أقلام وأراء

أكرم عطا الله : أزمة الاسلاميين في الحكم كما قال الغنوشي…!

بقلم : أكرم عطا الله ١٩-٤-٢٠١٨م
الشيخ راشد الغنوشي واحد من أهم المفكرين الاسلاميين في المنطقة العربية وتكاد تكون تجربته فريدة حيث الواقع التونسي في الثورة وفي الحكم وفي الشراكة وفي التقدم وفي التراجع في اللحظة المناسبة حتى لا يغرق مركب تونس لأنه أهم من الحزب كما قال ولازال السؤال عن فرادة التجربة التونسية في الوطن العربي ولدى المثقفين العرب هل هي بسبب عقلية رئيسها أم بسبب المناخ الثقافي التونسي الأقرب للحالة العلمانية الفرنسية وكثيرة التأثر بها لدرجة يتحدث الشارع التونسي اللغة الفرنسية كلغة يومية؟
أرسل لي أحد الأصدقاء مقتطفات من مقابلة مع الشيخ راشد يحلل التجربة الاسلامية القصيرة في الحكم التي وصلت في بعض الأقطار العربية اذ يعيد الرجل قراءتها ببعد أكثر عمقاً من اللحظة العاطفية التي رافقت لحظة الوصول والتي انتهت معظمها الى نهايات مأساوية لكنها أزمنت في السودان ولم تكن أفضل حالاً سواء من حيث مستوى الحياة في ذلك البلد الذي ظل فقيراً أو على مستوى وحدة الدولة التي انقسمت وانسلخ جزء مقابل صفقة ما ويقول الشيخ راشد “عندما أخذنا معظم السلطة أخذناها على قراءة خاطئة على أساس أننا أخذنا الأغلبية دون أن ننتبه لميزان النخبة الذي نحن ضعفاء فيه ولا يمكن أن نحكم مجتمعاً رغماً عن نخبته الا اذا مارسنا قدراً عالياً من العنف وهذا آثاره كارثية.”
يقول الرجل معرجاً على مصر للتدليل على ما يقول “الذين انتخبوا الرئيس مرسي 51% فارغة من ميزان القوة والذين عارضوه 49% مليئة بالقوة الصلبة المال والاعلام والقضاء والشرطة والجيش والاقتصاد والفن …الخ، أما عن التجربة الجزائرية فقد حصلت جبهة الانقاذ عام 91 على 80% من الأصوات العاطفية الناعمة في حين كانت القوة الخشنة مع ال 20% والحصيلة 250 ألف قتيل ورجوع للخلف عشرات السنين.
عندما يصل الرجل الى خلاصة الأمر فيقول “نحن الاسلاميون فقراء من حيث القوة الصلبة والنخب لأننا لم نأخذ وقتنا وخرجنا من السجون وعدنا من المهاجر واختارتنا الناس بالعواطف فكيف لنا أن نحكم بهذه العواطف فالنخب هي التي في أيديها كل شيء” هنا ربما فهم متأخر يندرج في سياق المراجعات اللازمة لطبيعة الاندفاعة التي تحققت والتي أرادت من خلالها الحركات الاسلامية السيطرة السريعة على الدولة ومؤسساتها العميقة أن تحكم لوحدها وبتجربتها التي لم تتبلور بعد وبفهمها غير الناضج للسياسة والخالي من التجربة وتراكمها بل وأسوأ من ذلك هي محاولة اقصاء الخصوم السياسيين بل والتشهير بهم.
في غزة ربما ما قاله الغنوشي يصلح لمراجعة التجربة التي ينطبق عليها ما قيل بل أكثر أن التجربة الاسلامية في غزة كانت تمتلك من القوة الخشنة ما جعل التجربة صدامية تأخذ طابعاً عنيفاً بين الخصوم كما قال “لا نحكم نخب رغماً عنها إلا اذا مارسنا العنف وهذا له آثار كارثية” وبالفعل تحققت مبكراً كوابيس الغنوشي لتعود غزة عشرات السنين للوراء ما يشبه بحياة البدائية في البحث عن الماء والكهرباء وانهيار المجتمع والرغبة بالهجرة لدى جيل من الشباب انعدمت أمامهم سبل الحياة ومع كل فتحة معبر يهاجر العديد منهم.
المشكلة الأبرز أن التجربة الاسلامية تتعامل مع النخب التي تمتلك مقومات القوة في المجتمعات كنخب ليست صديقة وكأنها حالة معادية بل تقوم باستهدافها بدل الاستفادة من التجربة والخبرة والقوة فأجهزة الدولة العميقة لديها من الخبرة ما كان يجب على الاسلاميين أن يتعلموا الكثير منها لا اعتبار أن ما وصلوا اليه من علم هو نهاية الحقيقة وأن كل ما كان قبلهم هو الكفر بعينه لذا يعيش الأخوان حالة من الشك في تلك التجربة والأجهزة تنتهي بالصدام لا محالة اما أن يقصوها ويحكموا وحدهم كما حدث في غزة وإما أن تقصيهم وتزجهم في السجون كما حدث في مصر وهنا قيمة تجربة تونس.
في مصر ماذا لو عين الرئيس مرسي منافسه أحمد شفيق نائباً للرئيس أو رئيساً للوزراء؟ ماذا لو تعففت حركة حماس عن تشكيل الحكومة وابتعدت عنها كما نصحها الجميع وبضمنهم الكاتب محمد حسنين هيكل وهي النتيجة التي وصلت لها الآن وهي ترجو عودة الحكومة غير الشريكة بها الى غزة وبشروط الحكومة بعد هذه التجربة المريرة من ادراك صعوبة الظرف السياسي ووعورة التجربة؟ ماذا لو استمعت الحركة لتجربة من سبقوها بأن الكفاح السلمي هو الوسيلة الممكنة وذات جدوى ضد اسرائيل كما أدركت حالياً؟ ويمكن أن تثار عشرات الأسئلة على نمط ماذا لو أدركت حماس مبكراً لكان الوضع الفلسطيني مختلفاً بدل أن نتعلم بالتجربة والخطأ، التجربة التونسية مدعاة للتأمل فقد أبحر مركب تونس في حين غرق مركبنا ومراكب أخرى بسبب عدم فهم الأخوان لتوزع القوة عندما كانوا يعتقدون أنها تقتصر على الصندوق، لقد فاز ترامب بالصندوق وهاجم المهاجرين وقد وقع أول قرار على وقف الهجرة، كان مستعجلاً ولم يدرك قوة الدولة والنخبة كما قال الغنوشي والتي أرغمته على التراجع فوراً هذا ما لم يدركه الاسلاميون مبكرا..!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى