أقلام وأراء

أكرم عطا الله : عن أزمة الرواتب وخطأ السياسات..!

أكرم عطا الله ٢٥-٥-٢٠١٨م

لم أشأ الكتابة عن موضوع الرواتب في غزة نظرا للتعقيد الشديد الذي يحكم المسألة والتي يتداخل فيها السياسي والإنساني حد الاشتباك فكل منهما على النقيض تماما من الآخر ولأنني أدرك تماما أن من حق أية سلطة أن تتخذ ما تراه مناسبا من إجراءات في منطقة تمردت عليها بقوة السلاح وضد أية جماعة سياسية سجلت سابقة في العلاقات الوطنية وطردت تلك السلطة ولكن بالمقابل فإن وقف الرواتب لمجموعة من البشر هو إجراء في غاية التعسف الإنساني وهنا مكمن العقدة .

عندما يصطدم السياسي بالإنساني لمن تكون الأولوية ؟ هذا سؤال يبدو على درجة كبيرة من الالتباس وهنا فإن الأولوية تتعلق بثقافة النظم السياسية ومستوى علاقتها بالفرد وغير ذلك ، وحتى لا ينزلق الكاتب من جهة في صالح واحدة ضد الأخرى ليجد نفسه على تضاد مع واحدة فلا يستطيع أن يكون مع الخطأ السياسي أو الجريمة السياسية ولا مع السحق الإنساني للبشر بوقف رواتبهم والمساس بقوت يومهم وتلك معضلة.

لكن الحديث وتحديدا من الجهة السياسية ممثلة بالسلطة في هذا الموضوع وبهذا القدر من الاستخفاف وما يصدر عن تصريحات مدعاة للغضب أحيانا من طبيعة التعامل مع المواطنين بمبررات لا تحترم الحد الأدنى من وعيهم فقد توقفت الرواتب بشكل كلي منذ مارس الماضي وقدمت السلطة على لسان معظم القيادات من الآراء ما يكفي لشعور كل موظف بالإهانة فقد تنقل خطابها و دفاعها عن الإجراء الذي اتخذ بين ثلاثة مستويات .

1- في البداية قيل  أن ما حدث مجرد خلل فني وسيتم علاجه وانتظر المظفون حكومة كانت أقل كفاءة من معالجة خلل فني وهو ما يستدعي إقالتها.

2- ثم قيل أن ما حدث بسبب أزمة مالية تمر بها موازنة السلطة ولكن ذلك لم يطبق على كل موظفي القطاع العام في الضفة وغزة بالرغم من أن هناك ازمة مالية لدى السلطة تجاوزت ما هو مسموح بالدين العام وفقا للقانون إذ ان السلطة مدينة لحوالي 2.5 مليار دولار وهذا موضوع اخر متروك للاقتصاديين لكن تلك الأزمة كانت أيضا تستدعي إقالة الحكومة.

3- أن الرئاسة أصرت أوامرها بصرف الراتب لكن الحكومة لم تنفذ التعليمات والأوامر وهذا أكثر المبررات سذاجة واستخفافا أن يجري تصوير الحكومة كحالة متمردة تعصي الأوامر والمأساة أن هذا التصور الساذج  حاول قادة احزاب وأعضاء مجلس وطني ولجنة مركزية ومجلس مركزي اقناع أنفسهم به والترويج له لكن كل هؤلاء أضعف من إقالة حكومة تضرب بعرض الحائط قرارات الرئيس وأقل شأنا من إلزامها وهذا قمة الإستغباء يمارسه كل هؤلاء .

كنا نتفهم أن تكون السلطة غاضبة في الأيام الأولى لطردها من غزة ، أن تتخذ الإجراءات التي تستطيع وفقا للإمكانيات التي تملكها وهي كثيرة هذا منذ عام 2007 لكن أن تتخذ هذه الإجراءات الآن بعد كل هذا الوقت فهذا لا يجد له تفسيرا حتى لدى أشد المدافعين عنها وهنا فإن في الأمر ما هو خطأ ما فإذا كانت السلطة محقة في سياسة وقف الرواتب هذا يعني أنها مارست الخطأ بدفعها لاحد عشر عاما وإذا كانت تتصرف بصوابية طوال الأحد عشر عاما في صرف الرواتب هذا يعني أنها ترتكب خطأ الآن وفي كلا الحالتين هناك خطأ ارتكبته السلطة وهذا يطرح ألف علامة سؤال على إدارتها للأزمة مع غزة .

الهدف من الإجراءات الضغط على حركة حماس لتسلم غزة للسلطة عن طريق وقف تدفق الأموال هذا منطق نظريا ولكنه بالجانب العملي يخلو من المنطق في ظل الواقع الراهن فالحركة هنا في غزة لا زالت تجبي الضرائب المحلية ناهيك عن جمارك السجائر والوقود التي تدخل عن طريق مصر وتلك بعشرات ملايين الشواكل ناهيك عن المساعدات الكثيرة التي يثار الجدل حولها وكذلك ما تدفعه إمارة قطر هنا في غزة هذا بالقطع يكفي لحركة حماس وهنا يصبح الضغط على الموظفين فقط  بعيدا عن الحركة.

لكن الاهم لأن حركة حماس تحكم  غزة منذ احد عشر عاما ونحن نعرف الحركة  وحرصها وتفكيرها منذ اليوم الأول للحكم باليوم الاسود وهي تعرف أن هذا اليوم قد يأتي ويتطلب إدخار المال فماذا لو اقتصدت على مدار الأعوام السابقة مثلا مليوني دولار شهريا لذلك اليوم وهذا كان ممكنا ومتوفرا هذا يعني أن لديها سنويا 24 مليون وعلى مدى الأحد عشر عاما يعني أن لديها أكثر من ربع مليار دولار وإذا افترضنا ذلك وهو قريب للمنطق هل يمكن أن يشكل الضغط المالي على الموظفين نقطة ضعف لحماس ؟ وإذا كان ذلك صحيح من المسئول عن ترك حماس تدخر كل هذه الاموال وتأتي الإفاقة المتأخرة بعد كل هذا الزمن.

لكن الأخطر أن يشكل ضغط السلطة المتأخر جدا هنا ولا أظن أن كل ما يحدث مصادفات أن يشكل سببا لدفع غزة باتجاه آخر وهذا وارد في ظل المناخ السياسي الدولي الذي يأخذ طابعا إنسانيا بل ويعطي مبررا للبحث عن خيارات خارج خيار السلطة والمصالحة وهو ما قد بدأ يتحقق فالضغط المالي على الموظفين يتجه باتجاه مدمر للقضية الوطنية باتجاه الفصل على السلطة أن تفهم أن الأمور ليست بتلك البساطة وأن لحظة الضغط قد أفلتت وعليها استغلال ما يتوفر من مساحة للتواجد بغزة لقطع الطريق على مشاريع قيد التحقق لا زيادة الضغط على موظفيها  …فليس هكذا يديرون سياسة..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى