ألون بن دافيد / قبل الانقضاض على مستودع البالونات في غزة
معاريف الأسبوع – بقلم ألون بن دافيد – 24/6/2018
قبل أن نزحف بمرح نحو أتون حرب الطائرات الورقية الأولى بلحظة، يجب أن نتوقف هنيهة، وأن نفكر كيف وصلنا إلى ما نحن فيه، وهل ذلك ممكن بالفعل؟
إنجازات “الجرف الصامد” العسكرية، التي جلبت ثلاث سنوات ونصف من الهدوء في غلاف غزة، ضُيعت من قبل الحكومة بعدم قيامها بأي فعل سياسي، والآن نعيش ذروة ديناميكا تقودنا إلى المواجهة. إذًا، وقبل أن نقصر حياة عشرات الرجال ممّن سنرسلهم للانقضاض على مستودعات البالونات في غزة، من أجلهم ومن أجل عشرات العائلات التي سيصيب الدمار عالمهم؛ واجب علينا أن نتفحص فيما إذا كان هناك خيار آخر.
وزير الأمن لا يخفي رأيه بأن المواجهة في غزة الآن هي أمر ضروري، “لا مناص” يقول في المحادثات المغلقة، “كل بضع سنوات لابدّ من توجيه ضربة لحماس لكي لا ترفع رأسها”. المزيد من أعضاء الكابينت ينضمون إليه، وكل صباح يحاولون أن يستعرضوا رجولتهم عندما يعلنون “حكم الطائرات الورقية مثل حكم الصواريخ”، وهكذا، ليس حقيقيًا أن الحرائق في غلاف غزة ليست مفزعة، فالقلب ينفطر لرؤية الحقول سوداء. لكن الطائرات الورقية لا تقتل، بينما الصواريخ تقتل، من يوصي بقتل مطلقي الطائرات الورقية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أنه ستأتي الصواريخ بدلًا منها، وأنها ستتسبب بالقتل في جانبنا أيضًا.
حرب “الجرف الصامد”، ورغم إدارتها الفاشلة؛ جاءتنا بـ 42 شهرًا من الهدوء في غلاف غزة، حماس التي تلقت ضربة شديدة، توقفت عن إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل، بل وعملت بإصرار على منع إطلاق التنظيمات الأخرى. هذا الوقت سمح لسكان غلاف غزة بالازدهار: آلاف الإسرائيليين صوتوا بأقدامهم واشتروا شققًا على امتداد البلدات هناك، والأولاد من دون صدمة كبروا دون أن يتبولوا في فراشهم.
لكن أيّ إنجاز عسكري يُعتبر بلا معنى في غياب فعل سياسي يأتي بعده، نؤمن بالنظرية الامنية التي صاغها دافيد بن غوريون، والتي تقول بأن دور الجيش هو إبعاد جولات القتال القادمة، الجيش الإسرائيلي حافظ على سياسة منضبطة بشأن القطاع، وحاول أن يطرح أمام المستوى السياسي الحاجة إلى اتفاق ما، يمنح أملًا لسكان القطاع؛ لكن هذه المحاولة لاقت آذانًا صماء.
عشرات مناقشات الكابينت التي تناولت موضوع غزة لم تحاول حتى صياغة ماهية السياسة الإسرائيلية أمام القطاع، عدا عن الإدارة المستمرة للصراع. مقترحات الترتيب التي قدمها الجيش الإسرائيلي والمنظمات الاستخبارية، وكذلك بعض وزراء الكابينت؛ رفضت جميعها بشكل قطعي، رئيس الحكومة ووزير الأمن لجما أيّ نقاش لرؤية مستقبلية لعلاقات إسرائيل مع الكيان المجاور الذي يحتوي على مليوني إنسان.
الجيش الإسرائيلي ومنسق أعمال الحكومة عرضوا مرارًا معطيات الضائقة المتفاقمة في غزة، لكن قيادتنا لم تبدِ أي انطباع. ربما اعتقدت بأننا إذا منعنا الرزق عن مليوني نسمة ومنعنا عنهم الماء والكهرباء وحق التحرك؛ فلن يكون أمامهم خيار إلا ان يعتمدوا في نهاية المطاف الرؤية الصهيونية، وعندها بدأنا نتعاون مع أبي مازن، الذي كل ما يريده هو التنمر على سكان القطاع، ومشاهدتنا نحن وحماس ننزف في مواجهة أخرى، قلصنا الكهرباء حسب طلبه لكي لا يتمكنوا من الاستحمام بالماء الساخن في الشتاء ولكي لا تكون لديهم ثلاجات يحفظوا فيها الحاجيات في الصيف، وفي ذروة شهر رمضان قرر أن يدفع فقط نصف الرواتب لـ 78 ألف موظف للسلطة في غزة، تخيلوا ماذا كان ليحدث لو أن موظفي الدولة لدينا تلقوا نصف راتب عشية رأس السنة! لكن حكومتنا الوطنية المتفاخرة الفائزة لا تفوّت فرصة للتشهير بأبي مازن، و”بحق” تحولت لتصبح متعاونة معه.
حماس – التي يئست من تجاهل إسرائيل لتوجهها نحو وقف إطلاق النار – توجهت إلى المظاهرات على امتداد السياج، ولأنها لم تنجح؛ اكشفت مفعول الطائرات الورقية التدميري، التي تعتبرها سلاحًا شرعيًا، ليس فتاكًا. قيادة حماس التي أثبتت أنها براغماتية في السنوات الأخيرة؛ ما تزال غير مستعجلة لمواجهة مع إسرائيل، لكن في ضائقتها فإنها مستعدة للمخاطرة.
التوجيهات السياسية للجيش الإسرائيلي كانت تصعيد الردود على الطائرات الورقية؛ بداية بإطلاق نار تحذيري بالقرب من الخلايا، وبعدها مهاجمة سيارات مطلقي الطائرات الورقية، وبدءًا من هذا الأسبوع بمهاجمة بنية حماس. من الجانب الآخر، حماس أيضًا غيّرت المعادلة، ومنذ الآن فهي تنوي الرد بإطلاق الصواريخ على أي هجوم إسرائيلي، وها نحن ذا نسير في الطريق المضمون إلى المواجهة، وبضع ليال أخرى مثل نيران ليلة الثلاثاء وسنجد أنفسنا في حرب جديدة مع غزة، ليس هناك سبب لخوف من حياة غزة البائسة: فهم لن يهزمونا ولن يحتلونا، وأيّ مواجهة ستؤلمهم أكثر، لكن ما الذي سنجنيه من مواجهة كهذه؟ المواجهة القادمة أيضًا مهما كانت موفقة ستعيدنا على الأكثر إلى النقطة التي كنا عندها في شهر مارس الأخير.
حتى إذا اعتمدنا نهج ليبرمان القائل بأن المواجهة مع حماس ضرورية كل بضع سنوات؛ لا يفضل البدء فيه في المرحلة التي أتممنا فيها إقامة العائق تحت الأرضي؟ تعلم إسرائيل أنه ما يزال هناك عدد كبير من الأنفاق التي لم تكتشف بعد، وسيكون أكثر حكمة لو انتظرنا إلى أن يُحيّد هذا التهديد تمامًا، قبل ان نقفز إلى مواجهة أخرى في غزة.
تذكير من إيران
هذا كله يحدث في الوقت الذي فيه المعركة الإسرائيلية لإبعاد إيران من سوريا تبلغ لحظات الحسم. حسب مصادر أمريكية، عملت إسرائيل هذا الأسبوع بعيدًا من هنا على الحدود بين سوريا والعراق ضد تدشين مسار بري جديد لتهريب السلاح من إيران إلى لبنان وسوريا، سكان الشمال مستعدون لأن يحلفوا أنه كانت هناك هذا الأسبوع هجمات أخرى كبيرة لم يتم الإبلاغ عنها.
الرئيس بشار الأسد يوشك أن يبدأ هجومًا بهدف استعادة السيطرة على حوران والجولان السوري، في السنوات الأخيرة بُني تعاون رائع بين إسرائيل وبين سكان القرى في الجانب السوري من الجولان، عودة الأسد إلى الحدود لا تبشّر بالخير لكنها على ما يبدو ممكنة. على إسرائيل ان تضمن وعند الحاجة بالقوة أيضًا ان يعود الأسد لوحده دون مرافقين إيرانيين أو لبنانيين؛ هذه هي معركتنا الاستراتيجية، والاحتكاك في غزة يصرف الانتباه عنها لا أكثر.
الرجل الذي يقود التوسع الإيراني قاسم سليماني فقد في الأشهر الأخيرة من الائتمان الذي كان له في طهران، لم يعد يحظى بذلك التشجيع الذي كان لعملياته في سوريا واليمن والعراق ولبنان. لكن تلقينا هذا الأسبوع تذكارًا من إيران، بأن المخابرات الإيرانية لا تسكت عن إبقائه، صحيح انه حصل على جائزة المتطوع على صورة غونين سيغف، وما يزال تجنيد وزير سابق إنجازًا كبيرًا للمخابرات الإيرانية.
مؤشرات الاشتباه شرعت بالوصول قبل حوالي عام، يمكن القول بأنه فرض من حينها تعقب من قبل “الموساد” الإسرائيلي لنشاطات سيغف. منذ تدشين الملف؛ خرج لأسباب لم تنشر بعد إلى غينيا الاستوائية واعتقل، هناك ووجه للمرة الأولى بالشبهات واعترف على الفور قبل ان يصل إلى إسرائيل، حكاية إحضاره من غينيا إلى المعتقل في إسرائيل، ستروى فيما بعد.