل لم تعلن تفاصيل خطة الغزو البري، التي تم عرضها على مجلس حكومة الحرب الإسرائيلية في الأسبوع الماضي، فإن هناك مؤشرات تشير إلى أن تعليمات صدرت للجيش وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) لترتيب وقف مؤقت لإطلاق النار من جانب واحد لعدة ساعات يوميا، في أحياء مختارة بمدينتي رفح ودير البلح، لمدة 4 ساعات يوميا من الساعة العاشرة صباحا حتى الثانية بعد الظهر في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، حسب الرسالة التي وجهها المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي باللغة العربية. وفي غير الأحياء المعلنة، فإن العمليات العسكرية تستمر، بهدف تدمير الأنفاق والبنية الأساسية ذات الطابع العسكري، إضافة إلى مطاردة الفلسطينيين المعروفين بتأييدهم لكل من «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، سواء في رفح أو في دير البلح. وباستثناء الحي الذي تتوقف فيه العمليات تكون بقية الأحياء مناطق عمليات عسكرية مفتوحة، وقد يصل الأمر إلى حظر دخول السكان إليها. هذا الأسلوب سيتم على الأرجح تطبيقه على سبيل التجربة، للسماح للجيش والمدرعات بحرية الحركة للقيام بعمليات تمشيط عسكرية على الأرض في الشوارع ومن بيت إلى بيت. ولم تعلن إسرائيل ما إذا كان أهالي رفح ودير البلح سيتم ترحيلهم من مناطق العمليات إلى مناطق التهدئة منخفضة التوتر أم لا. لكن رد الفعل الغريزي الذي تراهن عليه إسرائيل هو هروب السكان من مناطق العمليات، إلى الحي أو الأحياء الهادئة تجنبا للموت.
يبدو أن إسرائيل تسعى للاستفادة من التجربة الروسية في سوريا بترحيل السكان داخليا، وذلك بتطبيق صيغة مبتكرة لتخفيف التوتر في قطاع غزة، من أجل تجنب إثارة الرأي العام العالمي ضدها
إدارة تكنوقراطية – قبلية
الشرط الثاني الذي تتضمنه خطة نتنياهو الذي بدأ تنفيذه، هو الشروع بالتعاون مع الوسطاء العرب في إقامة إدارة تكنوقراطية محلية تتولى شؤون قطاع غزة، لا تضم تمثيلا للفصائل الفلسطينية، ويبدو أنه تم التشاور مع رئيس السلطة الفلسطينية في هذا الشأن، وبناء على ذلك قدمت الحكومة الفلسطينية استقالتها، لتفسح الطريق لإعادة بناء السلطة الوطنية، التي يمكنها بعد ذلك إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة معا، حسبما قال حسام زملط ممثل السلطة في العاصمة البريطانية لندن في حوار مع المحرر الدبلوماسي لصحيفة «الغارديان» البريطانية في الأسبوع الماضي، أكد زملط فيه وجود اتفاق مع كل من مصر وقطر على تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية تتولى إدارة شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة، دون مشاركة من حماس، وإن كان ذلك لا يمنع التشاور معها في بعض الأمور. ومن المرجح أن يتم تشكيل الإدارة الجديدة في غزة في إطار تشاور وتنسيق بين إسرائيل والدول العربية المعنية. وتشترط إسرائيل ألا يكون لأعضاء الإدارة التكنوقراطية في قطاع غزة، أي اتصالات مع حماس أو الجهاد، أو أي تاريخ للتعاطف مع المقاومة الفلسطينية، حتى لا تستفيد المقاومة من المساعدات التي ستتدفق إلى القطاع، لأغراض إعادة البناء وتوفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية للسكان. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد طرح خطته لما بعد الحرب في غزة على الحكومة الأمنية يوم 22 من الشهر الماضي. وبعد الموافقة عليها بدأ التنفيذ بالفعل، بالتنسيق مع الوسطاء العرب والوسطاء الدوليين، ومنهم الولايات المتحدة على وجه الخصوص. ويشمل التنسيق كل الموضوعات تقريبا التي تضمنتها خطة نتنياهو، التي قدمها مكتوبة في ورقة واحدة دون تفاصيل. وتتضمن شروط الخطة ما يلي:
1- استمرار سيطرة الجيش الإسرائيلي وحرية حركة القوات في كل أنحاء قطاع غزة إلى أجل غير مسمى.
