شؤون إسرائيلية

أنطوان شلحت يكتب –  هل إسرائيل آمنة اقتصادياً ؟

أنطوان شلحت *- 6/10/2021

مع أنه من السابق لأوانه إجمال الآثار الاقتصادية الكلية لأزمة جائحة كورونا على الوضع الاقتصادي في دولة الاحتلال، من الواضح أن أحد أبرز تداعياتها كامن في زيادة نسبة العاطلين من العمل. ومن المتوقع أن تكون هذه الزيادة مضطردةً أيضًا، في ضوء أن التعافي من تداعيات تلك الجائحة يتم في الوقت عينه إلى ناحية تكريس وضع عام يوصف بأنه “تعافٍ من غير شغل” (Jobless Recovery)، والذي يسم اقتصاداتٍ تعود إلى أدائها المطلوب. ولكن كثيرين من الشغّيلة يكونون من دون عمل لأسباب كثيرة، في مقدمها الاعتماد على فعاليات اقتصادية تدجّج النموّ العام، ولا تحتاج إلى أيدٍ عاملة. وهذا الوضع قائم في إسرائيل على نحو خاص منذ عدة أعوام، بحسب ما يؤكد تقرير أصدره أخيرا محافظ البنك المركزي، الذي أضاف أن من شأنه أن يؤدّي، في الأفق المنظور، إلى اتساع الفجوات بين فئات السكان، وازدياد حدّة الفقر، وتعميق التقاطب الاجتماعي.

وبموجب تقارير متطابقة في هذا الشأن، ثمّة غموضٌ كثيرٌ يحفّ بقضية العمالة في الاقتصاد الإسرائيلي. وهو غموضٌ ناجم عن عاملين: الأول، صعوبة الوصول إلى بياناتٍ تحدّد عدد العاطلين من العمل بشكل دقيق، نتيجة عدم وجود هيئةٍ تدمج كل المعطيات المطلوبة لوضع بياناتٍ كهذه، واكتفاء الحكومات الإسرائيلية، بما في ذلك الحالية، ببيانات جزئية، للهروب إلى الأمام من هذه المشكلة التي تستوجب سياسة اقتصادية غير منتهجة في الوقت الحالي. الثاني، عدم وجود بيانات دقيقة أيضًا حول نسبة الشغّيلة من أبناء 15 عامًا فما فوق، باستثناء طلبة الثانوية والجامعات والجنود، في سوق العمل الإسرائيلية. وتقول تقارير إن نسبة هؤلاء انخفضت تحت وطأة كورونا من 61% إلى 58.5%، ورقميًا فإن 170.000 إسرائيلي كانوا يعملون قبل عامين باتوا عاطلين.

القصد من إيراد هذه المعطيات تقديم خلفية لسؤال تواتر في الآونة الأخيرة: هل إسرائيل آمنة اقتصاديًا؟ وارتبطت آخر مناسبة طرحه بتصويت الكونغرس الأميركي المنفصل على تمويل تزويد إسرائيل بمنظومة “القبة الحديدية” المضادّة للصواريخ، بعد استهلاك كثيرٍ من مخزونها إبّان معركة “سيف القدس” في مايو/ أيار الفائت. فإلى جانب الانتقادات الحادّة في الحزب الديمقراطي الأميركي، كشف هذا الأمر نقطة ضعفٍ لدى إسرائيل، أن هذه الدولة التي تتظاهر بأنها آمنة اقتصاديًا، وتقف في مقدّمة الدول التي تنال مساعدة من الولايات المتحدة، وتلقت مساعدات سخيّة في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تبلغ 3.8 مليارات دولار سنويًا، لمدة عشرة أعوام، تقف على أبواب الكونغرس طالبةً مساعدته من أجل تغطية نفقاتٍ من الصعب وصفها بأنها غير متوقعة. وتساءل بعضهم: هل يحدث هذا نتيجة عدم التخطيط لميزانية متعدّدة الأعوام لفطم دولة الاحتلال عن المساعدات السخية الأميركية، أم لأن من شبه المستحيل الوصول إلى مثل هذا الفطام؟

ولعل ما ينبغي تكرار الإشارة إليه أن إسرائيل هي الدولة التي تنفق على الأمن أكثر مما تنفقه نظيراتها من “دول العالم المتقدّم” الذي تتباهى بأنها تنتسب إليه، ففي وقتٍ تنفق فيه معظم الدول الأوروبية بين 1% و2% من ناتجها المحلي الإجمالي على قواتها العسكرية، والولايات المتحدة تنفق نحو 4.5% من ناتجها الإجمالي للإبقاء على جيشها الأقوى في العالم، تنفق إسرائيل ما بين 6% إلى 8% من ناتجها على قوتها العسكرية، بحسب الإحصائيات الرسمية المنشورة بهذا الصدد. ولا تأخذ هذه الإحصائيات في الاعتبار النفقات الضخمة التي توجّهها إسرائيل إلى قوة الشرطة، بما فيها قوة حرس الحدود التي تُعتبر وحدة عسكرية، على الرغم من ارتباطها بالشرطة، أو مصلحة السجون، ناهيك عن الآثار الواسعة النطاق التي تفرزها الأراضي التي تملكها وزارة الدفاع الإسرائيلية، والتي لا يمكن استخدامها لغايات السكن أو الزراعة أو الصناعة، أو الموازنات السرّية المختلفة، من قبيل موازنتي جهازي الشاباك والموساد.

*أنطوان شلحت- كاتب وباحث فلسطيني في الشأن الإسرائيلي .

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى