ترجمات أجنبية

أمريكان كونسرفاتيف- جورجيو كافييرو- رغم ضغوط أمريكا.. لماذا لا تنوي قطر التطبيع مع (إسرائيل)؟

أمريكان كونسرفاتيف –  جورجيو كافييرو  –   8/9/2020

 مثل اتفاق التطبيع بين الإمارات و(إسرائيل) في 13 أغسطس/آب، التي توسطت فيها الولايات المتحدة، نقطة تحول في تاريخ العلاقات بين الدولة العبرية والخليج.

ومنذ إعلان الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، كان العديد من الخبراء يتناقشون حول من العضو التالي في مجلس التعاون الخليجي الذي من المحتمل أن يتبع خطى أبوظبي. وربما تكون قطر هي أكثر هؤلاء الأعضاء إثارة للاهتمام.

ورغم إمكانية ذلك، من المحتمل ألا تطبع الدوحة العلاقات مع (تل أبيب) في أي وقت قريب بسبب عوامل متعددة.

وتشمل هذه العوامل المواقف الجيوسياسية الخاصة لدولة قطر في الشرق الأوسط، ومدى تأثير “القوة الناعمة”، والمواضيع المتعلقة بالحقوق والكرامة والعدالة.

ومع ذلك، من المحتمل أن تواصل قطر التعامل مع (إسرائيل) بشكل عملي حتى لو كان إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات أمرا غير مرجح.

قطر.. لغز منطقة الخليج

ورغم محاصرتها من قبل جيرانها في شبه الجزيرة العربية منذ يونيو/حزيران 2017، أفلتت قطر من  النفوذ الجيوسياسي لجيرانها على مدى الأعوام الـ3 الماضية.

واليوم، لا تشعر الدوحة بأي التزام بالتوافق مع أجندات السياسة الخارجية للرياض أو أبوظبي كما فعلت في حقبة ما قبل الحصار.

لذلك، قطر، بخلاف البحرين، لا تتعرض لضغوط سياسية أو اقتصادية لتحذو حذو الإمارات في تطبيع العلاقات مع (إسرائيل). وبدلا من ذلك، ستتعامل قطر مع (إسرائيل) وفلسطين بطرق تلبي مصالحها الفريدة.

وكدولة صغيرة جغرافيا ذات جيش صغير، يرتبط النفوذ القطري ارتباطا وثيقا بـ”القوة الناعمة”، التي ترتبط في حالة الدوحة إلى حد كبير بالروايات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وقضايا القومية العربية مثل النضال الفلسطيني.

ويستخدم المسؤولون القطريون بشكل متكرر المنتديات الدولية للتحدث نيابة عن الفلسطينيين. ويؤكد باحث الدكتوراه في جامعة أكسفورد “صامويل راماني” أن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يمكن أن “يصقل القوة الناعمة لقطر كمدافع عن الحقوق الفلسطينية”.

علاوة على ذلك، منذ أن أعلن “ترامب” عن الاتفاق في 13 أغسطس/آب، ركزت وسائل الإعلام المملوكة لقطر، مثل قناة الجزيرة، بشكل كبير على المنظور الفلسطيني للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي؛ حيث ظهر العديد من الضيوف الذين أدانوا بشدة وانتقدوا “اتفاق السلام” أثناء بث صور لفلسطينيين غاضبين يظهرون غضبهم تجاه الإمارات.

ووفقا للباحثة في مركز لندن للشرق الأوسط، الدكتورة “كورتني فرير”، فإن علاقة قطر مع “حماس”، التي استضافتها الدوحة لأعوام، ستجعل من الصعب على قطر أن تتحول وتقبل بشكل أساسي علاقة طبيعية مع (إسرائيل) في ظل حكم رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”.

وأضافت: “سيفقد القطريون الكثير من المصداقية مع الجماهير العربية في كل مكان إذا قاموا على الفور بتطبيع العلاقات مع (إسرائيل) بعد ما فعله الإماراتيون؛ لذلك لن أتوقع أي تغيير كبير في السياسة القطرية قريبا”.

تأثير واشنطن

ولا مفر من عامل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”. فمنذ اندلاع أزمة الخليج منتصف عام 2017، عقد المسؤولون القطريون العزم على البقاء على علاقة جيدة مع “ترامب”، الذي لا يمكن التنبؤ به.

وافترض مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، الدكتور “محجوب الزويري”، أن “المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية قد تضيف بعض الضغط السياسي على قطر في ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، خاصة إذا بقي ترامب في البيت الأبيض”.

ولا يمكن إنكار أن الدوحة قلقة بشأن الكيفية التي يمكن أن تساعد بها اتفاقية التطبيع في جعل أبوظبي الشريك المفضل للبيت الأبيض في الخليج، خاصة إذا كانت الإمارات العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لديه علاقة ثنائية رسمية مع (تل أبيب).

وفي 31 أغسطس/آب، قاد مستشار “ترامب” وصهره، “جاريد كوشنر”، وفدين أمريكيا وإسرائيليا، طاروا من (تل أبيب) إلى أبوظبي على متن أول طائرة تجارية إسرائيلية تقوم بتلك الرحلة.

وكان الغرض من هذه الوفود القادمة إلى الإمارات هو تعزيز الاتفاق في سلسلة من المحادثات مع المسؤولين الإماراتيين. وبعد مغادرة الإمارات، زار “كوشنر” دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بما في ذلك قطر.

وأثناء وجوده في الدوحة في 4 سبتمبر/أيلول، التقى “كوشنر” أمير قطر “تميم بن حمد”. ورغم حث “كوشنر” قطر وجميع الدول العربية الأخرى على تطبيع علاقاتها مع (تل أبيب)، أكد أمير قطر التزام الدوحة بحل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) وفقا لـ”مبادرة السلام العربية” لعام 2002، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي لا حصر لها.

ببساطة، شدد الأمير “تميم” على أن قطر لن تضفي الطابع الرسمي على علاقتها مع (إسرائيل) ما لم وإلى حين إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

ورغم تعرض قطر لضغوط في أعقاب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، يبدو من غير المرجح أن يدفع نفوذ واشنطن الدوحة إلى إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الدبلوماسية مع (تل أبيب)، على الأقل في أي وقت قريب، وفقا لمراقب مطلع في الدوحة بسبب أنه “أولا، هناك شعور قوي للغاية ضد التطبيع الكامل على المستويين الشعبي والنخبي. ثانيا، لا يحتاج القطريون إلى ذلك؛ لأن لديهم سجلا جيدا بما يكفي من التعاون البراجماتي مع (إسرائيل)”.

ويقودنا هذا إلى حقيقة أنه بالرغم من عدم وجود سفارة إسرائيلية في الدوحة، ولا سفارة قطرية في (تل أبيب)، إلا أن هناك علاقة قطرية إسرائيلية قوية.

•علاقة قطر غير الرسمية بـ(إسرائيل)

وفي التسعينيات، اتخذت قطر ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى خطوات لإقامة علاقات دبلوماسية غير رسمية مع (تل أبيب).

وعندما تولى “حمد بن خليفة بن حمد” زمام القيادة عام 1995، بدأت قطر حقبة جديدة حددها التحرر والتغييرات في سياستها الخارجية التي شملت استكشاف الحوار مع (إسرائيل).

وبعد وصول الأمير “حمد” إلى العرش، أطلقت قطر قناة الجزيرة. وكسرت هذه الشبكة تقريبا كل القواعد التقليدية في المشهد الإعلامي في العالم العربي.

وكانت استضافة الجزيرة لمسؤولين حكوميين إسرائيليين في برامجها أحد الأمثلة العديدة للطرق التي كانت فيها هذه القناة الفضائية تكسر الكثير من المحرمات.

وأيضا، في عام 1996، سمح القطريون لـ(إسرائيل) بفتح مكتب تمثيل تجاري في عاصمتهم. لكن المسؤولين في الدوحة ردوا على الانتفاضة الثانية عام 2000 بإغلاق هذا المكتب، وهي خطوة قامت بها قطر تحت ضغط من ليبيا وإيران والسعودية.

ومع ذلك، تمكنت (إسرائيل) من الحفاظ على “وجود رمزي” من خلال هذه البعثة في قطر حتى عام 2009، قبل أن تغلقها الحكومة القطرية بشكل دائم لإظهار دعمها للفلسطينيين وسط عملية “الرصاص المصبوب”، التي أسفرت عن مقتل 1400 فلسطيني، من بينهم 300 طفل.

ومع ذلك، فإن الإغلاق الدائم للمكتب التجاري لا يعني نهاية ارتباط قطر بـ(إسرائيل). وبعد 4 أعوام من الهجوم الإسرائيلي الذي استمر 22 يوما على غزة، أرسلت (إسرائيل) وفدا إلى قطر لمناقشة اهتمام الدولة الخليجية المحتمل بالاستثمار في صناعة التكنولوجيا الفائقة في (إسرائيل).

وفي عام 2019، فاز رياضي إسرائيلي بميدالية ذهبية في بطولة كأس العالم للجمباز الفني التاسعة التي استضافتها الدوحة. واحتل عزف النشيد الوطني الإسرائيلي ورفع العلم الإسرائيلي عناوين كثيرة في الصحف الدولية؛ ما دفع العديد من المحللين إلى الإشارة إليه على أنه علامة أخرى على تحسن العلاقات بين (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي. لكن هذا أدى إلى غضب العديد من القطريين والعرب الآخرين والتعبير عن سخطهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

يمكن القول إن أهم جانب من جوانب العلاقة القطرية الإسرائيلية على مر السنين كان المساعدة الإنسانية التي قدمتها الدوحة لغزة، التي قام بها القطريون بالتنسيق مع (إسرائيل).

في الوقت نفسه، تلعب قطر دور الجسر بين (إسرائيل) وحماس، وكذلك بين واشنطن وحماس. وهكذا، بالرغم من عدم قيام الدولة الخليجية بإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الدبلوماسية مع (إسرائيل)، وإدانة السياسيين الإسرائيليين بشدة أحيانا لقطر لعلاقتها بحماس، فإن (تل أبيب) تقدر علاقتها البراجماتية مع الدوحة.

ولم ينحز (نتنياهو) علنا إلى الدول المحاصرة لقطر بعد اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي منتصف عام 2017، وهو ما يشهد على هذه النقطة.

وفي الشهر الماضي، أجرى رئيس الموساد “يوسي كوهين” اتصالات مع مسؤولين رفيعي المستوى في الدوحة لإجراء مناقشات حول تصاعد التوترات في غزة بين (إسرائيل) وحماس.

وفي 25 أغسطس/آب، دخل المبعوث القطري “محمد العمادي” غزة مع وفد لإجراء مناقشات مع حماس؛بهدف وقف تصعيد العنف بين الجماعة الإسلامية و(تل أبيب).

وبعد 6 أيام، توصلت حماس و(إسرائيل) إلى اتفاق بوساطة قطرية لمنع تصعيد العنف. وردا على ذلك، أعرب رئيس (إسرائيل) “رؤوفين ريفلين” عن امتنانه لـ”العمادي” في تغريدة أشار فيها إلى “جهود مكثفة للدبلوماسي القطري لوقف التصعيد وتهدئة الوضع”.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن هذا السؤال حول تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية سيشكل معضلة لقطر، وهي مشكلة يجب على الدوحة معالجتها بحذر.

ومن المحتمل أن تضطر الدوحة إلى الموازنة بين التزامها بمبادرة المبادئ التوجيهية والقضايا العربية من جهة والضغوط القادمة من الولايات المتحدة من جهة أخرى.

وتوجد احتمالات جيدة أن تتبنى قطر ودول مجلس التعاون الخليجي نوعا ما “نهج الانتظار والترقب” للهروب من النكسات العكسية المحتملة لقرار أبوظبي.

ومع ذلك، مع السياسة الخارجية الفريدة لقطر، سيقيم المسؤولون في الدوحة خيار إقامة علاقات كاملة مع (إسرائيل) بطرق تختلف اختلافا جوهريا عن الطريقة التي اتبعتها قيادة الإمارات.

ولا شك في أنه إذا قامت الدوحة في يوم من الأيام بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع (تل أبيب)، فسيكون ذلك بطريقة قطرية وليس إماراتية.

وحتى تلك اللحظة من العلاقات الرسمية بين قطر و(إسرائيل)، وهي ليست حتمية بأي حال من الأحوال، ستستمر الدوحة في محاولة تحسين الوضع في غزة.

وسيتطلب القيام بذلك عملا شاقا، وليس بالضرورة احتفالات براقة، مثل تلك التي تلت الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.

ومع ذلك، ستزيد هذه الجهود من “القوة الناعمة” لقطر في المنطقة وتضفي مزيدا من الطابع المؤسسي على دور الدوحة كجسر دبلوماسي في الشرق الأوسط الذي يمزقه الصراع، وذلك لصالح الفلسطينيين والإسرائيليين معا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى