أوباما يجد صعوبة في توجيه ضربة قاضية لخصمه رومني اللطيف!
مركز الناطور للدراسات والابحاث
أشارت لغة الجسد لكل من المرشحين الديمقراطي والجمهوري للرئاسة الأميركية أثناء المناظرة التي جرت بينهما أخيراً إلى أن المعركة الحقيقية تتعلق بقضايا الداخل والاقتصاد والبطالة، أما السياسة الخارجية، فكانت مجرد عرض جانبي.
لا شك أن الرئيس أوباما يفتقد ميت رومني القديم الذي كان يعتبر نفسه “محافظاً متشدداً”.
خلال المناظرة الأولى في مدينة دنفر، تفوّق رومني على الرئيس حين أدى دور “رومني المعتدل”، وهو عبارة عن شخص لطيف لم نقابله من قبل، فقد تعهد بعدم تقليص حصة الأعباء الضريبية التي يدفعها الأميركيون الأثرياء أو تخفيض الإنفاق الفدرالي على قطاع التعليم أو حظر استعمال وسائل منع الحمل. بدا أوباما مرتبكاً لأنه لم يواجه الخصم الذي توقّعه.
عشية يوم الاثنين، جرب رومني المقاربة نفسها لكن في ملف السياسة الخارجية هذه المرة. إن الجمهوري الذي أمضى معظم أيام السنة وهو يَعِد بالتصرف بصرامة أكبر مع إيران والصين تحول فجأةً إلى شخص منطقي للغاية. قال رومني: “نحن نريد كوكباً يعمّه السلام”. ثم هنأ أوباما بكل تهذيب لأنه خطط لاغتيال أسامة بن لادن ووافق مع أوباما على ضرورة أن تعود القوات الأميركية إلى ديارها من أفغانستان بحلول عام 2014. في السياسة الخارجية، عكس رومني شخصية معتدلة وودودة.
إذا كان الهدف من هذا الأداء هو طمأنة الناخبين الأميركيين الذين لم يتخذوا قرارهم بعد إلى عدم وجود أي مبرر كي يترددوا في انتخاب رومني، فيمكن أن يتأكد الجمهوريون من أن المهمة أُنجزت.
بسبب هدوء رومني ولطفه، لم يتجادل أوباما مع رومني الذي كان يواجهه طوال فترة الحملة الانتخابية، بل مع رومني الذي عرفه خلال الحملة الأولية للحزب الجمهوري. فاعترض أوباما واعتبر أن استراتيجية رومني ليست متماسكة، في إشارةٍ إلى أن رومني أراد سابقاً إبقاء الجنود لفترة أطول في العراق وأفغانستان.
لكن مرشح الحزب الجمهوري هز رأسه وقال بلهجة معتدلة: “إن مهاجمتي ليست أجندة فاعلة”.
حتى إنه انتقد أوباما استناداً إلى أفكار المعسكر اليساري نفسه بمعنى أن الرئيس لم يبذل جهوداً كافية في برامج المساعدات الخارجية في باكستان ودول مسلمة أخرى لوقف توسع التطرف الإسلامي.
كان رومني يشبه منتقدي أوباما الليبراليين حين قال: “لا يمكن الخروج من الفوضى بهذه الطريقة العشوائية”.
لم تعكس هذه المواقف اتفاقاً حقيقياً بين الحزبين، بل أوضح المرشحان (من خلال لهجة الكلام وليس جوهر الكلمات) أن أحداً منهما لا يقدّر الآخر.
لكن بقيت بعض الخلافات واضحة أيضاً. اتهم رومني أوباما بأنه ترأس حقبة شهدت تراجع النفوذ الأميركي في العالم، لكن أوباما أكد عكس ذلك.
لكنّ الناخبين الذي شاهدوا المناظرة بحثاً عن اختلافات واضحة في السياسات الخارجية بين الحزبين لم يجدوا ما يبحثون عنه.
كانت أهداف المرشحَين مختلفة، فأراد رومني في المقام الأول تجنب ارتكاب الأخطاء، وخلال لحظات عفوية في المجالس الخاصة، ارتكب مرشح الحزب الجمهوري هفوات في السياسة الخارجية فاعتبر روسيا أول خصم لبلده وشكك بجاهزية لندن لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية. في الأسبوع الماضي فقط، اتهم أوباما عن غير وجه حق بأنه لم يذكر كلمة “إرهاب” بعد الاعتداء على القنصلية الأميركية في بنغازي.
يوم الاثنين، بدا رومني مصمماً على تجنب لحظات محرجة مماثلة. كان المرشح الجمهوري خلال المناظرة مستعداً جداً للمواجهة وحذراً في مواقفه كأي سياسي آخر في التاريخ. كان يسعى إلى تحقيق تعادل على الأقل.
في المقابل، بدا أوباما في موقف المرشح الأضعف، فحقق الرئيس تفوقاً في استطلاعات الرأي في مجال السياسة الخارجية على مدار السنة وكان ينوي تعزيز مكانته خلال المناظرة عبر تذكير الناخبين بهوية الشخص الذي قتل أسامة بن لادن وأعاد الجنود من العراق. كان يريد إثبات أنه يجيد إدارة السياسة الخارجية على عكس رومني، لكن بما أن المرشح الجمهوري كان يوافق على معظم ما يقوله الرئيس، لم يتمكن هذا الأخير من توجيه ضربة قاضية.
فيما يخص أفغانستان، اعتبر رومني أن جدول الانسحاب يبدو جيداً مع أنه كان قد انتقد أوباما لأنه حدد جدولاً زمنياً.
حين ذكر أوباما أن رومني دعا إلى تعميق التدخل الأميركي في الحرب الأهلية السورية، اعترض رومني قائلاً: “نحن لا نريد الانغماس في صراع عسكري”.
في الملف الإيراني، أصر رومني على أنه لا يدعو إلى الحرب مع أنه كان قد انتقد مقاربة أوباما الدبلوماسية لأنها فشلت في تحقيق نتائج سريعة.
أوضح رومني: “التحرك العسكري هو الملجأ الأخير”. ثم أشاد بالعقوبات الاقتصادية التي فرضها أوباما على إيران واعتبرها “خطوة مناسبة”.
تصادم المرشحان بشكل مباشر حول مسألة واحدة فقط: الإنفاق الدفاعي. دعا أوباما إلى فرض تخفيضات بسيطة على ميزانية البنتاغون خلال العقد المقبل، بينما اقترح رومني زيادة كبرى في تمويل هذا القطاع.
لكن أوباما اعترض قائلاً: “نحن ننفق على جيشنا أكثر مما تفعل الدول العشر التالية مجتمعةً. لا يمكن أن ينجح اقتراح رومني من الناحية الحسابية”.
دافع رومني من جهته عن حساباته. في مطلق الأحوال، سمحت تلك المواجهة للمرشحين بالتركيز على المسألة المحورية في هذه الانتخابات: السياسة الاقتصادية المحلية.
بحسب رأي أوباما، “حان الوقت لبناء الوطن هنا محلياً”، ولا سيما في قطاعات التعليم والطاقة والبحوث العلمية.
قال رومني: “أعرف ما يجب فعله لتوفير 12 مليون عمل جديد”.
أشارت لغة جسدهما إلى أن المعركة الحقيقية تتعلق بهذا الموضوع، أما السياسة الخارجية فكانت مجرد عرض جانبي، لكن المرشحين والناخبين يدركون هذا الواقع منذ البداية.
كتب Doyle McManus – LA Times
قسم الترجمة – الجريدة – 26/10/2012