إبراهيم نوار: إسرائيل واحتكار السلاح النووي
إبراهيم نوار 31-5-2023: إسرائيل واحتكار السلاح النووي
لن تتخلى إسرائيل عن استراتيجيتها لاحتكار السلاح النووي في الشرق الأوسط، إلا عندما تتأكد أن تكلفتها أكبر بكثير من المكاسب المترتبة عليها. وهي تحاول باستماتة في الوقت الحالي إقناع الولايات المتحدة بالقيام بعملية عسكرية واسعة ضد إيران لتدمير المنشآت النووية الإيرانية وإصابتها بالشلل، خصوصا بعد أن ذكرت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة فأكثر يكفي لإنتاج ثلاث قنابل نووية. ومع أن التخصيب إلى هذه النسبة بالكميات التي وردت في التقرير الأخير للوكالة، لا يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، فإنه يضعها بكل تأكيد في موقع أقرب إلى هذا الهدف.
ولم تمتلك إيران بعد تكنولوجيا تصنيع الرأس النووي، والمفجّر، وتجربة إمكان تركيبه على رأس واحد من الصواريخ التي تنتجها، واختباره. وفي حال عبور إيران كل هذه الحواجز فإن إسرائيل ستفقد ميزة احتكار السلاح النووي في الشرق الأوسط. نعم، إيران تقترب من امتلاك سلاح نووي، وهذا يجب ألا يقلق الدول العربية فمصلحة الدول العربية واضحة بين خيارين رئيسيين: إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، أو إقامة توازن للردع النووي، يجب أن تكون الدول العربية طرفا ثالثا فيه.
وعلى الرغم من الصراخ الإسرائيلي بأن إيران النووية تمثل خطرا على الشرق الأوسط وعلى العالم، فالحقيقة العارية تؤكد أن أصل التوتر وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط هو السياسات العدوانية الإسرائيلية ضد شعوب المنطقة وأولها الشعب الفلسطيني.
الكلمات والمداخلات التي قدمها كبار المسؤولين العسكريين في «مؤتمر هرتزليا»، الذي نظمته في الأسبوع الماضي جامعة رايخمان دقت أجراس الخطر بسبب التقدم المستمر الذي تحرزه إيران في اتجاه امتلاك السلاح النووي، حسبما قالت افتتاحية صحيفة «جيروساليم بوست» يوم 24 من الشهر الحالي.
الافتتاحية تعيد التأكيد على أولوية مواجهة التهديد الإيراني على غيره، وتحذر من أن تؤدي الخلافات الداخلية في إسرائيل إلى فتح ثغرة تنفذ منها إيران أو وكلاؤها، للإضرار بمصالح إسرائيل أو الدول الحليفة والشريكة لها. ذلك أنه اعتمادا على تقديرات قيادات مثل رئيس الأركان الجديد الجنرال هرزي هاليفي، فإن تخصيب اليورانيوم في إيران تسارع بمعدلات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة. ومع أن وزير الدفاع يؤاف غالانت يدعو إلى عدم المبالغة في الفزع من ذلك التهديد، فإنه يؤكد الحاجة إلى أن تكون إسرائيل مستعدة للتعامل مع ما وصفه بتصرفات إيران الاستفزازية على جبهات متعددة في الأجل القصير، تشمل الحدود الإسرائيلية في الشمال والشرق والجنوب، والممرات البحرية في شرق المتوسط والبحر الأحمر ومضيق باب المندب وشمال المحيط الهندي ومضيق هرمز.
الاستنتاج الذي يخرج به أي متابع للسياسة الإسرائيلية يدرك أن إسرائيل، في هذا السياق، تريد تحقيق هدفين في وقت واحد ضد إيران: الأول هو عزلها عن المنطقة إلى أبعد قدر ممكن، والثاني هو ضربها عسكريا بواسطة تحالف عسكري جماعي، وذلك «حتى يتفرق دمها بين القبائل»!
لكن تحقيق هذين الهدفين يصطدم الآن بأربعة متغيرات مهمة، تمثل تحديات لاستراتيجية الاحتكار النووي والتفوق العسكري الساحق، التي تضمن لإسرائيل حرية العمل العسكري على الجبهات الإقليمية المحيطة بها دون أي قلق.
أولا، الخلاف الداخلي الإسرائيلي:
يختلف العسكريون الإسرائيليون حول ما إذا كانت إسرائيل في الوقت الحاضر، وليس غدا، قادرة على مواجهة إيران عسكريا، وحول ما إذا كانت تستطيع ذلك بدون الولايات المتحدة. هذا الخلاف ليس وليد اليوم، وليس خافيا على الرأي العام الإسرائيلي وعلى متابعي السياسة هناك، وهو خلاف موجود على مستوى القيادات العسكرية والسياسية على حد سواء. وقد زاد على ذلك، منذ تشكيل حكومة ائتلاف الليكود واليمين الديني الصهيوني المتطرف، زيادة تركيز السياسة الأمنية على توسيع الاستيطان وطرد الفلسطينيين وتصفيتهم، ووضع ذلك على رأس مهام إسرائيل العسكرية والسياسية. ومع أن تسليح المستوطنين وإنشاء قوة أمنية جديدة تحت قيادة وزير الأمن القومي وليس وزير الدفاع، يمكن أن يزيح عن كاهل الجيش جزءا من مسؤولياته في الضفة الغربية، والتركيز على مواجهة إيران، فإن الخلافات اليومية داخل الائتلاف الحاكم، تخلق حالة من عدم اليقين داخل الجيش نفسه بشأن المواجهة مع إيران.
