أقلام وأراء

إبراهيم الزبيدي يكتب – نهاية الاستثمار الإسرائيلي في كردستان

إبراهيم الزبيدي  *- 13/9/2020

لماذا يعشق السياسيون الكرد، من كلا الحزبين الكبيرين، أن يمدوا جذورهم إلى الخارج، ويمنعوها عن (جيرانهم) العراقيين ؟

لم يخطر ببال قادة العمل السياسي الكردي العراقي، وخاصة البارزانيين، أن يأتي يوم تغادر فيه إسرائيل مقعد العدو رقم واحد للعرب، ويأخذ النظام الإيراني مكانها، فتصرف نظرها عن كردستان، وتنشغل بإرضاء مناطق أخرى، وحكومات أخرى، وأحزاب أخرى في المنطقة، ويتوقف استثمارها في حلم الدولة المستقلة التي عاش الشعب الكردي على أمل قيامها، بدعمٍ حازم وحاسم من إسرائيل وأميركا.

فبعد التطورات الأخيرة المثيرة أصبحت الخطوط الجوية الإسرائيلية تدخل بحرية أجواءَ السعودية والبحرين ومصر والأردن والسودان، وقريبا العراق وموريتانيا والمغرب، وتهبط في مطار أبوظبي كأي طيران دولي آخر، دون ريبة ولا نفور ولا استغراب.

لم تعد إسرائيل بحاجة إلى الانشغال بعصافير صغيرة على الشجرة، وقررت أن ترمي من يدها ورقة الدولة الكردية الموعودة التي كانت تريدها مسمار جحا، أو حصان طروادة، أو عصا موسى التي تضرب بها الصخر فتتفجر الينابيع، خصوصا وقد ثبت لها، بعد سنوات من الاختبار والمراقبة، أن قادة الحزبين الكرديين لا يصلحون لبناء دولة، لا اليوم ولا غدا ولا بعد قرون.

أما من لخص الموقف الإسرائيلي الجديد من إقليم كردستان العراق فهو ليس كاتبا عراقيا ولا عربيا، بل هو الكاتب السياسي والمحلل الإسرائيلي، إيهود يعري، المعروف بعلاقاته الوثيقة بمراكز صنع القرار في إسرائيل، والذي تحدث عن ذلك، علنا، وعلى شاشة القناة 12 الإسرائيلية، فأوضح أن إسرائيل نادمة على ما استثمرته، لعقود من الزمن، وبشكل متناوب، في البرنامج الكردي لتحقيق الاستقلال.

وعدّد أهم أنواع ذلك الاستثمار فقال إنها “مساعدات عسكرية، وفود استشارية، طواقم طبية، مساعدات دبلوماسية، مشتريات نفطية سرية”.

ويقول “كانت لي، لسنوات عديدة، علاقات قوية وصداقات وثيقة مع عدد كبير من أعضاء القيادة الكردية. وكنت دائما أعتبر نفسي مؤيدا مخلصا لكفاحهم، ولكن اتضح من خلال إمعان النظر في الواقع أنهم يقومون، بأنفسهم، بإضاعة الفرص التي تسنح لهم”.

“والآن، حتى لو تم انتخاب جو بايدن رئيسا فإنه لن يعيد من جديدٍ اقتراحه القديم بفصل الإقليم الكردي عن العراق، والسبب هو فشل الكرد في التخلص من تقاليدهم الشنيعة في الخوض في حروبهم الأهلية، والصراعات الداخلية،والبحث عن حلفاء من خارج صفوفهم، وللأسف الشديد، الانغماس في الفساد أيضا”.

“فهم مشغولون، ومنذ فترة طويلة، بتصفية حسابات داخلية، ويُفضِل قادتُهم مقاطعة بعضهم بعضا، وتبادل الشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي”.

و”تَحدثُ نزاعاتٌ بين البارزانيين أنفسهم في أربيل ودهوك، ويقف ضدهم أبناء عائلة طالباني الذين يسيطرون على السليمانية”.

“والطالبانيون أيضا يتخاصمون في ما بينهم، وبشكل أدق بين مؤيدي أرملة زعيمهم المتوفى، جلال الطالباني، وبين خصومها”.

ويحدث كل هذا بعد أن خسر الأكراد لصالح الجيش العراقي معظم المناطق التي احتلوها خلال المعارك ضد داعش، بما فيها مدينة كركوك النفطية التي يسمونها قدس الأكراد، والتي انسحب منها الطالبانيون دون أي تنسيق مع قادة قوات البارزاني الذين كانوا يعملون بالقرب منهم”.

“جاءت هذه الهزيمة فقط بسبب أن الأكراد رفضوا الاستماع لنصائح تلقوها من جميع أصدقائهم، وأولُهم الإسرائيليون، بعدم إجراء استفتاء خريف 2017 حول إعلان الاستقلال”.

“فقد ذهبوا إلى صناديق الاقتراع، وخسروا مناطق واسعة، ونسوا، منذ ذلك الحين، مسألة إقامة دولة خاصة بهم”.

“بدأت تركيا بالسيطرة على أجزاء من شمال الإقليم الكردي مؤخرا، وذلك من أجل إقامة حزام أمني، على غرار ما فعلته في سوريا أمام قواعد المتمردين الأكراد على الجانب العراقي من الحدود”.

“والإيرانيون من جانبهم يقصفون بالمدفعية قواعد الحركة الكردية الإيرانية التي تشن هجماتها من الإقليم الكردي العراقي”.

“ومخطئ من يتوقع أن يقوم الأكراد بتوحيد صفوفهم. إذ أن التوتر بين جميع تلك التنظيمات المسلحة هو في حالة ازدياد”.

“فعلى سبيل المثال يقيم البارزانيون علاقاتٍ جيدة مع أردوغان، أما الطالبانيون فهم في حالة غزل دائم مع إيران”.

هذا هو الملخص العلني، وليس المخفي، لموقف إسرائيل الجديد الصادم المفاجئ من الحالة الكردية العراقية، كما حدده شاهدٌ من أهلها.

وهنا نسأل، كم من الصدق والصراحة والمعلومات الصحيحة في كلام السياسي الإسرائيلي إيهود يعري عن كردستان، وحديثه عن البارزانيين والطالبانيين؟ الجواب، فيه الشيء الكثير من الصواب والدقة المستفادة من وقائع السيرة الذاتية المعروفة والمكشوفة لمجموعة السياسيين الحاكمين في كردستان منذ العام 1990 وحتى زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الأخيرة لأربيل وتبادله الابتسامات مع الرئيس مسعود البارزاني.

وهنا نسأل، لماذا يعشق السياسيون الكرد، من كلا الحزبين الكبيرين، أن يمدوا جذورهم إلى الخارج، ويمنعوها عن (جيرانهم) العراقيين؟

ثم، كيف يكون الفشل إذن حين يأخذ الحاكم وأولادُه كل شيء، ولا يُبقون لمواطنيهم القرش الأبيض الذي ينفعهم في اليوم الأسود ويقيهم غوائل الزمان؟

نعم، لقد نجحوا، على امتداد ثلاثين سنة، في عقد تحالفات داخلية وخارجية درَّت عليهم وعلى أحزابهم وعوائلهم المكاسب والمناصب والرواتب المجزية. ولكنهم، في الوقت نفسه، قطعوا صلة الرحم بين إقليمهم وشقيقته الكبرى، بغداد، وأوقدوا في عقول مواطنيهم وقلوبهم نيران الاستعلاء القومي العنصري على جيرانهم عرب العراق، ثم فرقوا صفوفهم، وجعلوهم شِيَعا متنافرةً لا يحب بعضُها بعضا، وأفرغوا جيوبهم، وأضاعوا عليهم أمنهم وحريتهم، ورواتب موظفيهم، ثم أخيرا قتلوا لهم حلم الدولة المستقلة التي كانوا بها يوعدون.

* إبراهيم الزبيدي  –  كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى