أ.د ألون بن مئير يكتب – نتنياهو يدمر اسرائيل والفلسطينيين
بقلم أ.د ألون بن مئير – 16/10/2018
إن الكثير مما تتعرض له اسرائيل والفلسطينيون اليوم، يتم تحت قيادة نتنياهو. فهو يؤمن أن الفلسطينيين يشكلون تهديدا وجوديا لإسرائيل، ما أدى به الى اتباع السياسات المحلية التي تعيق وبشكل خطير المبادىء التي تأسست عليها البلاد والمتمثلة بالحرية والمساواة. ويقوم حاليا، باتخاذ اجراءات لإخضاع الفلسطينيين ومواصلة الإحتلال لإبقاء الفلسطينيين في حالة من المواجهة. وقد أسفر ذلك عن تفكيك النسيج الإجتماعي في المجتمعين، ومنع ظهور قيادة سياسية جديدة لتغيير المسار .
وعلى الرغم من الإنجازات العسكرية والإقتصادية والتكنولوجية الإسرائيلية والتوسيع الدراماتيكي لعلاقات اسرائيل التجارية منذ إقامتها عام 1948، فشلت إسرائيل في الوفاء بوعدها. فأمام أنظار نتنياهو، تتمزق الديمقراطية الإسرائيلية إربا عند الأقطاب، فوحدة الهدف بين اسرائيل والمهجر آخذة بالترنّح، بينما الإنقسام الإجتماعي والسياسي وسط الإسرائيليين آخذ بالإتساع بشكل خطير، في حين أن آفاق العيش بسلام أضحت غير محتملة بشكل متنامي.
وخلال نفس الفترة، ساد التشاؤم الوضع الفلسطينية. فما زالوا يعتمدون على المساعدات، بينما يرزح الملايين من اللاجئين في المخيمات، وهم مفككون من النواحي السياسية والإجتماعية، وغير آمنين ويائسين. فانعدام الأمل وسط الشباب الفلسطيني والتفكك الذاتي مع تلاشي آفاق الهروب من الحقيقة القاسية للإحتلال، يزيد من كراهيتهم واستيائهم من اسرائيل. بينما يتلاشى بسرعة حلم الفلسطينيين البعيد بإقامة دولتهم.
ويبدو أن نتنياهو يتناسى بأن البقاء التاريخي لليهود والسر خلفه، لا يكمن في القوة العسكرية أو البراعة المالية أو في التكنولوجيا الأكثر تطورا، إنما في الإلتزام الأخلاقي الراسخ بالحقوق الإنسانية والمدنية وبإخوة بني البشر. لقد وقف اليهود بكل صمود الى جانب الفقير والبائس وناصروا قضايا الحرية والليبرالية والمساواة. وهذه المقومات مترسخة في أذهان وأرواح اليهود للسبب الرئيسي المتمثل في تجربتهم المرعبة عبر آلاف السنين من التشتت والإضطهاد والنفي والتمييز والموت.
ولربما يعتقد البعض بأن تلك التجارب التاريخية المرعبة قد تؤثر على نتنياهو وأتباعه للإلتزام الكامل بحقوق الإنسان واستنفاذ كل وسيلة ممكنة في عدم خيانة تلك المبادىء لدى التعامل مع الفلسطينيين. لكن من المحزن، أن نتنياهو استفاد من فئة معينة من الفلسطينيين التي تقاوم وجود إسرائيل لتشريع أفعاله ضد الفلسطينيين.
ودفع نتنياهو باتجاه تمرير قانون قومية الدولة، الذي يحط من شأن غير اليهود ويحولهم الى مواطنين من الدرجة الثانية. ويؤكد القانون على أن “دولة اسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي، وفيها يحققون حقوقهم الطبيعية والثقافية والدينية والتاريخية في حق تقرير المصير.” ويميز القانون ضد المواطنين العرب، ما يعزز من استيائهم وكرههم للدولة، ويوسع الفجوة بين الجانبين، ما يزيد بشكل خطير من هشاشة اسرائيل من الداخل.
ودعم نتنياهو قرار ترامب بقطع التمويل عن المنظمات التي تشجع الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومنع العشرات من المنظمات الإسرائيلية الأخرى المناصرة للسلام من تجنيد الأموال في الدول الأجنبية. وينكر نتنياهو عملية المصالحة بين الجانبين، والتي تعتبر أساسية في التعايش السلمي وتشكل الطريقة الوحيدة لحل النزاع. وللتأكيد يقوم نتنياهو بالهدم بدلا من بناء الجسور لتشجيع السلام.
وإضافة الى ذلك، يقوم نتنياهو بهدم الديمقراطية لبنة لبنة، بدءا بالقضاء الذي يعتبر مؤسسة محترمة ومستقلة. وهو يدعم تعديلا من شأنه نقل الصلاحيات حول بعض القضايا المتعلقة بالضفة الغربية من المحكمة العليا، ما من شأنه تعقيد أحكامها الخاصة بإزالة البؤر الإستيطانية والمستوطنات غير الشرعية، واضافة الى قانون آخر يسمح لأعضاء الكنيست بإحياء قوانين كانت المحكمة العليا رفضتها في السابق.
وبكلمات رئيسة المحكمة العليا القاضية إستر حيوت، فإن التشريع المقترح “قد يتجاوز حقوق الإنسان لكل فرد في المجتمع الإسرائيلي،” وأضافت “أن التعديل يبطل القانون الأساسي. وأن الإستخدام المغرض له في مشكلة المتسللين كمبرر لتشريع مثل هذا القانون لا يمكن إخفاء مغزاه التدميري.”
وفي ظل حكم نتنياهو، فإن القوة المتنامية لمؤسسة الأصولية الدينية والإنتقال المنتظم للبلد باتجاه اليمين المتطرف، يطمس بكل فعالية خطوط فصل السلطة بين “الكنيسة والدولة.” وهو يدعم تهديدات وزارة الخدمات الدينية في منع “نساء الحائط” من الصلاة في الحائط الغربي، محذرا بأنه اذا لم ينصاعوا، فلن يسمح لهن بالصلاة نهائيا. ومن المحزن أن مم له مغزاه عدم قيام الشرطة بفعل شيء لوقف الإعتداءات الجسدية واللفظية ضد النساء اللواتي كن يصلين في حائط المبكى – البراق
إضافة الى ذلك، قام بتغريب يهود المهجر، وبخاصة في الولايات المتحدة، من خلال الخضوع للمؤسسات الحاخامية. وتراجع عن قراره بالسماح للرجال والنساء بالصلاة سويا في الحائط الغربي، ما كان سيشكل اتفاقا تاريخيا مع تجمعات اليهود الليبراليين. ولم تكن تلك فقط صفعة وحيدة على وجههم، إنما تحديا لأحد أكثر الجوانب الإنتقادية للبقاء اليهودي، والذي يحافظ على قوتهم وصلتهم غير القابلة للمساومة رغم من توزعهم في أكثر من مئة دولة.
وأخيرا، يعمل نتنياهو بالتدريج على تقطيع أحد الأعمدة المركزية للديمقراطية المتمثل بحرية الصحافة. وأصبح ينتقد الصحافة الحرة بشكل متزايد وتدخل في 13 نشرة إعلامية على الأقل. وبينما يخضع للتحقيق في القضيتين 2000 و4000 يسعى باستمرار للتلاعب بالإعلام لغرض الحصول على تغطية مفضلة وزيادة التأثير السياسي، إضافة الى استخدام المحاكم للتشهير وتشويه القضايا، بينما يزيد من الرقابة العسكرية على مواقع التواصل الإجتماعي الإعلامية.
فكل إجراء يتخذه نتنياهو يعيق بشكل حاد وجود اسرائيل. لكن التهديد الأكبر كما نعلم، يتمثل بقادتها وبخاصة عدم رغبة نتنياهو مواجهة الصراع مع الفلسطينيين بواقعية، بينما يقوم بتدمير طموحات الفلسطينيين باقامة دولتهم. وبدلا من البحث الدؤوب عن الحل الذي تمليه حقيقة التعايش غير القابلة للشك، اختار قمع الحركة الوطنية الفلسطينية بشتى السبل الضروربة وبضمنها القوة.
وأدى كل إجراء عقابي يتخذ ضد الفلسطينيين، أكان الإعتقالات الإدارية أو هدم القرى الفلسطينية مثل قرية الخان الأحمر لصالح إقامة مستوطنات إسرائيلية جديدة ومصادرة الأراضي الخاصة لبناء البؤر الإستيطانية والمداهمات الليلية والحد من حرية الحركة ورفض تراخيص البناء واقتلاع أشجار الزيتون والإعتقالات التعسفية، الى الدمار التدريجي للنسيج الإجتماعي الفلسطيني وتماسكه وزيادة أمد الإحتلال والى التهجير لعقود. كما أن إذلال الفلسطينيين لثلاثة عقود أدى الى عجز القيادة، حيث أن هناك القليل أو لا شيء يمكنها تقديمه لتغيير محنتهم.
وللتأكيد، خان نتنياهو كل سبب وراء إقامة إسرائيل، أي العيش بسلام وتوفير الملجأ الآمن لليهود وتعزيز الروابط التي لا حياد عنها مع يهود المهجر، والتي تصب جميعها في البقاء على بقائها وتجانسها وغرضها.
وكان بإمكان نتنياهو أن يكون رئيس الوزراء الذي يتوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، لكنه لم يقم بذلك كونه ما زال مصمما على عدم السماح بإقامة دولة فلسطينية طالما أنه في السلطة.
وسيترك خلفه دولة ثكنة منبوذة ومجتمع فلسطيني مهشم، بينما يرسل آفاق السلام لجيل آخر.