ثانيا، الخلاف الأمريكي- الإسرائيلي:
لم تعد مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي التي تحدد استراتيجيتها تجاه المنطقة. ونظرا لأن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية تعطي أولوية مطلقة تقريبا لتحقيق هدفين رئيسيين، الأول يتعلق باحتواء الصين، والثاني يتعلق باستنزاف روسيا في الحرب مع أوكرانيا، ثم الاستدارة على الصين لضرب قوتها، فإن أهمية السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط تتحدد في إطار هذين الهدفين، وليس طبقا للمصالح الأمريكية المباشرة في المنطقة.
وتكشف الكلمة التي ألقاها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في مؤتمر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في أوائل الشهر الحالي حدود التطابق والاختلاف مع إسرائيل. وتشمل أولويات جو بايدن في الشرق الأوسط، على سبيل المثال، إعادة العمل باتفاق 2015، وهو ما ترفضه إسرائيل. كما أن الاستراتيجية الأمريكية تقوم على أسس الردع والدبلوماسية، مع عدم استبعاد العمل العسكري، لكن بوصفه الخيار الأخير، لحرمان إيران من امتلاك سلاح نووي، وهو ما لا تتفق معه إسرائيل، التي ترى أن القيام بعمل عسكري ضد إيران أولوية عاجلة، وأن تأجيله قد يعني أنه لن يحدث أبدا. وفي المقابل لا تميل الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري كبير ضد إيران بمفردها أو حتى مع إسرائيل فقط، وإنما تفضل إطارا إقليميا أوسع، يضم دولا عربية، وهو ما أصبح مستبعدا بعد استئناف العلاقات السعودية – الإيرانية.
كذلك فإن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تفتقد كثيرا من مقومات المصداقية، لأسباب كثيرة أهمها تأرجحها بين تكثيف الوجود الدبلوماسي والعسكري، أو تخفيفه. هذا في حد ذاته يضعف قوة إسرائيل الدبلوماسية والعسكرية إقليميا؛ ويخلق أسبابا تبرر تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، وعلى سياسة التفوق العسكري النوعي، لصالح سياسة جديدة تقوم على التعايش وبناء السلام، بما يمكن أن يساعد على تطبيع العلاقات داخل المنطقة ككل، وليس بين العرب وإسرائيل فقط.
ثالثا، الوفاق العربي – الإيراني:
أدى استئناف العلاقات السعودية – الإيرانية إلى إفساد حلم الولايات المتحدة وإسرائيل في إقامة تحالف عربي – أمريكي- إسرائيلي ضد إيران. كما أدى أيضا إلى تحويل مركز انتباه السياسة العربية في اتجاه القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للعرب. وباتت السياسة الخارجية السعودية على وجه الخصوص، تشترط التقدم الفعلي على طريق تسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، قبل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. كما باتت تشترط على الولايات المتحدة مساعدتها في تطوير برنامجها النووي السلمي دون قيود. وأدى استئناف العلاقات إلى تخفيض مستوى التهديد الإيراني، وفتح طريق لإدارة العلاقات الإقليمية على أسس الحوار والتعاون، خطوة مقابل خطوة. وليس من المتوقع أن تمضي السعودية إلى نقطة بعيدة في سياسة الحوار وحسن الجوار إذا سارت إيران في الاتجاه العكسي.
رابعا، تقدم قدرات الردع الإيراني:
الحرب ضد إيران ليست نزهة، وستكون مكلفة جدا، وغير مضمونة النتائج، ولا مأمونة العواقب لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل. على الصعيد النووي ذكر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شباط/فبراير 2023 أن مفتشيها عثروا على جزيئات يورانيوم مخصبة إلى نسبة 83.7 في المئة في إحدى المنشآت النووية الإيرانية المقامة على عمق كبير في باطن الأرض. في حين أن الحد الأقصى للتخصيب طبقا للاتفاق النووي لعام 2015 يبلغ 3.67 في المئة فقط. كما وزعت إيران أنشطتها النووية بين مراكز حصينة مقامة في مناطق جغرافية متباعدة، لحمايتها من ضربات عسكرية محتملة. كذلك تمضي إيران بخطوات سريعة على طريق امتلاك مكونات البنية الأساسية الثلاثية للقدرات النووية، التي تشمل أولا، تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90 في المئة بكميات كافية. وثانيا، امتلاك تكنولوجيا تصنيع السلاح النووي بالكامل. وثالثا، إنتاج الأسلحة الوسيطة القادرة على حمل السلاح النووي إلى الهدف وإطلاقه، وهو ما يتم حتى الآن من خلال تطوير البرنامج الصاروخي، لكنه من الضروري أن يشمل كذلك امتلاك الطائرات، والغواصات القادرة على حمل وإطلاق السلاح النووي. كما تعمل إيران على بناء قوة ردع حقيقية تعتمد على أسلحة محلية بتكلفة زهيدة، مثل المعدات العسكرية المسيّرة ذاتيا، في البحر والجو، وإنتاج القطع البحرية والغواصات والمضادات، وتوسيع نطاق المسؤوليات العسكرية للأسطول الإيراني حول العالم، بما في ذلك الوصول إلى ممرات بحرية عالمية بعيدة عن المياه الإقليمية الإيرانية مثل طريق رأس الرجاء الصالح، وطريق قناة بنما.