أقلام وأراء

أكرم عطا الله : هل فكرنا جيداً قبل إحراق الإطارات؟

بقلم : أكرم عطا الله ٥-٤-٢٠١٨م
منذ أيام يشتد الجدل حول فكرة إشعال إطارات السيارات بالقرب من السياج الفاصل على الحدود الشرقية حيث الاحتجاجات المستمرة والتي أخذت تكتسب تعاطفا دوليا رسميا وشعبيا منذ اليوم الأول عندما استخدمت إسرائيل قوة في غاية الأفراط ضد مدنيين عزل يتظاهرون سلميا في منطقة تنعدم فيها شروط الحياة الإنسانية هؤلاء من اللاجئين الذين تم طردهم منذ سبعة عقود من أرضهم.
التعاطف أحدث شرخا على غير المتوقع في الداخل الإسرائيلي بعد أن اعتقدنا أن إسرائيل تم تنميطها على يد اليمين الذي احتل المشهد فيها خلال العقدين الماضيين وكانت تلك التباينات قد اختفت منذ الانتفاضة الثانية بعد أن سيطر الدم بقوة على المشهد ، قد لا يهم ذلك كثيرا الآن ولكنه يحسب في إطار صراع طويل وممتد على هذه الأرض.
الجدل يحتدم مترافقا مع أنشطة وفعاليات تقام على الحدود وفي استمرار الجدل بالاختلاف والاتفاق ما يثير الإعجاب لأنه يعكس اهتمام الرأي العام بالعمل الذي يقام ومسيرة العودة والمشاركة الشعبية في صناعة القرار ويعكس تكريس ثقافة الكفاح السلمي بين الجمهور الذي اختلف لسنوات حول الوسائل الممكنة واللازمة للصراع ضد إسرائيل ولأن غزة دفعت ثمن هذا الاختلاف بثلاثة حروب مدمرة ها هي تتفق على شكل مختلف.
الجدل الأبرز حول حرق الإطارات ولا أحد يعرف أن هذا يتم بمبادرات فردية أم قرار من اللجنة التنسيقية والمشرفين الذي يفترض بها أن تقرر الأشكال اللازمة للعمل وألا تترك الأمور بكل العفوية لأن العفوية مهما كانت قدرتها على الحسابات فإن المستوى القيادي والسياسي لديه حسابات أبعد تصل إلى قياس الصورة والتعاطف وحشر إسرائيل في أقصى زوايا العالم وشوارعه فالجمهور دائما على درجة من البراءة والعواطف وتلك لا تصلح دوما في حسابات السياسة العميقة .
جيل كامل فقد الأمل في غزة وأضحى بلا مستقبل شخصي أو وطني وتساوت أمامه الحياة بالموت ومن حق هذا الجيل أن يعبر عن نفسه كما يشاء وخصوصا أنه يرى أمامه جيلا لم يورثه سوى مجموعة أزمات ومآسي وهزائم من حقه أن يتمرد على الاحتلال وعلى الجيل الذي سبقه وعلى السياسيين الذين أوصلوه إلى هذا الدرك الأسفل من الحياة.
لا أحد يعرف فكرة الحرق هل هي منظمة أم عفوية لكنها بكل الظروف استحقت النقاش الذي انقسم بين مؤيدين ومعارضين ولكل منهم وجهته في الحديث وبعض المنطق ينقسم بين الطرفين لكن هذه تحتاج لحسابات أبعد كثيرا من العواطف صحيح أن الجميع غاضب على قتل الجنود الإسرائيليين للمتظاهرين وهذا القدر من الإصابات يريد أن يشعل النار على سبيل الانتقام أن يملأ الجو بالسواد وأن يعمي أبصار الجنود وأن يحدث أكبر قدر من الأضرار في كفاحه ضد إسرائيل وهذا ما ستفعله عملية حرق الإطارات غدا في الجمعة التي سميت جمعة حرق الكاوشوك ويجري الحديث عن إحراق عشرة آلاف إطار.
إسرائيل أرسلت لمنظمة الصحة العالمية لإبلاغها عما سيفعله الفلسطينيون من أضرار على البيئة وأعطت تعليمات لسكان المناطق المحاذية للحدود بإغلاق النوافذ والابواب والتقليل من الحركة وغير ذلك وقد تستمر النار مشتعلة لعشر ساعات ولكن الحقيقة فإن تأثيراتها بعد ذلك ستسمر اطول ففي المشهد ربما ما يسيء لصورة الفلسطيني الذي تحاول إسرائيل أن تصوره على أنه همجي وعنيف وشرس ولا يعرف إلا ممارسة العنف والتخريب ولا شك بان وسائل الإعلام ستنقل الصورة التي ستتمكن إسرائيل من استغلالها ضدنا بعكس لو تم تجمع هذه الإطارات وطلاؤها وجعل منها ما يشبه البيوت وخيام اللاجئين باللون الأبيض واستمرارها على الحدود وهي تصلح سواتر من الرصاص الذي يطلقه الإسرائيليون.
ربما ان الصورة العامة الفلسطينية ليست بتلك الأهمية في عالم يرى الاشياء من ثقب الجيبة وربما لا يهم كثيرا حجم الضرر الذي سيحدث داخل إسرائيل لكن الاهم في هذه الخطوة التي أتمنى ألا تحدث هو أن حرق الإطارات سيتم داخل الأراضي الفلسطينية أي في المنطقة الزراعية التي تعتبر السلسلة الغذائية لقطاع غزة فما تأثيرها على التربة التي سيتم الاحتراق فوقها وما تأثيرها أيضا على المياه الجوفية؟ وهل سنتمكن من الزراعة في الأرض المحروقة والسواد الذي يخلفه وأي أمراض ستنتج بفعل ذلك؟
صحيح أن غزة بحاجة إلى أن تصرخ وأن تعبر عن نفسها بكل الوسائل أن تحرق العالم حتى وليس فقط الإطارات كل هذا مفهوم وهو تعبير عن شدة الأزمة واختناق المسارات وانعدام الأمل ولكن في كل خطوة ينبغي إجراء القياس بميزان الذهب كم سنخسر وكم سنربح لأن الانفعالات أحيانا تقلب النتائج معاكسة ولا يدفعنا للحماسة طلب إسرائيل بوقف الخطوة هي فقط تريد أن يشهد العالم على ما نفعله من خراب وعلى شكل تعتبره همجيا في التعاطي مع الاحتجاجات رغم أن اقتراحات عديدة وحضارية أنتجها نقاش الايام الماضية وهي تليق بنا أكثر ودون ضرر .. علينا أن نحسب بهدوء لأن متر أرض لدينا أهم من العالم فلماذا نحرق أرضنا ونضر بالتربة في المنطقة التي نزرع فيها ونأكل منها..؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى