أقلام وأراء

أنطـوان شلحـت يكتب ما هي أبرز المخاوف الإسرائيلية من سياسة إدارة بايدن؟

أنطـوان شلحـت *-  19/4/2021

يبدو بعد انتهاء الأيام المئة الأولى من ولاية الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، كما يُمكن أن يُستشف من جل التحليلات الإسرائيلية في هذا الشأن، أن إسرائيل قلقة أكثر شيء من احتمال عودة إدارته إلى إرث الرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان بايدن نائبه، ولا سيما فيما يتعلق بالملفين الإيراني والفلسطيني. وإلى أن ينقشع الضباب عن الصورة الواضحة لتفاصيل هذه العودة، في حال حدوثها، نعيد التذكير بأن أكثر ما سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نحوه فور تسلم الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب مهمات منصبها هو محاولة تخليصها من ذلك الإرث في أكثر من مجال على مستوى السياسة الخارجية التي انتهجتها الولايات المتحدة وكانت ذات صلة بإسرائيل.

وهذا ما كان بالوسع التأكد منه، لمساً ورؤية، عن طريق الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى الولايات المتحدة في مستهل ولاية ترامب، في أواسط شباط 2017، وعقد خلالها اجتماعاً مع الرئيس الأميركي وقادة الكونغرس.

فقبل هذه الزيارة توقعت عدة تحليلات بأن تتميّز العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة خلال ولاية ترامب بانسجام أيديولوجي إلى جانب الانسجام السياسي، وخصوصاً فيما يتعلق بتقييم النظامين الإقليمي والدولي.

ومن ناحية الرؤية الأيديولوجية، جرى التنويه بأن نتنياهو وترامب يتبنيان مواقف معادية للأقليات والمهاجرين والمسلمين. وبالنسبة إلى إسرائيل تكمن أهمية عداء ترامب للمسلمين في تجاوز التباين الذي كان قائماً بينها وبين الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما إزاء هذا الموضوع. وقد اعتبرت إسرائيل أن امتناع أوباما خلال ولايته الرئاسية عن وصف العمليات الإرهابية في الغرب بأنها “إرهاب إسلامي”، إنمّا يعبّر عن موقف مهادن من طرفه حيال الثقافة الإسلامية، بينما كان نتنياهو يُكثر من استعمال هذا المصطلح ويُنظّر للعالم حول “الخطر الإسلامي”. كما أن معارضة أوباما استعمال هذا المصطلح أو النطق به خلال خطاباته، وتأكيده في كل خطاب يتناول فيه هذه المسألة الفرق بين الإسلام وجماعات إرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” مبرراً خطورة استعمال هذا المصطلح، دفعت عناصر من اليمين الإسرائيلي إلى اتهامه بالضعف من جهة، وإلى وصفه بأنه لا يزال مسلماً من جهة ثانية، وإلى اتهامه بأنه معادٍ للسامية من جهة ثالثة. في المقابل فإن ترامب منذ توليه الحكم وقبل ذلك يكثر من استعمال مصطلح “الإرهاب الإسلامي” أو “التطرّف الإسلامي”، وهو ما ينسجم مع توجهات نتنياهو في ربط الإرهاب بالإسلام، ومن ثمّ ربط الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بقضية “الإرهاب الإسلامي”، وهي استراتيجية تبناها نتنياهو منذ أعوام، وخصوصاً بعد صعود ظاهرة “داعش” وعملياته الإرهابية في أوروبا.

وبدا واضحاً في ذلك الوقت أن أول لقاء عمل بين نتنياهو وترامب أفضى إلى إحداث قطيعة بين سياسة إسرائيل بحكومتها اليمينية وسياسة الإدارة الأميركية السابقة برئاسة أوباما.

وهذا الأمر برز بشكل خاص في الموضوعات التالية:

أولاً، القضية الفلسطينية: أفلح نتنياهو خلال تلك الزيارة في تحقيق انسحاب أميركي ولو تصريحي من التزام واشنطن إزاء حل الدولتين. وقد تبنى ترامب مقولة نتنياهو أن على الطرفين التوصل إلى الاتفاق أولاً، وهذا يعني التخلّي عن مرحلة تدويل الحل، ويعبّر عن انسجام مع توجه نتنياهو بأن أي حل يجب أن يكون ضمن اتفاق الطرفين عليه، وليس فرضه على إسرائيل. كما تعهد ترامب بأن الحل الذي يتوصل إليه الطرفان هو المقبول عليه، وهذا شكل انسحاباً من التزام إدارة أوباما بحل الدولتين.

ثانياً، المستوطنات: اعتبر ترامب أن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 ليست عائقاً أمام السلام، وبالرغم من أنه طالب نتنياهو بـ”التريث في البناء الاستيطاني وإقامة مستوطنات جديدة”، فإن إدارة ترامب لن تكون مثابرة في رصد الخروقات الإسرائيلية حول المستوطنات والتنديد بإسرائيل من جراء ذلك. ومن ناحية المبدأ فإن عدم اعتبار المستوطنات عائقاً أمام السلام يقف في صلب مقاربة نتنياهو خلال الأعوام الأخيرة في إثر ازدياد النقد الدولي للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وهذا ما حدا بصحيفة “يسرائيل هيوم” المقربة من نتنياهو إلى توصيف العلاقات بين البلدين في عهد ترامب بأنها تدل على “روح جديدة”. كما وصف عدد من الوزراء تصريحات ترامب بأنها تعبر عن عهد جديد، وأشاروا إلى أن جميع الإدارات الأميركية السابقة أيدت حل الدولتين. وأشير في هذا الخصوص إلى أن بيان البيت الأبيض برئاسة ترامب حول إعلان إسرائيل نيتها بناء آلاف الوحدات الاستيطانية بعد إخلاء بؤرة “عمونه” يوضح الفرق بين الإدارتين، حيث جاء في بيان إدارة ترامب: “إننا نعتقد أن المستوطنات لا تشكل عائقاً أمام السلام، غير أن بناء مستوطنات جديدة أو توسيعها خارج حدودها الحالية قد لا يساعد على تحقيق الهدف (السلام)”!

ثالثاً، المؤتمر الإقليمي: تبنى ترامب فكرة نتنياهو حول المقاربة الإقليمية لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، حيث أبدى اتفاقه مع نتنياهو على أهمية تعزيز البيئة الإقليمية لإسرائيل وعلاقاتها مع الدول العربية أولاً ويتم تتويج ذلك بمؤتمر إقليمي، يكون من بين اهتماماته التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية.

رابعاً، الملف النووي الإيراني: تبنى ترامب كذلك توجهات نتنياهو بشأن الملف النووي الإيراني، معتبرا إياه خطراً على الأمن الإسرائيلي، ومؤكداً أن الاتفاق مع طهران كان سيئاً. ومع أن ترامب كان تفوّه بهذا الموقف خلال الحملة الانتخابية، إلا إن تصريحه بهذا الشأن وهو رئيس الولايات المتحدة جاء يحمل جوهراً مختلفاً. واستطاع نتنياهو أن يحصل من ترامب على موقف يؤيد تشديد العقوبات على إيران، وهو الموقف الإسرائيلي من المشروع النووي الإيراني، حيث أكدت إسرائيل أن الاتفاق أجهض الإنجازات التي حققتها العقوبات على إيران في الأعوام السابقة. وأعرب نتنياهو عن اعتقاده بأنه يمكن له أن يقنع البيت الأبيض بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، كما يعتقد أن هناك انسجاماً في تصوّر الخطر الإيراني، على عكس إدارة أوباما، خصوصاً وأن البيت الأبيض ردّ بشكل صريح على تجربة إطلاق الصاروخ البالستي الإيراني بشكل يروق لتصورات نتنياهو، حيث اعتبر أن إيران أمست “منذ الآن تحت الإنذار بشكل رسمي”!

يُشار هنا إلى أن نتنياهو نفسه أجمل زيارته هذه إلى واشنطن بالقول إنها كانت “تاريخية”. وأضاف أمام اجتماع الحكومة الإسرائيلية: “إن التحالف بين البلدين كان دائماً متيناً، ولكنني قلت هناك وأقول لكم أيضاً هنا، إن هذا التحالف تعزز أكثر فأكثر لسببين: أولاً، هناك علاقات شخصية طويلة تربط بيني وبين الرئيس ترامب وهي مهمة؛ ثانياً، وجود رؤية مشتركة حول المخاطر والفرص في الشرق الأوسط. فنحن متفقان حول التهديد الرئيس والمتزايد الذي تشكله إيران وضرورة التصدي للعدوان الإيراني على الصُعد المختلفة، وكذلك على إمكان القيام بمحاولة لترسيخ المصالح الإقليمية الآخذة بالتبلور بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول في المنطقة أيضاً من أجل صدّ إيران وكذلك من أجل تطوير فرص أخرى وتحقيق علاقات طبيعية. وفي نهاية المطاف نأمل أن يؤدي هذا أيضاً إلى تحقيق السلام. إن هذا التغيير الجذري رافق جميع مباحثاتنا كما أنه يشكل القاعدة للتفاهمات بيننا”.

لا بُدّ من لفت النظر في الختام إلى أن كل ما تقدّم سبق بعدة أعوام إعلان خطة السلام الأميركية المعروفة باسم “صفقة القرن”، كما أنه سبق جميع الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب ضد الفلسطينيين والانحياز لا بل التماهي تماماً مع اليمين المتطرف في إسرائيل، بدءاً من الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، مروراً بإغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وانتهاء بوقف الدعم لمنظمة “الأونروا” واعتبار أن المستوطنات الإسرائيلية الكولونيالية في الأراضي المحتلة منذ 1967 لا تخالف القانون الدولي. كما أنه سبق قيام الولايات المتحدة في العام 2018 بالانسحاب من الاتفاق النووي الدولي المُبرم مع إيران العام 2015 وفرض عقوبات شديدة على هذه الأخيرة لم تُرفع حتى الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى