أقلام وأراء

أنطوان شلحت: حول دوافع تواتر الكلام عن احتمالات التصعيد الشامل بين إسرائيل وحزب الله

أنطوان شلحت 21-9-2024: حول دوافع تواتر الكلام عن احتمالات التصعيد الشامل بين إسرائيل وحزب الله

مع انتهاء الأسبوع الأول من الشهر الثاني عشر لأطول حرب تخوضها إسرائيل منذ إقامتها يقرّ معظم المحللين العسكريين الإسرائيليين بأن “الدولة تجد نفسها في عمق دوامة أمنية، والحدث يلاحق الحدث، والردّات تتلاحق، ولا نهاية للأحداث في كل الجبهات من حولها. ومن الناحية الأمنية، فإن وضع إسرائيل ليس فقط لا يتحسّن بل أيضاً يزداد تعقيداً، ومن جهة أُخرى لا يوجد أفق يدل على نهاية الحرب أو حتى على التوجه نحو حلّ للوضع”، حسبما وصف ذلك اللواء احتياط يسرائيل زيف، القائد السابق لفرقة غزة ولشعبة العمليات في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي قبل يومين (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 14/9/2024).

وتتجّه الأنظار مؤخراً أكثر فأكثر نحو احتمال حدوث تصعيد شامل بين إسرائيل وحزب الله في منطقة الحدود الشمالية، حيث من المتوقع أن يصل الموفد الأميركي الخاص لرئيس الولايات المتحدة جو بايدن، عاموس هوكشتاين، اليوم (الاثنين) إلى المنطقة، وسيقوم بزيارة كل من إسرائيل ولبنان. وبموجب التحليلات في إسرائيل تكشف الزيارة الحالية لهوكشتاين عن قلق أميركي متزايد إزاء إمكان تصعيد شامل بين إسرائيل وحزب الله، إذ برز في الأسبوع الأخير أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في قوة النيران المتبادلة بين الطرفين، والتصويب نحو أهداف بعيدة في عمق الأراضي في الجانبين.

كما أن الأضواء سُلطت على الضفة الغربيّة حيث يزداد التصعيد حدّة.

غير أن ما يجعل الأنظار تتجّه على نحو كبير إلى الجبهة الشمالية بالأساس هو ما يلي:

أولاً، أن إجلاء السكان من المستوطنات الحدودية يشكّل ضغطاً شعبياً على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى حلّ، لكن الحكومة الحاليّة لا تزال بعيدة عن التوصل إلى حلّ دبلوماسي يكبح النار.

ثانياً، إطلاق الصواريخ والمسيّرات في اتجاه أماكن بعيدة عن منطقة الحدود مع لبنان أمسى سبباً في تعطيل الحياة أيضاً في بلدات ومستوطنات لم يجرِ إخلاؤها في منطقة الجليل.

ثالثاً، في ظل غياب أي مؤشرات إلى احتمال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، فإن حزب الله سيظل ملتزماً بوعده الاستمرار في إشغال الجيش الإسرائيلي عبر إطلاق النار من لبنان بصفته جبهة إسناد.

كذلك لا بُدّ من التنويه بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لمّح خلال جلسة عمل استراتيجية عُقدت يوم الخميس الماضي بأن إسرائيل على وشك توسيع عملياتها في الجبهة الشمالية. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن نتنياهو قوله: “إننا نتجه نحو معركة واسعة بقوة كهذه أو أُخرى”. وأكدت وسائل الإعلام هذه أن كبار قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية استبعدوا أن يكون الحل الدبلوماسي وحده كافياً من أجل إعادة سكان الشمال إلى منازلهم. كما نقلت عن مسؤول مقرّب من نتنياهو قوله إنه لم يتم تحديد موعد للعملية العسكرية في الشمال، ولكن الحديث يدور حول فترة زمنية تتراوح بين أسابيع وأشهر. كما أكد هذا المسؤول نفسه أن إسرائيل تتطلع إلى بدء المعركة وفقاً لمعيارين أساسيَين، هما: أولاً، قدرات الجيش الإسرائيلي وجهوزية قوات الجيش والأسلحة التي بحيازة إسرائيل، وثانياً، توفّر شرعية دولية.

وبموازاة ما ألمح إليه نتنياهو، يكرّر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وكبار المسؤولين في القيادة الأمنية، في الفترة الأخيرة، أن الوضع في الشمال لا يُحتمل، وأن هناك ضرورة لتركيز عمليات الجيش الإسرائيلي في المواجهة مع حزب الله وتقليص القوات المنتشرة في قطاع غزة، أي بكلمات أخرى تقليص الضغط العسكري الإسرائيلي في القطاع. وفي الأسبوع الماضي، حضر وزير الدفاع تدريباً أجراه لواء الاحتياط في قيادة المنطقة العسكرية الشمالية، حاكى فيه مناورة برية داخل الأراضي اللبنانية. وقال غالانت: “إن مركز الثقل ينتقل إلى الشمال. ونحن نوشك على إكمال المهمة في الجنوب (قطاع غزة)، لكن بقيت لدينا هنا مهمة لم تُنجز بعد، وهي تغيير الوضع الأمني وإعادة السكان إلى منازلهم”. ومثلما يؤكد المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس“، عاموس هرئيل، في الماضي كان التفكير هو ربط عملية وقف إطلاق النار في الشمال بصفقة المخطوفين، ولكن من الواضح الآن أن فرص تلك الصفقة تضاءلت كثيراً، وبالأساس بسبب العراقيل التي وضعها رئيس الحكومة نتنياهو (15/9/2024).

ويعتقد هرئيل أن نتنياهو لم يقرّر بعد ما إذا كان سيستمر في توسيع ضغط القتال في قطاع غزة أم أنه سيقوم بتحويل الانتباه إلى لبنان. وكالعادة، فإن قراراته مرتبطة إلى حد بعيد- برأي هذا المحلل العسكري- بالضغوط والقيود التي تُمارَس عليه، غير أن كل قرار يتخذه يجب أن يأخذ في الحسبان ثلاثة عوامل رئيسة هي: مخازن الذخيرة والسلاح لدى الجيش الإسرائيلي؛ الضغط الكبير الذي يعاني جرّاءه جيش الاحتياط؛ تآكل الوحدات النظامية التي تتحمل العبء الأكبر من القتال المستمر بصورة متواصلة منذ نحو عام.

وبمتابعة ما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن تواتر الكلام بشأن احتمال التصعيد مع لبنان رافقه تطوران مهمان:

الأول، قيام إسرائيل بشنّ عمليات عسكريّة ضد ما توصف بأنها منظومات الصواريخ الدقيقة التي بحيازة حزب الله. وبموجب ما يشير المحلل العسكري الإسرائيلي عمير ربابورت فإن هذه العمليات تصاعدت إلى حد كبير خلال الشهر الفائت وبلغت ذروتها، كما أفادت تقارير صحافية أجنبية، بقيام الجيش الإسرائيلي في أواخر الأسبوع الفائت بتنفيذ عملية برية في مصياف في سورية، هي الأولى منذ أعوام، قام خلالها بتدمير منشأة إنتاج صواريخ لحزب الله، وبالاستيلاء على مواد. وفي قراءة المحلل العسكري نفسه، تشكّل هذه العمليات نماذج على نيّة إسرائيل تقليص القدرات الصاروخيّة لدى حزب الله بغية تقليل الأضرار التي يمكن أن تترتب على اندلاع مواجهة شاملة بين الجانبين.

يُشار هنا إلى أن أحد أسباب تقليص القدرات الصاروخيّة لدى حزب الله يعود إلى وجود ثغرات في قدرة منظومات الدفاع الصاروخية الإسرائيلية، كما ثبت في حادثة إطلاق صاروخ أرض – أرض باليستي فرط صوتي من اليمن صباح أمس الأحد (15/9/2024) وسقوطه في أرض مفتوحة في وسط إسرائيل.

أما التطوّر المهم الثاني فهو استكمال الجيش الإسرائيلي تدريبات جميع القوات التي من المفترض أن تشترك في القتال في الجبهة اللبنانية في حال توسيع نطاقه بما في ذلك تنفيذ مناورة برية، وهي قوات أسلحة البر والمدرعات والهندسة والمدفعية. وفي هذا الصدد كتب ربابورت ما يلي: “يبدو أن احتلال أراض في الجنوب اللبناني بعد مرور أكثر من 24 عاماً على الانسحاب الأحادي الجانب من الحزام الأمنيّ هو بمنزلة ضرب من الخيال، ولكن لا بُد من القول إن الجيش الإسرائيلي يستعد بكامل قوته لمثل هذا السيناريو وبمنتهى الجدية، وربما حتى باعتبار ذلك الإمكانية الواقعية الوحيدة لإعادة سكان منطقة الحدود الشمالية إلى منازلهم التي تم إجلاؤهم عنها” (“مكور ريشون“، 12/9/2024).   

وبموجب ما يتم تداوله في وسائل الإعلام الإسرائيلية، على الرغم من اعتقاد جزء من الضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي بأن الضغط العسكري المستمر في قطاع غزة سيجعل من الصعب دخول حرب واسعة النطاق في لبنان، فإنهم لا يعبّرون عن موقفهم بصورة واضحة، ويعود هذا في جزء منه إلى العلاقة السيئة بنتنياهو من جهة، والتراجع في كفاءة الجيش، ولاحقاً التقصير في هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر من جهة أخرى. وبعد كل هذه الأحداث، تبدو رئاسة هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، مثلما تجمع التقديرات التحليلية في إسرائيل، منهكة ومحبطة، ومن الصعب أن تتمسك بموقفها، بينما يقوم رئيس الحكومة بنشر الوعود بنصر مطلق قريب أو يتعهد بالاستمرار في القتال، “حتى بالأظافر إذا ما لزم الأمر”!

ولعل آخر ما هو واضح من أمور بالنسبة إلى نتنياهو هو عدم وجود ضغط حقيقي عليه. وثمة شكوك فيما إذا كانت حتى التظاهرات الضخمة الأخيرة لأهالي المخطوفين وأوساط الرأي العام الإسرائيلي، والتي حركتها قضية استعادة جثث 6 مخطوفين من أحد الأنفاق في قطاع غزة، ستنجح في تغيير موقفه. وما يتراءى من جهته الآن أنه لا ينوي التقدم نحو صفقة مخطوفين قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في مطلع تشرين الثاني المقبل. وأحدث ما يمكن استشفافه من تصريحاته أن حياة المخطوفين ثانوية بالنسبة إليه، والأكثر أهمية هو البقاء في منصبه، بجانب المحافظة على علاقات جيدة مع دونالد ترامب الذي يمكن أن يعود إلى البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى