ترجمات أجنبية

(أوريان 21) – أبارتيد التطعيم الإسرائيلي

اوريان 21 –  جان ستارن* –  11/3/2021

لئن تم تطعيم معظم الإسرائيليين، فإن الأمر يختلف بالنسبة لفلسطينيي الضفة الغربية وغزة، إذ ترفض حكومة نتنياهو تزويدهم بالجرعات. وهذا مثال صارخ يدعم موقف الذين ينددون بنظام الأبارتيد والتمييز المنهجي الذي تمارسه تل أبيب تجاه الفلسطينيين .

انطلقت حملة لتطعيم ضد فيروس كورونا لـ120 ألف فلسطيني يعيشون في الأراضي الفلسطينية ويعملون في إسرائيل في الثامن من آذار (مارس) 2021. وتشرف على هذه الحملة وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق التابعة للجيش الإسرائيلي، وتتم عملياً على مستوى الحواجز التي يجتازها هؤلاء الفلسطينيون يومياً. وللحصول على اللقاح، يجب عليهم إظهار بطاقة هوية ورخصة عمل. لكن هذه الحملة لا تشمل سوى أقلية من الفلسطينيين، وهم أولئك الذين يسهمون مباشرة في تحريك عجلة الاقتصاد الإسرائيلي، وكأن المحتل يفرق بين “العبيد الجيدين” والآخرين.

إضافة إلى ما يظهره هذا القرار من دناءة، فإنه يشير أيضاً إلى أن تحييد الفلسطينيين بات مسلّما بالنسبة لإسرائيل، مهما كان الموضوع. هل هو تمييز عنصري؟ تشير أرقام السابع من آذار (مارس) إلى أن 4.9 مليون إسرائيلي حصلوا على جرعة من لقاح “فايزر” و3.7 مليون حصلوا على جرعتين، بينما يتم تطعيم عشرات الآلاف الآخرين يومياً. ويبلغ عدد مواطني إسرائيل 9 ملايين نسمة، من بينهم 650 ألف مستوطن يعيشون في الضفة الغربية والقدس الشرقية ومليونان من فلسطينيي الداخل، ويشملهم التطعيم جميعاً. في حين يبلغ عدد سكان الأراضي المحتلة وقطاع غزة 5 ملايين نسمة لم يكن لديهم أي أفق ملموس للحصول على لقاح كافٍ حتى ذلك الحين.

استعراض نتنياهو

“إسرائيل أول بلد في العالم يخرج من أزمة كورونا”، تشدق نتنياهو متباهياً خلال حوار له على قناة “فوكس نيوز” في السادس من آذار (مارس). لكن الأمر ليس مؤكداً تماماً إلى حد الآن، فعدد الإصابات ما يزال مرتفعاً بسبب حدة السلالة البريطانية المهيمنة في إسرائيل. ولكن، مع حلول موعد الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 23 آذار (مارس) -وهي الرابعة في غضون عامين- والتي يصعب التنبؤ بنتائجها بحسب استطلاعات الرأي، يسعى نتنياهو إلى تقمص دور البطولة. وتساعده على ذلك وسائل الإعلام العالمية التي تمتدح نجاح حملة التطعيم من دون تنسيبها (عنونت مجلة “باريس ماتش” الفرنسية في أحد أعدادها “إسرائيل بلد قدوة”)، متناسية -كما هو الحال في فرنسا- استثناء الفلسطينيين من هذه الحملة.

بالنسبة لجزء من الرأي العام الإسرائيلي، يوجد ما هو أهم من الانتخابات، وهو الاجتماع لعشاء “ليل هسيدر” بمناسبة عيد الفصح اليهودي الذي سيحل يوم 27 آذار (مارس) -أي بعد أربعة أيام من موعد الانتخابات- وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد وعد بأن احتفالات العيد ستتم بلا تضييقات. وهو موضوع حساس للغاية، وقد حذر نخمان آش، إمبراطور مكافحة جائحة “كوفيد -19” في إسرائيل، من الاجتماعات العائلية بهذه المناسبة، مثيراً مخاوف من احتمال العودة إلى حجر صحي لن يكون شعبياًع على الإطلاق. وفي الأثناء، تواصل البلاد تدابير رفع الإغلاق مع فتح المطاعم والحانات والفنادق في السابع من آذار (مارس) علاوة على مطار بن غوريون، مع احترام حد أقصى لا يتعدى ثلاثة آلاف مسافر في اليوم.

وإذن، لم ينتصر نتنياهو بعد في هذه المعركة، لكنه يتصرف كما لو أن الحال كذلك. بل إنه يسمح لنفسه حتى بالسخرية من عدوه التقليدي -الاتحاد الأوروبي- من خلال عقد قمة في القدس حول إدارة الأزمة الصحية، بحضور المستشار النمساوي سيباستيان كورتز ورئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسون. كما سيستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي في الأسابيع المقبلة مدير مختبرات “فايزر” الذي ينوي تدشين مصنع لتصنيع اللقاحات في إسرائيل، معززا بذلك دبلوماسية التطعيم التي تعمل عليها تل أبيب. وقد وهب نتنياهو لكل من هندوراس وغواتيمالا والمجر والتشيك آلاف الجرعات، باعتبارها دولا حليفة آمنة له.

خرق جديد للقانون الدولي

من جهتهم، لم يحصل الفلسطينيون سوى على سبعة آلاف جرعة، خصصت خمسة آلاف منها للطاقم الطبي. وبحسب بعض المصادر، خصت إسرائيل في بداية العام الرئيس محمود عباس والعاملين معه بـ200 جرعة. ولو تمكنت إسرائيل فعلاً من “الخروج” من أزمة كورونا، فلن يكون الحال كذلك بالنسبة لفلسطينيي الضفة وقطاع غزة.

إضافة إلى الاستجوابات الصحية التي تشغل العديد من الأطباء، تتصرف الحكومة الإسرائيلية -مرة أخرى- بطريقة تتعارض تماما مع القانون الدولي. وتذكر اتفاقية جنيف التي تؤطر القانون الإنساني منذ 1949 وبصريح العبارة أنه “من واجب دولة الاحتلال […] اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة”. كما تنص اتفاقيات أوسلو المبرمة في العام 1990 على أن السلطة الفلسطينية مسؤولة عن الوضع الصحي في الأراضي المحتلة، لكن على الطرفين “العمل معاً لمكافحة الأوبئة”. لكن الحكومة الإسرائيلية تدَّعي من جهتها أن التطعيم من مسؤولية السلطة الفلسطينية ولا حياة لمن تنادي.

كان “سياسة أبارتيد في تطعيم الفلسطينيين”” عنوان تقرير كتبته أميرة هاس، مراسلة جريدة “هآرتس” الإسرائيلية في رام الله، والذي نُشر في الأول من آذار (مارس) 2021، وتروي فيه تفاصيل هذه السياسة الممنهجة. وتصف في تقريرها كيف فرح أصدقاؤها وجيرانها الفلسطينيون بتلقيها اللقاح –”هذا رائع”، قالوا لها- بينما لم يحظوا هم به. وتستطرد الصحفية: “تواصل الحكومة ادعاء أنها غير مسؤولة عن صحتهم، لكن إسرائيل تقرر في الوقت نفسه أشياء كثيرة بالنسبة للفلسطينيين، مثل كمية المياه التي يستهلكونها، والقيود التي تضعها على حرية تنقلهم، ووتيرة نموهم الاقتصادي، والجامعات التي يُسمح لهم بالالتحاق بها، ومساحة الأراضي التي يسمح لهم بزراعتها”. وتصف أميرة هاس بنبرة امتزجت فيها المرارة بالسخرية “الجنود الذي يقتحمون كل ليلة البيوت الفلسطينية ويعتقلون أهلها ويضربونهم، ويصرخون في وجوههم، أو محققي الشين بيت (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) الذين يتقاسمون مع الأشخاص الذين يعذبونهم هواء الغرفة نفسها ثم يعودون إلى بيوتهم كأن شيئاً لم يكن لمداعبة أطفالهم”. كما تندد المراسلة بـ”أكاذيب إسرائيل”، بأنه “لا وجود لفصل تام بين الشعبين”. وقد توفي حتى الآن 2127 شخصاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، و5834 في إسرائيل.

لقاحات روسية بوساطة إماراتية

لمحاولة الحد من انتشار الوباء -بين 80 % و100 % من أسرة العناية المركزة مشغولة في الضفة الغربية وغزة- تسعى السلطة الفلسطينية إلى الحصول على لقاحات بمساعدة منظمة الصحة العالمية التي عبرت عن قلقها بشأن عدم تطعيم الفلسطينيين. ومن المنتظر أن يسمح الاتفاق المبرم مع مخابر “أسترا-زينيكا” بحصول الفلسطينيين على 400 ألف جرعة بين آذار (مارس) وتموز (يوليو)، ما سيمكن من تطعيم 200 ألف شخص. وفي الأثناء، وبسبب التدهور الخطير للأوضاع وفق آخر تصريحات وزيرة الصحة الفلسطينية، مي الكيلة، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، في أواخر شباط (فبراير) عن تشديد لتدابير مكافحة الوباء في الضفة الغربية، بإغلاق الحضانات والمدارس وفرض حجر للتجول ابتداء من الساعة السابعة مساء (بدلاً من التاسعة). وفي الأثناء، كان الإسرائيليون يوم السبت 6 آذار (مارس) يتمتعون بطقس ربيعي على الشواطئ وفي الحدائق العامة.

على الصعيد الدولي، كانت روسيا وحدها هي التي أرسلت في 17 شباط (فبراير)، بوساطة إماراتية وعبر معبر رفح الواقع بين غزة ومصر، 20 ألف جرعة من لقاح “سبوتنيك في” للطاقم الطبي في غزة. وقد سهر على هذه الوساطة الفلسطيني محمد دحلان، المستشار الخاص لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد. وبطبيعة الحال، نظراً للسياق السياسي الفلسطيني والانتخابات التشريعية المزمع انعقادها أواخر شهر أيار (مايو) والرئاسية في تموز (يوليو)، لم يمر هذا الحدث مرور الكرام، حتى أن الجدل حوله غيب الهبة الإنسانية التي قدمها فلاديمير بوتين.

استنكار الديمقراطيين الأميركيين

بالنسبة لجزء صغير من الرأي العام الأميركي الذي تأثر بنشر المنظمة غير الحكومية “بتسليم” تقريراً في بداية 2021، والذي تحدثت فيه عن ممارسة إسرائيل لنظام أبارتيد، فإن عدم تطعيم الفلسطينيين هو مثال آخر للطبيعة السياسية لدولة إسرائيل. وقد كتب السيناتور بيرني ساندرز في تغريدة له على “تويتر”: “إسرائيل كقوة محتلة مسؤولة عن صحة جميع الأشخاص الذين يخضعون لسلطتها”. أما جمال بومان، وهو الممثل الديمقراطي في كونغرس ولاية نيويورك، فقد عبر في رسالة موجهة إلى القنصل العام الإسرائيلي عن استنكاره بعد تطعيم مستوطني الضفة الغربية بينما لم يتم إعطاء الفلسطينيين أي لقاح. وطلب من إسرائيل أن “تعتمد على نجاح تجربتها في توزيع اللقاحات من خلال توسيع دائرة المتمتعين به ليشمل جميع الأشخاص الذين يعيشون داخل حدود إسرائيلي وفي الأراضي المحتلة”.

*ترجمته من الفرنسية لـ”أوريان 21 سارة قريرة.

*صحفي سابق في صحيفتي “ليبيراسيون” و”لا تريبون”، ويتعاون مع مجلة منظمة العفو الدولية. نشر سنة 2012 كتابه “رؤساء الصحافة الوطنية جميعهم سيئون”، الذي صدر عن “دار لا فابريك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى