أوباما يبقي الأسد في السلطة من أجل إجراء مفاوضات مع إيران، لكن طهران قطعت الاتصالات السرية مع واشنطن
المصادر الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية يوم الأحد 26/2/2012.
ترجمة: مركز الناطور للدراسات والأبحاث 27/02/2012.
لم يكن محض صدفة أن يغادر وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل وسط العاصفة وطرق الباب يوم الجمعة 24 فبراير اجتماع أصدقاء سوريا في تونس بعد لقائه الصعب مع هيلاري كلينتون، ولم يكن صدفة أيضا أن سعود الفيصل صرح بحضورها وردا على سؤال الصحفيين أنه لا يعتقد أن فكرة تسليح المتمردين والجيش السوري الحر بالسلاح هي فكرة ممتازة، لأن هناك حاجة إلى من يدافع عنهم وهو يعرف أن إدارة أوباما تعارض ذلك بشدة.
ليس بوسع أي وزير خارجية أن يسمح لنفسه أن يتعامل باستخفاف ظاهر حيال وزيرة الخارجية الأمريكية، بيد أن السعودية هي دولة نفطية عالمية كبرى وأقوى من إيران، وهي ترى وتعلم كيف أن طهران تسمح لنفسها بالتصرف حيال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومنذ إسقاط الرئيس المصري السابق حسني مبارك قبل عام في شهر فبراير 2011 وهو الإجراء الذي سمح لنفسها بأن تتهم إدارة أوباما حتى هذا اليوم.
الخلاف بين واشنطن والرياض لم يتم رأبه والعاصمتان تواصلان رؤية الأحداث في الشرق الأوسط بصورة مختلفة وإن كانت غير متناقضة.
وليس من قبيل الصدفة أيضا أنه قبل يومين وفي يوم الأربعاء 22 فبراير أغلق الملك السعودي عبد الله الهاتف في وجه الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف الذي تحدث معه من موسكو حول الوضع في سوريا، بعبارة أخرى السعوديون طرقوا الأبواب وأغلقوا الهواتف في وجه الدولتين العظمتين الولايات المتحدة وروسيا، عندما تعلق الأمر بالرئيس السوري بشار الأسد.
لماذا؟
المحرر الشاب والنشط والكفء السعودي في صحيفة الشرق الأوسط الصحيفة السعودية التي تصدر في لندن طارق الحميد الذي يعتبر أحد الممثلين المخلصين لخط الملك عد الله يقول أن المحادثات بين عبد الله وميدفيديف كانت بدون شك محادثة هاتفية تاريخية.
في خلال هذه المحادثة أوضح الملك عبد الله للرئيس ميدفيديف أنه لا يقبل عرضه بإعلان هدنة في حمص لمدة ساعتين في اليوم لأن معنى هذا العرض هو أن يكون مسموحا للأسد بالاستمرار في قتل مواطنين سوريين خلال 22 ساعة القادمة.
طارق الحميد لا يتطرق إلى طرق الباب من قبل وزير الخارجية السعودية حيال وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لكنه يذكر بشكل لطيف أن الملك عبد الله كان الأول الذي تجرأ في أن يصف خلال مؤتمر القمة العربي بالرياض الجيش الأمريكي في العراق بجيش الاحتلال.
المشكلة الرئيسية مع هذا الموقف السعودي هي أن السعودية تريد أن لا ترى إدارة أوباما تعارض الأسد ونظامه والمذبحة التي يقترفها ضد شعبه ولا في إدارة فلاديمير بوتين الذي يدعم بشار الأسد عن طريق تزويده بالاستخبارات والسلاح المستخدمان ضد المتمردين، وأن مثل هذا الموقف يشترك فيه الملك عبد الله في الرياض ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في القدس.
كلاهما يشكان في الرئيس باراك أوباما ورئيس الحكومة وقريبا سيصبح رئيس روسيا فلاديمير بوتين بأن الدولتين تريدان كل واحدة بطريقة مختلفة بأن يبقى الرئيس بشار الأسد في السلطة في دمشق ولنفس السبب أي إيران.
من وجهة نظر السعودية هذه ليس عبثا أنه فيما يقترح الرئيس أوباما إقامة مناطق آمنة محمية من قبل الطائرات المقاتلة الأمريكية والتركية ودول الخليج فإنه لا يقترح مهاجمة قصر الرئيس بشار الأسد والجيش السوري مثلما نفذت الولايات المتحدة وحلف الناتو وعلى مدة ستة أشهر من مارس وإلى أغسطس 2011 ضد معمر القذافي في ليبيا.
في سوريا يقترح أوباما الحفاظ على المناطق المحمية بدون مهاجمة المناطق التي تحتشد فيها قوات الأسد، بعبارة أخرى من وجهة نظر السعودية واشنطن تقترح ليس فقط منطقة محمية للمتمردين في سوريا وإنما تقترح أيضا منطقة آمنة للأسد.
السبب الرئيسي هو أن أوباما الذي يسعى طوال الوقت لإجراء محادثات مع إيران حول البرنامج النووي يريد أن يظهر للزعامة الإيرانية بأنه على استعداد لأن يذهب بعيدا في استعداده للتوصل إلى اتفاق نووي إلى حد أنه على استعداد لإنقاذ نظام الأسد لصالحها.
صحيح أن الأسد سيكون مقصوص الجناح لكنه سيبقى في السلطة في دمشق وهذا هو الأمر الأساسي الذي تريد إيران تحقيقه، السعوديون يعتقدون أن الفكرة الأمريكية القائلة أنه في مقابل ضمان استمرار نظام الأسد إيران ستعترف بهذا الجميل لواشنطن لإنقاذ حليفها الرئيسي في الشرق الأوسط وتوافق في نهاية الأمر على التخلي عن البرنامج النووي العسكري وهو أمر لن يتحقق.
السعوديون يعتقدون أن أوباما الذي يعترف بالنفوذ السياسي والعسكري والتكنولوجي والنووي لدى الروس في طهران يعتقد أنه إذا ما شاركت واشنطن وموسكو في عمل مشترك في نهاية الأمر في سوريا فإن بإمكانهما التعاون أيضا بالنسبة لإيران.
إشراك موسكو في الخطوات حيال إيران سيختزل حسب نظرة واشنطن ليس الطريق إلى دمشق فقط وإنما أيضا إلى طهران.
مصادرنا تشير أنه في الأسبوع الأخير ثبت أن الخط السعودي على حق بينما خط الرئيس أوباما قد فشل.
حتى يوم الاثنين 20 فبراير أحرز الخط السياسي الأمريكي نجاحا، زعماء إيرانيون كثيرون أبدوا في الأسابيع الأخيرة إشارات واضحة بأن إيران توافق على إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة تؤدي في نهاية الأمر إلى تجميد البرنامج النووي وتكون على استعدادا للاكتفاء بتخصيب اليورانيوم إلى درجة 5% فقط، وفي كل مرة يجري فيها المقربون من أوباما مفاوضات سرية مع طهران فإنهم يطلبون من نظرائهم الإيرانيين بإبداء إشارة واضحة تدل على أن الزعيم الإيرانية آية الله علي خامينائي يريد فعلا إجراء مفاوضات مع الأمريكان وهو يعتزم ذلك فعلا وقد استجابت إيران وأعطت الإشارة.
لكن فجأة وقعت حادثة صعبة قبل أسبوعين في نهاية الأسبوع الثاني من شهر فبراير طلبت إدارة أوباما من الإيرانيين إعطاء إشارة أخيرة ونهائية، الإشارة كان ينبغي أن تكون موافقة الإيرانيين على أول زيارة من نوعها لوفد من المفتشين التابعين للوكالة الدولية للطاقة النووية للمنشأة النووية العسكرية الإيرانية في بارشين، الإيرانيون هزوا أكتافهم وكأنهم لا يدركون أهمية الزيارة وقالوا أنهم يوافقون وفي يوم الأحد والاثنين من الأسبوع الماضي 19 و20 فبراير التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي توم دونيلون في القدس مع القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية وأوضح لهم أنه الآن وبعد أن وافقت طهران على فتح المواقع العسكرية التابعة لها أمام المفتشين التابعين للوكالة الدولية وأن المفاوضات مع إيران على وشك الانطلاق ومن المؤكد أنه لم يعد هناك سبب لمهاجمة إيران.
لكن بعد يوم من ذلك وفي يوم الثلاثاء 21 فبراير اتضح أن تفاؤل وتوضيح دونيلون لم يكن له أساس، الإيرانيون قالوا لوفد المفتشين الذي وصل إلى طهران بأنهم لا يفهمون عما يتحدثون عنه وما يقولون بأن إيران وافقت على زيارة موقع بارشين أو عن تحديد وتقييد عملية تخصيب اليورانيوم إلى درجة 5%.
جميع المحاولات من قبل واشنطن من أجل أن تستوضح في طهران حول هذه المعوقات ذهبت أدراج الرياح، إيران لم تكتف بالسكوت فقط وإنما قامت بالتغطية عليها عن طريق التهرب، وأنزلت نفسها من شاشة الرادار الأمريكي ولم تعد تجيب على الطلبات الأمريكية.
بعبارة أخرى سياسة إدارة أوباما حيال إيران انهارت، بيد أن الرئيس الأمريكي المتفائل الأبدي والذي تمسك ومازال يتمسك بالنظرية القائلة بأن الإيرانيين سيأتون في نهاية المطاف إلى طاولة المفاوضات يقول الآن أن الأمر يتعلق بعقبة مؤقتة بسبب الانتخابات لمجلس الشورى التي ستجري في 2 مارس وبعد ذلك مباشرة سيتفرغ الإيرانيون ويأتون إلى مائدة المفاوضات وهذا هو السبب الحقيقي لماذا طرق السعوديون في الأسبوع الماضي الباب السوري سواء حيال واشنطن أو حيال موسكو، وهذا هو السبب لماذا يستمر بشار الأسد في قمع معارضيه على الرغم من الأحاديث الأمريكية عن مناطق آمنة.
وهذا هو السبب لماذا نتنياهو يعارض سياسة الرئيس أوباما ليس فقط في مواجهة إيران وإنما أيضا في مواجهة سوريا.