أكرم عطا الله: ردّ إيران بين الدوافع والكوابح..!
أكرم عطا الله 7-4-2024: ردّ إيران بين الدوافع والكوابح..!
تقف إيران بعد ضرب إسرائيل لمبنى قنصليتها في دمشق، مساء الإثنين الماضي، أمام أصعب اللحظات منذ صراعها مع تل أبيب لأكثر من أربعة عقود، وأصعب القرارات التي ينتظر العالم أن تتخذها طهران للرد. وهي لم تخف نيتها هذه المرة، فالضربة الإسرائيلية كانت أكبر من أن تبتلعها الدولة التي تقود محوراً يدير معركة مع إسرائيل بكافة أذرعه.
صعوبة القرار تنبع من أن الضربة كانت أكبر من الضربات السابقة التي أمكن تمريرها في سياق المستوى الذي اعتادت عليه الدولتان خلال السنوات والعقود الماضية. فقد رفعت إسرائيل مستوى النار أبعد من المعادلة التي كانت قائمة، فالاعتداء هذه المرة تم على أرض إيرانية في سورية، والمستوى الذي تم اغتياله هو العميد محمد رضا زاهدي، وما أعلنه التلفزيون الإيراني بعد الحادثة يعني أن الدولة لم تحاول تخفيف وقع الضربة، ما يفرض عليها استحقاقات كبرى.
وبتجاوز إسرائيل للمعهود لا يمكن لإيران تمرير ما حدث، لأن الأمر يتعلق بقدرة الدولة الإيرانية في الدفاع عن نفسها أمام تحالف يملك من القوة ما يمكنه من الرد وهو يشاغل إسرائيل والولايات المتحدة والعالم بما يملك من أذرع، ويضع العالم على شفير هاوية. إذ إن طهران في حال عدم الرد ستتعرض لضربة معنوية ستنال من صورتها أمام محورها وحلفائها وأمام خصومها، بل وأبعد؛ لأن عدم الرد يعطي لإسرائيل رخصة استمرار الهجوم بوتيرة أعلى، وهو ما عبرت عنه الدوائر الإيرانية.
وفي حال الرد بما يتناسب مع فداحة الاعتداء تدرك إيران أن الأمر في هذه الظروف أصعب كثيراً، حيث تقف إسرائيل ويقف معها العالم جاهزاً للدفاع عنها بما يملك من قوة. ففي ذروة غضب الرئيس الأميركي من بنيامين نتنياهو، بعد المكالمة الأكثر صعوبة بينهما، كان الناطق بلسان البيت الأبيض جون كيربي يقول: إن إسرائيل ما زالت تتعرض لتهديدات، وإن الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن إسرائيل.
الرد الإيراني الذي يتناسب مع الاعتداء وليس أقل يعني إعلان الحرب. صحيح أن إسرائيل تمكنت من توجيه عدة ضربات داخل العمق الإيراني سابقاً، لكنها لم تكن تعلن، ما يمكن إيران من ابتلاع الأمر، أو بضربات لمقرات وعناصر إيرانية في أراض سورية، لكن هذه المرة لمبني القنصلية الذي يعد أرضاً إيرانية، وبإعلان إسرائيلي فاقع، ما يضع طهران في لحظة حرجة، عبّر الإعلام الإيراني عنها بعرض للصواريخ وتغيير الحرس الثوري لون صفحته، وتهديدات تنذر باقتراب الرد وساعة الصفر.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أفاقت إسرائيل على واقع جديد أعاد إحياء كل الهواجس دفعة واحدة، بعد أن كانت تنام على واقع تراجع التهديدات وتآكل الخصوم لصالح دمجها في الإقليم ومشروع التطبيع الذي بدأ منذ أربع سنوات بانتظار الدولة الأكبر السعودية لإعلان عهد جديد في المنطقة. لكن ما حدث في ذلك اليوم وهشاشة إسرائيل التي تكشفت ولعثمتها في الساعات الأولى أعادت إحياء كل نزعات الخوف الكامنة لتفتح عيونها على كل التهديدات المحيطة، والتي تشخص إيران منذ عقود باعتبارها رأس كل تلك التهديدات.
ومع الاستنفار الكوني الذي ظهر في الساعات الأولى للحدث لصالح حماية إسرائيل، وعدم السماح بانهيارها أو هزيمتها كمشروع دولي، ولأسباب كثيرة باتت إسرائيل ترى أن تلك فرصة لن تتكرر لحل كل أزماتها والقضاء على كل التهديدات دفعة واحدة، بدأت بحركة «حماس» صاحبة الضربة والحلقة الأضعف في المعادلة، وحاولت جر «حزب الله» إلى حرب كبرى. وحين حافظ الحزب على مستوى معين من النار أخذت ترفع الوتيرة أكثر، خاصة بعد أن اعتبرت أنه يمكن بالسياسة والتهديد دفع قوات الحزب إلى شمال الليطاني، وحين لم يصب الحزب بالذعر باتت تذهب أبعد.
خلال النقاش المضطرب والدائر في المؤسسة الإسرائيلية، كانت إيران المحرك لكل ما تتعرض له إسرائيل من تهديدات، وبالتالي لن تعود إسرائيل قبل أن تنتهي من كل ما يحيط بها؛ فالظرف ملائم والعالم يحتضن الدولة الإسرائيلية بمعزل عن التباين مع حكومتها، وضمان أمنها وبقائها مسؤولية أميركية ودولية لا يكف المسؤولون الأميركيون عن تأكيدها في ذروة غضبهم من نتنياهو، والبوارج الأميركية في المنطقة، فلماذا لا تشعل الإقليم طالما أن كل مخازن السلاح في العالم والطائرات تحت تصرفها.
الحرب مع إيران أسهل بنظر إسرائيل منها مع «حزب الله». فالحزب يجلس على الجدار ولا ينتظر في مقرات ويخوض حرب عصابات تستعصي على الجيوش الكلاسيكية، ولإسرائيل تجربة مريرة مع الحزب العام 2006 وهي من الحروب القليلة التي شكلت فيها لجنة تحقيق سمّيت «لجنة فينوغراد» لبحث أسباب العجز عن النصر. أما مع إيران فستكون حرباً كلاسيكية قد تجهزت لها إسرائيل منذ سنوات طويلة بما يلزم من أسلحة، بل اعتبرت تقارير التهديدات في سنواتها الأخيرة أن أزمة إسرائيل في القوى اللادولانية وليست في الجيوش الكلاسيكية.
ماذا ستفعل إيران وسط ترقب العالم الذي يحبس أنفاسه على وقع التهديدات والغضب المتنامي؟ فلإسرائيل مصلحة بحريق كبير وتدفع باتجاهه، وإيران في وضع شديد الحرج. هنا كان السؤال وسط تهديدات الرد كيف سيكون الرد؟ على الأغلب أن إيران التي تقرأ الأمور جيداً لن تذهب لحرب شاملة. يمكن أن تحسب بدقة رداً أكبر من صمت وأقل من حرب فكيف سيكون؟ إلا إذا أخطأت التفكير، وهذا صعب تصوره للعقل الإيراني الذي يجيد الحساب..!