2- يتولى تكنوقراط فلسطينيون إدارة قطاع غزة.
3- تعاون مصري- إسرائيلي لإنهاء تهريب الأسلحة
4- الدول العربية تتولى تكلفة إعادة البناء.
5- لا مجال لإقامة دولة فلسطينية من طرف واحد، ما يعني فيتو إسرائيلي على أي قرار بشأن تقرير مصير الفلسطينيين.
6- إنهاء كل أنشطة الأونروا. ومن الملاحظ هنا أن الورقة التي قدمها نتنياهو لا تقصر ذلك على غزة وإنما تضعها في صيغة عمومية.
7- يتم اجتثاث النزعة الراديكالية في غزة.
8- نزع سلاح غزة.
9- لا عودة للسلطة الوطنية الفلسطينية إلى غزة.
وبناء على التفاهم العربي – الإسرائيلي- الأمريكي، فإن الحكومة الفلسطينية برئاسة السيد محمد أشتيه قدمت استقالتها لرئيس السلطة السيد محمود عباس في 26 من الشهر الماضي، وبدأت عملية إسقاط المساعدات بالطائرة في اليوم التالي. وفي الثاني من الشهر الحالي أعلنت إسرائيل برنامج تعليق الأنشطة العسكرية لمدة 4 ساعات يوميا في أحياء رفح ودير البلح حتى نهاية الأسبوع الأول من الشهر. وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي في تدوينة على صفحته بمنصة أكس (تويتر سابقا) الأوقات والمناطق كالتالي:
السبت: حي الجنينة في رفح. الأحد: في حي السلام في رفح. الاثنين: كل من حي يافا وحي البروك في دير البلح. الثلاثاء: حي الشيخ اليمني غرب دير البلح. الأربعاء (اليوم): حي السلام في دير البلح. الخميس: حي تل السلطان في رفح
استبعاد الأونروا
في إطار تعاون بين إسرائيل والمجتمع الدولي والأردن وفرنسا، والإمارات العربية، المتحدة، ومصر والولايات المتحدة – بدأت حملة إنزال المساعدات الإنسانية بواسطة الطائرات في 27 من الشهر الماضي في مواقع محددة تم الاتفاق عليها مسبقا لصالح سكان شمال وجنوب ووسط قطاع غزة. وطبقا لتصريحات أدرعي فإن تنفيذ عمليات إسقاط المساعدات جوا يتم بالتنسيق بين لواء العلاقات الدولية ومديرية التنسيق والارتباط في غزة التابعة لوحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، والفرقة 98 وسلاح الجو الإسرائيلي. بموجب ذلك، ومنذ بدأت أعمال الإغاثة الإنسانية بواسطة الطائرات بالتنسيق مع الأردن وفرنسا والإمارات ومصر والقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، بلغ عدد عمليات إسقاط المساعدات جوا حتى يوم الأحد الماضي 21 عملية تضمنت حوالي 450 حزمة (باليت) من المساعدات الإنسانية التي تراوحت بين الغذاء والماء والدواء والأجهزة الطبية والتعويضية للمصابين والمرضى، طبقا لبيانات الجيش الإسرائيلي، غطت نقاط مختلفة بمحاذاة الخط الساحلي الجنوبي في القطاع بواسطة طائرات أمريكية، ومصرية، وإماراتية، وفرنسية وأردنية – ومن ضمنها المساعدات الغذائية والمعدات الطبية المخصصة لسكان جنوب القطاع. وبهذا يكون قد تم تنفيذ الخطوة الأولى لإنشاء آلية جديدة لتوصيل المساعدات إلى الفلسطينيين، تتجاوز منظمة غوث اللاجئين والمنظمات الدولية المعنية. ويقول مئير بن شبات رئيس مجلس الأمن القومي سابقا، مدير معهد مسجاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية حاليا، إنه يجب عدم التهاون في تحقيق أهداف الحرب على غزة، لكن يجب تحقيق ذلك في المرحلة الحالية بكثير من الحذر، لأن العالم كله يراقب سلوك إسرائيل. وقال إنه من الضروري تدمير قوة «لواء غزة» التابع لحركة حماس وشبكة الأنفاق العسكرية، دون تقديم أي تنازلات. التطورات الأخيرة تضع على المقاومة مسؤولية اتباع استراتيجية «حرب المدن» طويلة المدى وإنزال أقصى الخسائر البشرية بالجيش الإسرائيلي في غزة.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook