ترجمات عبرية

أوري افنيري: كفى للاوهام، حكم حماس في غزة لن ينهار

هآرتس – بقلم  أوري افنيري – 4/6/2018

مرحى غزة. غزة تشبه موت الحب.

أحببت غزة. قضيت فيها ساعات سعيدة. كان لي الكثير من الاصدقاء في غزة من كل الاطياف، بدء من الدكتور حيدر عبد الشافي، اليساري الداعي للسلام، وانتهاء بمحمود الزهار، الاسلامي الذي يشغل الآن منصب وزير خارجية حماس.

كنت هناك عندما عاد ياسر عرفات، وهو إبن لعائلة غزية. لقد قاموا باجلاسي في الصف الاول في حفل الاستقبال على حدود رفح. وفي نفس المساء استقبلني في فندق فلسطين على شاطيء غزة واصعدني الى جانبه على المنصة في المؤتمر الصحفي. لقد فوجئت بالمعاملة الجيدة في كل مكان في غزة، سواء في مخيمات اللاجئين أو في شوارع المدينة. في كل مكان تحدثنا عن السلام وعن مكانة غزة في الدولة الفلسطينية العتيدة.

اجل، لكن ماذا بالنسبة لحماس، كبار الارهابيين الفظيعين؟

في بداية التسعينيات طرد رئيس الحكومة اسحق رابين 415 ناشط اسلامي من غزة الى حدود لبنان. اللبنانيون لم يسمحوا لهم بالدخول، ومكثوا سنة على الحدود بين السماء والارض. قمنا بالاحتجاج على الابعاد، أقمنا معسكر خيام امام مكتب رئيس الحكومة في القدس. ومكثنا فيه 45 يوم وليلة. كان معنا في الخيام نشطاء يهود وعرب، منهم نشطاء اسلاميون بقيادة رائد صلاح من أم الفحم. قضينا الايام والليالي الطويلة في نقاشات سياسية. على ماذا؟ على السلام بالطبع. صلاح المسلم المتطرف تبين أنه رجل لطيف جدا. لقد تعامل بلطافة مع زوجتي راحيل التي استلطفته جدا.

عندما تم السماح للمبعدين بالعودة الى غزة، اقيم لهم حفل استقبال في القاعة الاكبر في المدينة. تمت دعوتي كضيف مع عدد من الاسرائيليين. وطلب مني القاء خطاب (بالعبرية بالطبع) وبعد ذلك المشاركة في المأدبة الكبيرة.

أنا أقص كل ذلك من اجل وصف الاجواء في حينه. لقد شددت في كل اقوالي أنني وطني اسرائيلي. دعوت للسلام القائم على دولتين. قطاع غزة في حينه، قبل الانتفاضة الاولى، (في 9 كانون الاول 1987) لم يكن منطقة مليئة بالكراهية. بعيدا عن ذلك، الجموع اجتازوا الحدود كل يوم للعمل في اسرائيل. ومعهم دخل التجار الذين عقدوا الصفقات في اسرائيل أو مروا عبر اسرائيل الى الاردن أو تسلموا بضائعهم من الخارج عبر موانيء اسرائيل.

كيف نجحنا اذا، نحن دولة اسرائيل، في تحويل قطاع غزة الى ما هو عليه اليوم؟

في صيف 2005 قرر رئيس الحكومة اريئيل شارون “الانفصال” عن قطاع غزة. شارون الذي هو جندي في روحه، اجرى حساب وقرر أن تكلفة الاحتلال تزيد عن مكاسبه. لقد اخرج من القطاع الجيش والمستوطنين. ولمن اعطاه؟ ليس لأحد. لماذا ليس لأحد؟ لماذا ليس لـ م.ت.ف التي كانت هي النظام الفلسطيني المعترف به؟ لماذا لم يتوصل الى اتفاق بعد مفاوضات؟ لأن شارون كان يكره الفلسطينيين وم.ت.ف وعرفات. هو لم يرغب في عقد أي صفقة معهم. حينها ببساطة قام بالانسحاب من هناك.

ولكن الطبيعة لا تتحمل الفراغ. في غزة قام نظام فلسطيني. في انتخابات ديمقراطية فازت حماس، وهي منظمة وطنية دينية قامت بمساعدة اسرائيل من اجل تقويض م.ت.ف. عندما لم تخل م.ت.ف مكانها، حماس طردتها بالقوة. هكذا نشأ الوضع الحالي.

خلال كل هذه الفترة كان لنا خيار ايجابي. قطاع غزة كان يمكن أن يكون جزيرة مزدهرة. متفائلون تحدثوا عن “سنغافورة الثانية”. وتم الحديث عن اقامة ميناء في غزة، وعن مطار دولي مع ترتيبات امنية مناسبة (اسرائيل اقامت هناك مطار ودمرته).

وماذا فعلت حكومة اسرائيل؟ العكس تماما.

لقد فرضت على القطاع حصار خانق. كل التمويل كان يجب أن يصل عبر المعابر الحدودية من اسرائيل، التي زادت وأنقصت استيراد الاحتياجات كما تريد. قضية سفينة “مرمرة” واسطول التضامن الذي رافقها أكدت على الفصل المطلق.

سكان غزة يبلغون تقريبا المليونين. معظمهم من احفاد اللاجئين من جنوب اسرائيل الذين طردوا في حرب 1948. أنا لا يمكنني الادعاء بأن يدي لم تسفكا هذا الدم. كنت جنديا في جفعاتي في جنوب البلاد وشاهدت ما تم القيام به.

الحصار انشأ حلقة مفرغة. حماس ومنظمات المقاومة الصغيرة (الاكثر تطرفا) التي نمت الى جانبها نفذت اعمال “مقاومة” (أو ارهاب) ردا على ذلك زادت حكومة اسرائيل احكام الحصار. الغزيون ردوا على ذلك بعمليات اخرى. الحصار زاد احكامه اكثر فأكثر وهكذا دواليك. قطاع غزة بقي معزول تماما، بدون اصدقاء باستثناء ايران وحزب الله وعدد من المثاليين في ارجاء العالم الذين لم يستطيعوا تقديم يد العون.

عندها اكتشف الفلسطينيون سلاح جديد: “المقاومة غير المسلحة”. قبل سنوات ظهر في البلاد نشيط فلسطيني امريكي من اتباع مارتن لوثر كينغ ودعا الى هذا الاسلوب. هو لم يجد مؤيدون فعاد الى امريكا. بعد ذلك في بداية الانتفاضة الثانية جرب الفلسطينيون هذه الطريقة. الجيش الاسرائيلي رد باطلاق النار. المقاومة غير العنيفة ماتت والانتفاضة كلفت ضحايا كثيرين.

الحقيقة هي أنه ليس هناك لدى الجيش الاسرائيلي رد على المقاومة غير العنيفة. في معركة كهذه كل الاوراق في أيدي الفلسطينيين. الرأي العام العالمي يندد باسرائيل ويمجد الفلسطينيين. لذلك رد الجيش الاسرائيلي هو اطلاق النار من اجل دفع الفلسطينيين للعودة الى اسلوب العمليات العنيفة. على هذه العمليات يوجد للجيش الاسرائيلي رد.

النضال غير العنيف هو اسلوب متحدي جدا، والذي يحتاج قوة ارادة كبيرة وضبط ذاتي وحصانة نفسية. قوة كهذه موجودة في التقاليد الثقافية الهندية، التي ترعرع فيها غاندي، وفي اوساط السود في الولايات المتحدة. لا يوجد تراث كهذا في العالم الاسلامي. لذلك من المدهش أن المتظاهرين الآن على حدود غزة يجدون في قلوبهم هذه القوة.

ما حدث في “يوم الاثنين الاسود” فاجأ العالم. جماهير من الناس غير المسلحين، شباب، نساء واطفال، وقفوا امام قناصة الجيش الاسرائيلي، قتلوا، أصيبوا، ولم يستلوا السلاح. هم لم يقتحموا الجدار، مثلما تقول الاقوال الكاذبة لآلة الدعاية الاسرائيلية. هم وقفوا امام القناصة واطلقت النار عليهم.

الجيش الاسرائيلي على يقين من أن سكان غزة لن يصمدوا في هذا الاختبار وسيعودون الى العنف عديم الجدوى. المنظمات الصغيرة والمتطرفة التي تنافس حماس، حقا فتحت نيران الصواريخ. هذا هراء، ليس للعنف أي احتمال لاحراز نتائج لصالحهم. النتيجة الوحيدة هي توفير ذخيرة لمدافع الدعاية الاسرائيلية.

من يفكر بالنضال غير العنيف يجب أن يتذكر الاسم “امريتسار”. هذا هو اسم المدينة الهندية التي فيها اطلق الجنود البريطانيون في 13 نيسان 1919، نار جهنم على متظاهرين هنود غير عنيفين. خلال عشر دقائق من النار المتواصلة قتلوا 379 مواطن هندي واصابوا حوالي 1200 شخص. اسم القائد البريطاني العقيد ريجنلاد داير دخل التاريخ وهو موصوم بالعار الأبدي. الرأي العام البريطاني اهتز. في نظر مؤرخين كثيرين كانت تلك هي نهاية الحكم البريطاني في الهند. “يوم الاثنين الاسود” على حدود غزة يذكر بهذه القضية.

ماذا ستكون النهاية؟

حماس تقترح الآن هدنة لاربعين سنة. الهدنة هي وقف مقدس لاطلاق النار، التي يحظر على أي شخص مسلم خرقها. السؤال هو هل حكومة نتنياهو مستعدة لذلك؟ بعد أن اثارت مشاعر جمهور مؤيديها وأثارت فيهم كراهية الموت لسكان غزة بشكل عام وحماس بشكل خاص، هل تتجرأ على الموافقة؟.

عندما يكون سكان غزة مخنوقين وتنقصهم الادوية وينقصهم الغذاء الكافي والكهرباء ومياه الشرب، هل ستظل الحكومة غارقة في وهم أن حكم حماس سينهار؟ هذا لن يحدث بالطبع. مثلما كتب نتان الترمان في قصيدة “الفصائل” في 1938: “ليس هناك شعب ينسحب من انقاذ حياته”. كما اثبت اليهود على مر الاجيال، ليس هناك حدود للمعاناة التي يستعد الشعب لتحملها عندما يكون وجوده موضوع على المحك.

قلبي مع سكان غزة. قلبي ينزف دم. بودي أن أطلب منهم السماح، باسمي وباسم دولة اسرائيل التي أنا مواطن فيها. الآن أنا أتطلع الى يوم يتغير فيه كل شيء، الذي توافق فيه حكومة اسرائيلية حكيمة على الهدنة وتفتح الحدود وترفع الحصار وتعيد غزة الى العالم.

ايضا غزة مثل موت الحب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى