ترجمات عبرية

أوري افنيري : يوم الفضيحة للاعلام والمعارضة ولي ايضا

هآرتس – بقلم  أوري افنيري  – 22/5/2018

في يوم الاثنين الدامي حيث ارتفع عدد القتلى والجرحى من ساعة لاخرى سألت نفسي: ماذا كنت سأفعل لو كنت شاب فلسطيني إبن 15 سنة في قطاع غزة؟ وأجبت نفسي دون تردد: كنت سأقل امام الجدار وأتظاهر وأنا أعرض حياتي وجسدي للخطر.

من أين لي هذه الثقة؟ ببساطة هذا ما فعلته وأنا في جيل الـ 15 سنة.

كنت عضو في الايتسل، المنظمة السرية المسلحة التي سميت “ارهابية”. البلاد كانت تحت الاحتلال البريطاني (الانتداب). في 17 أيار 1939 قيد البريطانيون شراء الاراضي من قبل اليهود. تلقيت أمر بالتواجد في ساعة معينة قرب شاطيء البحر من اجل المشاركة في المظاهرة. كان علي الانتظار لسماع صوت البوق.

في الساعة المعينة سمعت صوت البوق وانضممت الى جمهور المتظاهرين الذين تجمعوا في بداية شارع اللنبي. سرنا حتى وصلنا الى الكنيس الكبير وهناك صعد شخص ما على الدرج وألقى خطابا حماسيا. واصلنا السير حتى وصلنا الى آخر بيت في الشارع أمام ميدان الموشافاه، هناك كانت توجد المكاتب اللوائية للحكم البريطاني. انشدنا النشيد الوطني في الوقت الذي كان فيه زملاؤنا البالغين يحرقون المكاتب. فجأة جاءت مركبات وتوقفت بسرعة. الجنود البريطانيون قفزوا منها وأطلقوا النار. يبدو أنهم أطلقوا النار فوق رؤوسنا، هربنا عن طريق جدران سكة الحديد.

عندما أتذكر هذه الحادثة بعد 79 سنة يخطر ببالي أن شباب غزة اليوم هم ابطال اكثر مما كنا. فهم لم يهربوا، بل وقفوا في مكانهم خلال ساعات، حيث ارتفع عدد القتلى الى 61 وعدد الجرحى بالنار الحية وصل الى 1500 شخص، اضافة الى 1000 شخص تقريبا أصيبوا بسبب استنشاق الغاز.

في نفس ذاك اليوم قسمت معظم محطات التلفزة في اسرائيل وفي العالم الشاشة، على اليمين الاحداث في غزة وعلى اليسار افتتاح السفارة الامريكية في القدس. في السنة الـ 136 للحرب بين الصهيونية وبين الشعب الفلسطيني فان الشاشة المقسمة هي صورة الواقع: الاحتفال في القدس وحمام الدماء في غزة. ليس على كوكبين مختلفين أو في قارتين مختلفتين، بل على بعد ساعة سفر الواحدة عن الاخرى.

الاحتفال في القدس بدأ كحدث مضحك. مجموعة من الرجال والنساء ببدلات فاخرة يحتفلون – بماذا؟ بنقل رمزي لمكتب من مدينة الى اخرى. القدس هي نقطة الخلاف. كل واحد يعرف أنه لن يكون سلام في العالم دون التنازل عن القدس.

حسب رأيي، نقل السفارة الامريكية الى القدس لا تزيد اهميته عن قشرة الثوم. هذا عمل رمزي لا يغير شيئا في الواقع. اذا حدث وتحقق السلام، فان أحدا لن يذكر هذا العمل التافه للرئيس الامريكي المنسي، إن شاء الله.

إنهم كانوا هناك، مع “أنا” منفوخة، وادراك قليل، اسرائيليون وامريكيون وما بينهم، في احتفالهم البائس، في الوقت الذي تدفقت فيه انهار الدماء قريبا منهم، أناس قتلوا بالعشرات والآلاف اصيبوا، المراسيم التي بدأت مثل لقاء تهكمي تحولت بسرعة الى لقاء مضحك وانتهت بلقاء تراجيدي. القيصر نيرون يعزف على القيثارة في حين روما تحترق.

عندما تمت الاحتضانات الاخيرة وقيلت آخر كلمات المديح، غزة بقيت كما هي – معسكر تجميع كبير، تفجرت فيه المستشفيات من كثرة الجرحى، وساد فيه نقص الدواء والغذاء والمياه والكهرباء.

من اجل استقبال التنديدات الدولية المتوقعة انشأت حكومة اسرائيل حرب دعائية عالمية. مثلا قصة أن حماس الارهابية اجبرت أبناء غزة على التظاهر وكأنه يمكن اجبار شخص على أن يعرض حياته للخطر في مظاهرة.

أو قصة أن حماس دفعت لكل متظاهر خمسين دولار. هل أنتم على استعداد لتعريض حياتكم للخطر مقابل خمسين دولار؟ هل يوجد شخص مستعد لذلك؟.

أو أنه لم يكن خيار امام الجنود سوى قتلهم لأنهم اقتحموا الجدار الحدودي. فعليا، لم يحاول أي شخص – التجمع الضخم لألوية الجيش الاسرائيلي كان يمكنه منع ذلك دون اطلاق النار. ليس هناك أي صورة عن اقتحام كهذا.

في البداية زعمت الدعاية أن حماس ارسلت متظاهرين كي يتظاهروا ويقتلوا، في حين أن نشطاءها بقوا في البيوت. ردا على ذلك اعلنت حماس أن خمسين من بين القتلى هم من نشطائها، ضحكت الدعاية الاسرائيلية، لقد ضبطناكم! ألم نقل طوال الوقت إن نشطاء حماس فقط هم الذين تظاهروا؟.

خلال ذلك تم نسيان نبأ نشر عشية يوم الكارثة: حماس اقترحت بهدوء “هدنة” لعشر سنوات. هدنة هي وقف مقدس لاطلاق النار، التي يمنع خرقها من الناحية الدينية. الصليبيون الذين جاءوا قبلنا الى هذه البلاد عقدوا على مدى 200 سنة من مكوثهم هنا العديد من الهدنات مع اعدائهم المسلمين.

زعماء اسرائيل رفضوا ذلك على الفور.

فلماذا تم أمر الجنود باطلاق النار الحية؟ هذا هو نفس المنطق الذي استخدمته سلطات احتلال كثيرة على مدى التاريخ: تخويف الاطفال الى درجة نسيان أي محاولة للتمرد. للأسف الشيديد هذه الطريقة تقريبا دائما أدت الى نتيجة عكسية: المقموعون اصبحوا اكثر تصلبا واكثر جرأة. هذا ما يحدث الآن في غزة، من المحتمل أن يوم الاثنين الدامي سيتم تذكره كيوم فيه اعاد الفلسطينيون لانفسهم العزة القومية، الرغبة في الانتصاب والمحاربة من اجل الحرية.

ضميري لا يسمح لي بانهاء هذه الاقوال دون انتقاد ذاتي. كنت اتوقع من جميع الكتاب الاسرائيليين والمفكرين والفنانين العالميين بأن ينشروا خلال عملية القتل ادانة مدوية تزلزل الارض، لكن هذا لم يحدث.

احزاب المعارضة تصرفت بصورة مدانة، ولم تصدر أي كلمة عن رئيس حزب العمل، أو عن يئير لبيد، الزعيمة الجديدة لميرتس، تمار زندبرغ، على الاقل قاطعت الاحتفال المخجل في القدس، حزب العمل ولبيد لم يقوموا حتى بذلك.

كنت اتوقع أن تتوحد منظمات السلام الشجاعة للقيام بعمل دراماتيكي كبير ومشترك يدوي في العالم. للاسف هذا لم يحدث. ربما كانوا في وضع صدمة، كل معسكر اليسار الاسرائيلي الكبير لم ينجح في اجراء مظاهرة مشابهة لاحتجاج مئات الآلاف بشأن سعر جبنة الكوتج.

بدل ذلك جند اليسار فقط بضع مئات من المتظاهرين (مع كل الاحترام له). باختصار، لم نقم بما يجب علينا القيام به. أنا ايضا اتهم نفسي. يجب علينا تعلم الدرس. علينا الاستعداد من الآن للحدث المروع القادم. علينا تنظيم انفسنا وأن نتوحد.

لكن من كل مظاهر الاسبوع الماضي لم يصل أي شيء الى ابعاد جهاز غسل الادمغة. منذ سنوات لم اشهد امور بهذا الحجم. تقريبا كل “المراسلين العسكريين” عملوا دون خجل كرجال دعاية للجيش الاسرائيلي. خلال الايام ساعدوا الجيش على نشر الاكاذيب والتشويهات، لم يكن لدى الجمهور خيار عدا التصديق، حيث أن أحدا لم يناقض اقوالهم.

نفس الشيء بالنسبة لكل وسائل الاعلام تقريبا، مقدمو نشرات الاخبار والمراسلون والمحللون، تحولوا بارادتهم الى كذابي النظام. الكثيرون منهم بالتأكيد تلقوا تعليمات من المسؤولين عنهم واهتموا بمصدر الرزق. هذا لم يكن فصل زاهر في وسائل الاعلام الاسرائيلية. بعد يوم الدماء عندما وقف الجيش الاسرائيلي امام التنديد الدولي اضطر الى وقف اطلاق النار، وسائل الاعلام كانت موحدة في الاعلان بأن القضية انتهت بانتصار كبير لاسرائيل.

حقا؟ هل اسرائيل اضطرت الى فتح المعابر، وارسال الغذاء والدواء لغزة، ومصر اضطرت الى فتح معبر رفح وارسال مئات الجرحى للعلاج في مستشفياتها.

بيبي نتنياهو ورجب طيب اردوغان، التوأمان السياميان، بدءا بالتشاجر مثل ديكين، واهانة بعضهما بصورة صبيانية. اضافة الى ذلك حكومة اسرائيل رفضت تمكين تركيا من استيعاب جرحى بحاجة الى علاج مستعجل.

يوم الخزي انقضى، الى حين المرة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى