أقلام وأراء

إبراهيم حميدي يكتب – التفاهمات بين موسكو وأنقرة ستكون حاسمة لمستقبل “الشريط العازل” وشرق الفرات

بقلم إبراهيم حميدي – 19/1/2019

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب سحب قواته من سوريا، أعاد إلى مائدة التفاوض مشروعاً عمره أربع سنوات طرحته أنقرة لإقامة “منطقة آمنة” في شريط شمال سوريا في محاذاة حدود تركيا، وأطلق مفاوضات أميركية – تركية من جهة، وروسية – تركية من جهة ثانية، وبين الأكراد ودمشق وموسكو من جهة ثالثة، للوصول إلى ترتيبات عسكرية وإدارية شمال شرق سوريا.

 وزير الخارجي التركي، جاويش أوغلو، يواصل محادثاته بلقائه نظيره الأميركي، مايك بومبيو، في السادس من الشهر المقبل، بعد محادثات كبار الموظفين في البلدين بواشنطن في الخامس من الشهر المقبل. كما يطلع إردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، الأربعاء المقبل، على نتائج المحادثات مع الجانب الأميركي.

وحسب المعلومات، فإن المحادثات الثلاثية تتناول العُقد الآتية:

أولاً، عمق المنطقة: بينما تريد أنقرة أن يمتد عمق “الشريط الأمني” إلى 32 كيلومتراً شمال سوريا بطول 460 كيلومتراً من جرابلس إلى كردستان العراق (طول الحدود السورية – التركية يبلغ 900 كلم)، وافقت واشنطن مبدئياً على 10 كيلومترات. واقترحت موسكو أن يكون العمق بين 5 و10 كيلومترات، فيما طالب قائد “وحدات حماية الشعب” الكردية، سيبان حمو، بأن تكون المنطقة في الطرف التركي من الحدود. وتريد أنقرة أن تمتلك قواتها المسلحة الحق في الدخول حتى عمق 32 كيلومتراً، أي أكثر مما سمح به “اتفاق أضنا” بين دمشق وأنقرة في منتصف عام 1998.

ثانياً، حماية المنطقة واسمها: تريد تركيا أن تكون المنطقة “آمنة”، أي تتضمن حظراً جوياً، لكن موسكو تقبل “منطقة عازلة” من دون حظر جوي، فيما طالب الأكراد بـ”حظر جوي” لحمايتهم من تركيا. ووعد الفرنسيون بالبقاء شرق سوريا بعد انسحاب أميركا، لكن هناك صعوبة في هذا ما لم يحافظ التحالف الدولي على الحظر الجوي وقاعدة التنف واتفاق “منع الاحتكاك” مع روسيا.

ثالثاً، وجود النظام السوري: تتمسك أنقرة برفض أي وجود لقوات الحكومة السورية. ونقل الصحافي عن مسؤولين قولهم: “إذا وجدت قوات الحكومة فإنها ستتعاون مع الأكراد، وتتكرر هجمات (حزب العمال) الكردستاني ضد جنوب شرقي تركيا”. وتقترح أنقرة انتشار قوات “بيشمركة” من كردستان العراق، فيما تقترح موسكو انتشار قوات الحكومة على الحدود ضمن مبدأ السيادة السورية. كما قال أكثر من مسؤول روسي إن “الحكومة يجب أن تنتشر مكان القوات الأميركية”. ومن جهتهم، قدم الأكراد وثائق إلى موسكو ودمشق تقترح انتشار الجيش السوري على الحدود وتعاوناً مشتركاً ضد أنقرة.

رابعاً، الأكراد: في 23 من الشهر الماضي، اتصل ترمب بإردوغان لضمان “حماية الأكراد” بعد انسحاب أمريكا، كما إن بولتون حذر من الهجوم على الأكراد، الأمر الذي أغضب إردوغان. وتقول أنقرة إن “وحدات حماية الشعب” لا تمثل كل الأكراد، فيما تتمسك موسكو بالوصول إلى ترتيبات تتضمن مصالح وحماية الطرفين: تركيا والأكراد. وتتخوف “الوحدات” من أن المنطقة الآمنة ستجعل مناطق ذات غالبية كردية مثل عين العرب (كوباني) ورأس العين (سري كانيه) ضمن النفوذ التركي. وتقترح أنقرة أن تكون المنطقة خالية “من أي وجود إرهابي”، ثم تشكيل قوى للأمن الداخلي لضمان الاستقرار بتنسيق مع الجيش التركي.

خامساً، إدارة المناطق: تقترح أنقرة تشكيل مجالس محلية تضم أشخاصاً لا علاقة لهم بـ”الوحدات”، وتوافق موسكو على تشكيل مجالس محلية، بحيث تكون الغالبية العرقية في كل منطقة ممثلة في مجلسها المحلي، فيما يقول الأكراد إن المجالس الموجودة شرق الفرات منتخبة من محليين.

سادساً، علاقة المناطق بالمركز: تريد أنقرة إجراءات وترتيبات تبعد هذه المناطق عن سلطة الدولة المباشرة، فيما تتمسك موسكو تأييداً لدمشق بعودة كاملة لسلطة الحكومة على هذه المناطق. ويقترح الأكراد الاعتراف بـ”الإدارة الذاتية” وتشاركية في الثروات الطبيعية وبرنامج لإدماج “الوحدات” و”قوات سوريا الديمقراطية” في الجيش الوطني.

 التفاهمات الممكنة بين موسكو وأنقرة ستكون حاسمة في مستقبل “الشريط العازل” وشرق الفرات. وبموجب تفاهماتهما السابقة، حصلت تركيا على إقامة منطقة “درع الفرات” بين جرابلس والباب شمال حلب في نهاية 2016 وعلى السيطرة على عفرين بداية 2018 وعلى خفض التصعيد في إدلب في سبتمبر 2018، ما شكل “شريطاً عازلاً” شمال سوريا يمتد من غرابلس إلى اللاذقية. كما انتشرت 12 نقطة مراقبة تركية في ريف إدلب وصلت إلى نقطة قريبة من شمال حماة في عمق سوريا.

وإذا أُنجزت ترتيبات ثلاثية أميركية – روسية – تركية، ستحصل أنقرة على “شريط عازل” يمتد من كسب على البحر المتوسط إلى فش خابور شرق سوريا، ما سيجعلها تشكل منطقة نفوذ، وتقطع أوصال الكيان الكردي، وتعزل أكراد شمال سوريا عن أكراد جنوب تركيا، بعدما نجحت أنقرة في عزل الأكراد في شرق الفرات، ومنعت أي ممر لهم إلى البحر المتوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى