أهارون بابو – خطيئة الوهم
بقلم: المحامي أهرون بابو، معاريف ١٧-١٠-٢٠١٨
كيف ينبغي تسمية اتفاقات اوسلو، التي يمر على التوقيع عليها هذه الايام 25 سنة، وقد ضخت الى البلاد الآلاف من مخربي عرفات؟ فقد احبطت منذ البداية نوايا رابين الذي آمن بسذاجته بأن عرفات نفسه سيصفي الارهاب “بدون بتسيلم وبدون المحكمة العليا”. لعل هذه “السياسة” جديرة بأن تسمى على اسم كتاب بلزاك “اوهام ضائعة”، ولعلها على اسم “مسيرة السخافة” لبربارة توخمان، الكتاب الذي يتحدث عن غباء سياسيين ينتهجون سياسة تتعارض مع المصلحة القومية لبلادهم.
لقد ولدت الاتفاقات في العقل اليقظ لبضعة أذكياء في نظر انفسهم. أحدهم – رون بونداك – أراد أن يغير الصهيونية وأغوى يوسي بيلين بأييده – وهذا أغوى شمعون بيرس – والاخير أغوى اسحق رابين، الذي رغم أنه في البداية ركل الفكرة قليلا، إلا أنه اقتنع بأن نية عرفات طيبة، فسمح له بأن ينفذ عمليا “حق العودة” في أنه أعاده الى بلاد اسرائيل مع آلاف المخربين وعائلاتهم. بدلا من أن يقف بيرس ورابين في حينه كسلسلة القيادة لدولة اسرائيل، وقعا ضحية سلسلة الاغواء لليسار.
إن خطأ بيرس ورابين الكارثي كان في أنهما قدما للمنظمة الارهابية م.ت.ف قاعدة اقليمية في داخل بلاد اسرائيل، وهكذا أدخلا الارهاب الى بلادنا ووفرا له شرعية دولة. خطأ آخر كان في أن الفرصة النادرة للصهيونية للسيطرة على البلاد كلها، من البحر حتى النهر، احبطت عندما اصطدم الاستيطان في يهودا والسامرة بمصاعب رهيبة. كما أثرت روح اوسلو على الجهاز القضائي في الدولة – النيابة العامة، الاستشارة القانونية ومحكمة العدل العليا – الى درجة أنه بدلا من القضاء التوراتي، “صهيون بالقضاء تُفدى”، بات من الجدير استبدالها بـ “صهيون بالقضاء تُستعبد”، وأكثر من ذلك “زرعت اوسلو اوهام في الشعب وكأن التنازل والمصالحة سيجلبان السلام”.
بعد وقت قصير من اغتيال رابين، اعترف بيرس في الحكومة بأنه بخلاف ما اتفق عليه مع عرفات، فانه بالفعل يعنى بالارهاب ويقف خلفه. ولكن كان الاوان قد فات، لأن ثمن عماه السياسي وعمى رابين يشبه عمى زعماء طروادة الذين ادخلوا حصان طروادة الى مدينتهم وتسببوا بهزيمة شعبهم.
إن الزعماء الاذكياء لا يفشلون بالعمى السياسي، ولكن يبدو أن بيرس ورابين على حد سواء فشلا في اختبار الذكاء الذي يتطلب أن يرى السياسي بعيد النظر مسبقا ما هي نتيجة المخاطر التي يأخذها على حساب شعبه. لقد سبق أن كتب عن هذا الكاتب الراحل نتان شوحم في كتابه “حتى الملك”، بأن التاريخ هو موضوع حزين نتعلم منه أن “العميان دوما يسيرون خطوة واحدة قبل الأذكياء”.
في المئات الاخيرة من السنين كانت هناك اعمال عمى سياسي اخرى. هكذا مثلا روسيا حتى اليوم تندم على أن النظام القيصري باع الاسكا للولايات المتحدة. وهي لا بد تندم ايضا على أن خروتشوف اعترف بنوع من الحكم الذاتي لاوكرانيا – التي لم تكن دولة مستقلة. كما أن ترك شرق اوروبا كله للسيادة الشوعية على مدى نحو خمسين سنة كان خطأ جسيما لروزفلت في اتفاقات يالطا مع ستالين. ولكن لا يوجد ما يشبه خطأ عمى بيرس ورابين، اللذين فوتا الفرصة التي جاءت للصهيونية مرة في ألفي سنة في أن يعيش اليهود أسيادا في بلادهم. لقد عملا برأيي بخلاف مصلحة دولة اسرائيل والصهيونية. هذا اخفاق سياسي بحجوم تاريخية. صحيح أنهما لم يبذرا بذور الكفر اليساري الاولى في الصهيونية، ولكنهما تسببا بانتصارها المؤقت.
اسرائيل اليوم– مقال –