أقلام وأراء

أكرم عطا الله : بين أحلام البسطاء وكوابيس شهوان..!

بقلم: أكرم عطا الله، نبأ برس ١٩-٣-٢٠١٨م
لا يمكن أن يمر دون أن يستوقفنا ما كتبه الناطق باسم الداخلية في غزة الدكتور اسلام شهوان والذي أحدث صخب كبير على وسائل التواصل الاجتماعي حتى بعد أن قام بسحب المنشور الكابوس الذي أطلق له خياله بسوداوية مطلقة تغلق أمامنا أي أفق للمصالحة أو لمستقبل كنا نظن أن الجميع تعلم الدرس ولكن يبدو أن المسألة ليست بتلك البساطة المكلفة.
ما نشره الرجل تحت عنوان الكابوس قال أنه حلم ذات ليلة بعودة السلطة لغزة أنه فقد مكانته الرسمية وعاد مواطنا عاديا وعندما أراد الذهاب لصلاة الفجر في المسجد وإذ به يجد رجال السلطة يدخنون في جيب يقفون أمام المسجد يمنعونه من أداء الصلاة بل و يشيعونه ضربا وعندما أراد في صباح اليوم التالي الذهاب للمستشفى لمعالجة آثار الضرب منعوه أيضا وسخروا منه وهكذا فإنه يرسل أقسى رسالة لجميع عناصر حركة حماس بأن يعملوا بكل قوتهم على عدم عودة السلطة لغزة وبقاء الحال على ما هو عليه مهما كلف الثمن لأن البديل هو هذا النموذج من الإذلال وبالتالي فإن المصالحة الي تعيد غزة للسلطة يجب رفضها بغض النظر عن مأساة مليونين من البشر.
ليس المهم هنا ما قاله الرجل في لحظة غضب من المصالحة ولا حول الوضع النفسي لسيكلوجية فردية أو جماعية وبعيدا عن كل دراسات علم النفس التي درسناها في الجامعات وتصورات الناس لمكانها ومكانتها والتغيرات التي تطرأ والخوف من التغيير لكن الأبرز هنا والذي يدعو للخوف هو هذا البعد في النموذج الذي يتم تصوير الآخر به.
الآخر هنا هو ابن حركة فتح بالتأكيد هو الذي يجلس على باب المسجد مشعلا سيجارته لا يصلي بل يمنع الناس من الصلاة ويضربهم بسبب على باب المسجد ان ارادوا ممارسة حريتهم في العبادة ويمنعهم من تلقي العلاج ومن الحركة في الحي وفي هذا ما يعكس التصور الذهني في إطار شيطنة الآخر الذي يفترض أنه الشريك الوطني والذي جرت كل محاولات السنوات الماضية لتحقيق هذه الشراكة المتعثرة حتى الآن لكنها بقيت حلم البسطاء والفقراء الذين يريدون أن يروا هذا المشهد بأن يكون أبناء فتح وحماس في سيارة واحدة ومؤسسة واحدة وهنا يعيد شهوان طرح ثنائية مهدت للصراع الذي أدى إلى الاقتتال بالسلاح ثنائية الأخيار والأشرار وهو بالقطع يضع خصومه في دائرة الأشرار وهي الثنائية التي تصر عليها القوى الدينية وتصدقها حقا وهي السبب في انعزال تلك القوى مجتمعيا ومدعاة للخلاف بينها وبين مكونات المجتمع وتجعل من الصعوبة دمجها أو إيجاد شراكات طالما أنها تنطلق من ثنائية حادة ثنائية الخير والشر ، الحق والباطل وهي ثنائية كفيلة بانقسام المجتمعات وليس فقط أنظمتها السياسية.
وإذا كان هذا التصور الذهني يمثل حالة جمعية إذن نحن أمام ثقافة يمثل فيها الآخر ” الشريك ” حالة ضدية تماما ويصبح الحديث عن الحد الأدنى المشترك في خانة العدم وبالتالي فإن المجتمع سيبقى منقسما بين جماعتين جماعة ترى في نفسها الأكثر طهرانية والأجدر والأحق بالحكم والأمينة عليه دون غيرها وأن الآخر في مرتبة أقل مجردا من الدين والأخلاق الانسانية وتلك تصورات هاذية حاولت كتل اجتماعية أو دينية أو سياسية إسباغ نوع من القداسة على نفسها ولكن الآخرون أبعد من أن يرونها كذلك ولم تكن تلك التصورات التي تلبس تلك الجماعات سوى لتبرير شيء ما حكم أو مكانة دينية أو سياسية أو اجتماعية أي شرعنة الفوقية والتي مع الزمن أدت إلى حالة تصنيف ثم تقسيم المجتمعات بين فئتين متناحرتين.
لكن ما يسمع من بعض قيادات حركة حماس عكس ذلك وأبرزهم قائد الحركة بغزة يحيى السنوار الذي سمعته في لقاء جمعه بالكتاب قبل حوالي ثمانية أشهر يتحدث عن حركة فتح كشريك وطني يريد العمل معه كتفا بكتف وعن اليسار باحترام شديد ساخرا ممن يفتحون قصص التباين الأيدلوجي في وطن تحت الاحتلال ودولة لم تقام بعد وعن مفهومه للشراكة الوطنية ويبدو أمام الرجل عملا داخليا كثيرا وشاقا لإعادة صياغة العقل الجمعي لمجموعة لديها تصورات مخيفة ومختلفة عن الواقع تماما.
فأحلام البسطاء تتجسد في وطن يملأه العدل والمساواة بين أبناؤه يمارسون كامل الحرية في عباداتهم وعاداتهم وفي التعبير عن ذاتهم كشركاء في هذا الوطن دون أن يضع لهم أحد تراتبية أخلاقية أو إنسانية أو يعطيهم تصنيفات تحمل لوائح اتهام لمجرد أنهم لا يتبعون له ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى