أنطوان شلحت يكتب – منافسة نتنياهو مع اليمين .. ماذا عن “السلام”؟
أنطوان شلحت *- 22/12/2020
في الوقت الذي يبدو فيه أن إسرائيل ذاهبة نحو انتخابات عامة رابعة خلال أقل من عامين، بات من شبه المؤكد أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحزب الليكود الذي يقف على رأسه سيتنافسان فيها مع اليمين. هذا ما أكدناه في الماضي أيضاً، وما يُشدّد عليه الآن مزيد من المحللين الإسرائيليين، إلى جانب تقارير دورية تصدر عن هيئات ومؤسسات إسرائيلية ولا سيما تلك التي تُعنى بمسار عملية التسوية السياسية أو بمستقبل الديمقراطية.
وتوقفنا في العدد الحالي من “المشهد الإسرائيلي” عند اثنين منها:
الأول، “مؤشر الصوت الإسرائيلي”، وهو استطلاع للرأي العام يجريه “مركز غوتمان لدراسات الرأي العام والسياسات”، التابع لـ “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” بصورة شهرية.
الثاني، التقرير الذي نشره مركز “زولات للمساواة وحقوق الإنسان” الإسرائيلي تحت عنوان “خديعة نتنياهو: إعادة تسويق السيطرة على الفلسطينيين بغلاف السلام”.
ولئن أظهر التقرير الأول أن الإسرائيليين ما زالوا في غالبيتهم يعلنون أنهم “متشائمون” أو “متشائمون جداً” حيال مستقبل الديمقراطية في إسرائيل في المدى المنظور، ويعتقدون بأن النظام الديمقراطي في إسرائيل أصبح اليوم “في وضع خطير جداً”، فإن التقرير الثاني يستنتج بأن “اتفاق أبراهام” مع الإمارات العربية المتحدة الذي لم يتطرّق ولو بكلمة واحدة إلى الاحتلال (في أراضي 1967)، سيتيح لنتنياهو إمكان دق إسفين في جبهة المعارضة الدولية للاحتلال، وهو ما سيخفض أكثر فأكثر من ثمن الاحتلال ويهدد بتحويله من أمر مؤقت إلى حالة دائمة، خاصة وأنه جاء في فترة توقفت فيها محادثات السلام مع الفلسطينيين، وتعثرت المفاوضات، بالتزامن مع الترويج لحل أحادي الجانب قائم على الضم من جهة، ومع خفوت الأصوات الإسرائيلية التي تنادي وتؤمن بحل الدولتين من جهة أخرى، وهو ما سيجعله “بديلاً عن السلام الحقيقي الوحيد الممكن والقادر على جلب الاستقرار”، على حدّ ما يعتقد واضعو التقرير.
ولا شك في أنه عاجلاً أو آجلاً، سيحين الأوان للخلوص إلى استنتاج عام بشأن موقف نتنياهو من السلام على مدار ولايات حكوماته المتعاقبة منذ أكثر من عقد. غير أنه ليس من السابق لهذا الأوان تأكيد أن نتنياهو لا يؤمن بالسلام مع الفلسطينيين، بيد أنه في بداية ولايته الثانية ومثلما أكد كثيرون كان يدرك، كأسلافه من رؤساء الحكومة في إسرائيل، أن مصير الدولة مرهون بـ”قوتها وشرعيتها”، بموجب ما دأب رئيس الحكومة الأول ديفيد بن غوريون على أن يُردّد. وفي تلك الأعوام (أواخر العقد الأول من القرن الحالي) شكّل تعاظم قوة إيران بمثابة تهديد لقوة إسرائيل، كما أن شرعية هذه الأخيرة تعرضت إلى التقويض على خلفية وقائع الحرب العدوانية على قطاع غزة في 2008-2009 (وما استتبعها من صدور “تقرير غولدستون”)، وبسبب تغوّل الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، ولذا باتت بحاجة ماسة إلى المزيد من الاعتراف والدعم، وهو ما يوجب إرضاء العالم، والتقدّم تدريجياً في “عملية السلام”.
ينبغي أن نشير إلى أنه في هذا السلوك، واصل نتنياهو ما فعله اثنان من أسلافه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية هما إيهود باراك وأريئيل شارون، منذ العام 2000، وهو الانهماك في الحديث عن السلام أكثر من الانشغال بالتقدّم الحقيقي نحوه، نظراً لكون هذا المسلك ينطوي على مزايا عديدة، إذ إنه من الناحية النفسية يمنح القادة السياسيين، وربما المواطنين أيضاً، شعوراً بأن إسرائيل معنية فعلاً بالسلام بينما الجانب الآخر يتحدث عنه فقط، ومن الناحية السياسية فإن هذه المقاربة لا تكلف أصحابها أي أثمـان باهظة.
ولعله من المفيد أن نعيد إلى الأذهان أنه في معرض إجمال هذه الحالة الإسرائيلية الشائعة في إحدى المناسبات الماضية كشف عضو الكنيست الإسرائيلي الحالي عوفر شيلح (“يوجد مستقبل”)، عندما كان معلقاً سياسياً في صحيفة “معاريف”، أنه لدى استمزاج أي من زعماء إسرائيل عن سرّ الكلام المتواتر حيال السلام في الظاهر، سرعان ما يؤكد أن الحديث يدور حول تكتيك لا أكثر، وذلك لأنه “يجب صيانة العملية السياسية” و”لا بُدّ من بث بعض الأمل”، وأساساً لأنه يجب الظهور في مظهر جيد أمام واشنطن.
ما يمكن قوله في الوقت الحالي هو أن هذه الحالة مرشحة لأن تستمر الآن، وربما ما يدعم هذا التكهن هو، أولاً وقبل أي شيء، انعدام أي ضغوط سياسية إسرائيلية داخلية ذات ثقل خاص، وانحسار الضغوط الخارجية من أطراف تُعدّ مؤثرة على إسرائيل وسياستها العامة.