أقلام وأراء

أنطون شلحت يكتب – السيادة المنقوصة

بقلم أنطون شلحت – 28/3/2018
في كتاب “السلام مُمكن، حوارات متصلة مع قادة عرب وإسرائيليين” (2007)، يعتقد رجل الأعمال اليهودي الأميركي، دانيال أبراهام، أن طريقة تفكير الإسرائيليين تأثرت من حرب الخليج الأولى عام 1991 بطريقةٍ جعلتهم أكثر انفتاحًا مما كانوا عليه سابقًا إزاء فكرة “التنازل عن الأرض”. ووفقًا لقراءته، بيّنت تلك الحرب أن إسرائيل، على الرغم من كل جبروتها العسكري، غير قادرة على الدفاع عن نفسها وحدها ضد صواريخ سكود. وإنه من غير دعم الولايات المتحدة، كانت إسرائيل ستردّ على الهجوم العراقي، ولكن ما كان في استطاعتها صدّ الصواريخ بمفردها. ولذا بدأ عديد من قادتها بالاقتناع أن الطريقة الوحيدة التي ستمكّن دولة الاحتلال من حماية نفسها وسكانها كامنة في عملية سلام شاملة مع العالم العربي، وكلما حدث الأمر في وقت أقرب فذلك أفضل. ولم تكن الصواريخ التي أطلقها صدّام حسين تحمل رؤوسًا كيميائية أو بيولوجية، كما كان خوف إسرائيل، لكن وجود هاجسٍ مؤداه أن يطلق زعيم عربيّ في المستقبل صواريخ كهذه أصبح أقرب إلى الحقيقة في ذلك الوقت، وحينها لن تكون القوات الإسرائيلية فقط مُهدّدة بالخطر، بل أيضًا المجتمع الإسرائيلي ككل، مع احتمال سقوط قتلى عديدين.
بناء على ذلك، استخلص أنه خلال أيام قليلة من كانون الثاني/ يناير 1991، أوضح صدّام أن ضغطة واحدة على زرّ قد تهدّد حياة إسرائيليين عديدين أكثر من إرسال قوات الجيوش العربية.
قد يكون في كلام أبراهام هذا ما يحيل إلى مصدر انطلاق معادلة “الأرض في مقابل السلام”، فيما يتعلق بتسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني التي سرعان ما استحالت إلى معادلة “الأرض في مقابل الأمن”، من جانب حُكم اليمين الإسرائيلي الذي استؤنف مع رئيس الحكومة الحالية، بنيامين نتنياهو، بعد فترة اتفاق أوسلو، وما يزال جاثمًا.
والآن، لم يعد ثمة حديث عن أي معادلة تشمل الأرض أو ما يسمى “حل الدولتين”. وفي إثر آخر لقاء عقده نتنياهو مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم 5 آذار/ مارس الحالي، سُئل فيما إذا قال لترامب إنه يؤيد، على الأقل من حيث المبدأ، إقامة دولة فلسطينية، فأجاب أنه أبلغه فقط بأن “إسرائيل لا تريد حكم الفلسطينيين”. واعترض أقطاب الليكود، في رسالة وجهوها إلى قيادة لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، على دعم هذا الحل، وأكدوا أنها ترتكب خطأ بالادعاء أنه الحل النهائي للصراع، وأنه يحظى بدعم كل من واشنطن وتل أبيب، مشيرين إلى أن موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية واستراتيجية الرئيس الأميركي للأمن القومي لا يذكرانه.
وفقط الأسبوع الفائت، نُشر في وسائل إعلام إسرائيلية أن مُصطلح دولتين اختفى من القاموس الإسرائيلي، ولكن في أثناء ذلك تم التذكير أنه عندما هنأ وزير الخارجية الألماني السابق، زيغمار غبريال، نتنياهو، في اجتماع بينهما يوم 31/1/2018، على أنه لم يشطب عبارة الدولتين من قاموس إسرائيل السياسي، فاجأه الأخير بقوله إن من الأفضل الامتناع عن مثل هذه التعريفات، في تلميح صريح إلى أن هناك ستارًا أسدل على هذا المُصطلح السياسي.
قبل ذلك، قال نتنياهو لمعهد الأبحاث، تشاثام هاوس، في لندن يوم 3/11/2017: “أعتقد أنه حان الوقت لأن نعيد تقييم ما إذا كان النموذج الذي نمتلكه حول السيادة، قابلا للتطبيق في كل مكان!”، قاصدًا استثناء فلسطين.
وتزامنًا مع كتابة هذا المقال، نشرت منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية تقريرها الدوري عن أعمال البناء في مستعمرات أراضي 1967 خلال عام 2017، ذكرت فيه ازدياد نسبة تلك الأعمال كثيرًا، وأن حصة الأسد كانت من نصيب بؤر استيطانية معزولة، قال التقرير إنه “سيتم على الأرجح إخلاؤها في حال إقامة دولة فلسطينية”.
وعليه، يمكن القول إن عنصر إبقاء كل مستعمرات أراضي 1967 انضاف إلى عناصر الموقف الإسرائيلي الأخرى، المرتبطة بتلك الأراضي ونموذج السيادة الجديد، وفي مقدمها عدم العودة إلى خطوط 1967، وعدم تقسيم القدس، واستمرار السيطرة الأمنية على غرب الأردن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى