أقلام وأراء

أمير مخول يكتب – ليس بالشراكة في الحكم نكسب بل بالنضالات

أمير مخول  *- 5/6/2021

لا مفاجأة في المشهد، ربما تكون المفاجأة الوحيدة هي نجاح يائير لبيد في تشكيل الائتلاف الذي ليس مضمونا له بعد أن يحكم، وهذا ما ستوضحه الأسابيع القريبة. أما في ما يتعلق بالقائمة الموحدة والحركة الإسلامية الجنوبية، فلا جديد، بل أن انضمامها كشريك إلى ائتلاف لبيد وبينيت وساعر والعمل وميرتس، هو ترجمة دقيقة لنتائج الانتخابات الأخيرة، وبالأصح ترجمة دقيقة لنهجها بالتقارب من سُدة الحكم، والذي قضى بالخروج من القائمة المشتركة، وكذلك ترجمة لبرنامجها السياسي الاجتماعي.

ما كان يبدو في البداية أنه سيطرة الفرد المتمثلة بنجومية منصور عباس الإعلامية، والتي يبقى للمؤسسة الإعلامية السياسية الإسرائيلية حصة كبيرة في الترويج له ودعمه بشكل فظ، يتبيّن اليوم أنه نهج متكامل وموقف حركة بكل مؤسساتها، سواء مكتبها السياسي أو مجلس الشورى. وبنظرة أخرى يعود إلى طبيعتها السياسية النفعية (البراغماتية).

عليه، فإن النداءات المنتقدة وكأنّ الحركة قد غرّرت بجمهور مؤيديها وغدرت بهم، هي ليست في مكانها، لأن الحركة لم تقل غير ما تقوم به، ولم تترجم إلا نهجها، ولم تترجم أيضا سوى مسببات انشقاقها عن المشتركة. لذلك فإن خطاب “الإعابة” لا ينطبق على انضمامها إلى الائتلاف، بل ما ينبغي أن يشغلنا هو خطورة موقف الموحدة والجنوبية على مجمل العمل الوطني وعلى كيفية التعامل مع حقوقنا هنا في الداخل وحقوق شعبنا الفلسطيني كله والتي هي حقوقنا المباشرة. وخطورة النهج تكمن في فك الارتباط مع أدوات شعبنا التاريخية وهي النضال والانتقال إلى الشراكة الموهومة في الحكم الإسرائيلي وعلى هامش عنصريته الاستعمارية.

فرق شاسع بين تعاون أو شراكات في إطار منظمة طلابية أو نقابة عمالية أو لجنة موظفين، وبين شراكة في إدارة الدولة. فالدولة أم السياسات المتراكمة والقوانين وأجهزة القهر والقوة، وسياساتها منبثقة عن جوهرها. وفي حالتنا جوهرها الصهيوني العدواني الإقصائي الاستعماري الاستيطاني العنصري، وهي الدولة التي لم تكن لتقوم إلا على نكبتنا نحن الشعب الفلسطيني، وعلى مصادرة كل الثروة للشعب وأملاكه، وعلى مصادرة الأرض والتهويد، وماذا لا. وهنا يجدر التنويه للخطاب القائل وكأن كل ويلاتنا الحالية هي نتاج قانون القومية. باعتقادي أن قانون القومية هو نتاج طابع إسرائيل المذكور وليس مسببه بتاتا. فالواقع أكثر عنصرية واستيطانا واستعمارا وإقصاء من قانون القومية، بل أن كل ما تحقق تاريخيا من إنجازات كان فقط وبالمطلق نتاج ما قامت به جماهير شعبنا من نضالات في طريقها الكفاحي. ليس بالشراكات بل بالنضالات، وليس بالمنفعة المحلية هنا على حساب حقوق شعبنا بل بحمل المسؤولية عن مجمل حقوق شعبنا.

التحدي الحقيقي اليوم هو ليس أمام الموحدة، فهي متصالحة مع ذاتها ومع نهجها، وإنما هو في التنظيمات السياسية البرلمانية وغير البرلمانية والتي تشكل التيار الوطني المستهدف، والذي يجري السعي لإحكام الطوق عليه سواء من أذرع الدولة وأدواتها في هندسة القهر والسياسات، أو من القوىالإقليمية المتصالحة مع إسرائيل والتي تدفع بنا وبكل شعبنا بهذا الاتجاه، أو من خلال التحولات الاجتماعية والمساعي المتواصلة لإحداث انقلاب في النخب وفي صدارة المشهد السياسي والخطاب السياسي، وهذه انعكست في عدة أحداث ومحطات مفصلية في العقد الأخير، بدءًا بالتحول في انتخابات بلدية الناصرة 2013 وبلوغًا إلى انتخابات الكنيست 2021. ومن المؤكد أن جذور هذه التحولات أعمق وتعود لمراحل سبقت، لكن لن أتطرق إلى ذلك في هذا السياق.

في المقابل، تجري تحولات قمعية تلقي بظلالها على المشهد الحالي بقوة، ومن أبرزها الحظر الإسرائيلي للحركة الإسلامية وملاحقة قياداتها (الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال خطيب)، والسعي لتدمير بنيتها المادية وحضورها المعنوي، مقابل تشجيع غير مسبوق لنهج “الاعتدال” والترويج له، لدرجة وجد هذا الأمر تعبيرا عنه حتى في خطابات الحرب من نتنياهو وغانتس خلال العدوان على غزة وعلى شعبنا.

أحد أوجه أزمة الحركة الوطنية بمختلف مركباتها، وللأسف، هو قراءتها المترددة للواقع كما هو وللتحديات الجوهرية التي تهدد حضورها وموقعها، وبالذات لأن مركبا أساسيا في موقعها المتأصّل بين الناس هو المركب الأخلاقي السياسي، وبالذات البعد النضالي والموقف من أولوية قضايانا كجماهير وكشعب. وتتعمق هذه الأزمة حين تترجم القائمة الموحدة حملتها الانتخابية ونتائج الانتخابات من دون تردد، ورغم خطورة وإسقاطات نهجها في حين ترى الموحدة غير ذلك، فيما لم تستكمل أطراف المشتركة بعد قراءة نتائج الانتخابات ذاتها (على صعيد الأحزاب التي تخوض الانتخابات البرلمانية)، ولا يبدو أن العبر قد ذُوِّتت. وربما كان في بيان المكتبين السياسيين للجبهة والحزب الشيوعي بمعارضة الائتلاف المذكور، بداية التخلص من “خطاب التأثير”، لكن الخوف هو في تسلّل موقف انتهازي مستقبلي تحت مسوغات الموقف المذكور، والقائل إن معارضة الائتلاف الحاكم المذكور من الممكن أن يتيح تأييد ائتلاف حاكم إسرائيلي آخر، وهذا يعيدنا إلى مسألة المركب الأخلاقي في السياسة.

إن دخول حزب عربي في ائتلاف حكومي هو سابقة ستؤثر على مجمل التنظيم السياسي والثقافة السياسية في الداخل، وهذا من شأنه أن يطرح السؤال والتساؤل هل يستطيع حزب عربي أن يكون شريكا في الائتلاف الحكومي وفي الوقت نفسه عضوا في لجنة المتابعة العليا، والتي يتمحور كل دورها في مواجهة حكومات إسرائيل وسياساتها؟

والأخطر من الجانب المؤسساتي والتنظيمي المرجعي هنا، هو أن نهج التصالح النفعي لا يتوقف عند حد، وليس ملكا لأحد أو لطرف، بل قد يفسد السياسة حين يلغي أي بُعد أخلاقي منها.

لست ممن يؤمنون بنهايات المطاف، ويكفي أن ننظر إلى الهبة الشعبية العظيمة وإلى الحراكات الشبابية واللجان الشعبية، وهبّة الناس في الدفاع عن الذات وعن الشيخ جراح والأقصى وغزة واللد وكل الوطن والشعب، والتي كنست كل أشكال الإحباط وولّدت الأمل. ورغم ما ذكرت عن التحديات، فهناك بوادر لسعي الأحزاب والحركات الوطنية إلى تعزيز دورها وحضورها وخطابها. كما وشكّل إضراب 18 أيار/ مايو الماضي والذي دعت إليه لجنة المتابعة علامة فارقة ولافتة في تاريخ النضال الفلسطيني الوحدوي. وما العدوان الإسرائيلي الرسمي والمعلن على جماهير شعبنا وحملة الترهيب للأجيال الناشئة، إلا تأكيدا على جوهر إسرائيل، وفي المقابل على طينة شعبنا.

ليس تحديا سهلا ما تفرضه القائمة الموحدة، لكن ليس بالضرورة أن يكتب له النجاح والتجذّر، ويكفي تقلب مزاج عضو كنيست مستوطن عنصري ليقلب المعادلة ويعيد الجميع إلى الخانة الأهم. لم نحقق شيئا ولن ننجز شيئا إلا بقدر ما نناضل من أجله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى