أقلام وأراء

أشرف العجرمي يكتب – رئاسة بايدن بين الآمال والواقع

أشرف العجرمي – 11/11/2020

أظهرت نتائج الانتخابات الأميركية فوزاً كبيراً لمرشح الرئاسة جو بايدن من الحزب الديمقراطي على منافسه الرئيس الحالي دونالد ترامب. وحسب الأصوات التي أفرزت في غالبية الولايات الأميركية حظي بايدن بـ290 صوتاً في المجمع الانتخابي وربما يحصل على أصوات أكثر بعد فرز جميع الأصوات في الولايات التي لم تعلن فيها نتائج الاقتراع بعد. ومن الواضح أن الرئيس ترامب لا يريد أن يتنازل بسهولة وسلاسة عن السلطة ويريد خوض معركة قانونية وفي مجلس الشيوخ لاحقاً إذا فشل في المحكمة العليا من أجل منع بايدن من تسلم منصبه. وعلى كل حال، يبدو أن طريق ترامب صعبة للغاية مع قدرته على التشويش وربما تأخير تسليم السلطة.

ولا شك أن نتائج الانتخابات الأميركية أثلجت صدر العديد من زعماء العالم الذين رأوا في ترامب تهديداً للاستقرار العالمي وتدميراً للنظام الدولي المتوازن نسبياً في إطار شعاره الشهير «أميركا أولاً». ونحن أخذنا نصيبنا ربما أكثر من أي جهة دولية من هذه السياسة الجائرة والظالمة، وذلك من خلال سلسلة خطوات اتخذها ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة بدأت بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس وطرح خطته للتسوية السياسية التي يخجل حتى اليمين الإسرائيلي العنصري والمتطرف من مدى انحيازها وظلمها للفلسطينيين، وعقاب السلطة على عدم قبول القيادة الفلسطينية لخطته بفرض حصار مالي عليها. وانتهت باتفاقات التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل خروجاً على المبادرة العربية للسلام وقلباً لهرم العملية السياسية التي كان يجب أن تبدأ بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة منذ العام 1967 وممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية المشروعة على أرض وطنه.

لكن فوز بايدن في الانتخابات الأميركية رغم الإعلان الرسمي عن انتصاره خلق ردود فعل متباينة في الشارع الفلسطيني الذي لا شك شعر بالغبطة برحيل ترامب وهزيمته الفادحة. فمن الناس من اعتبر أن مجيء بايدن للبيت الأبيض سيحل لنا كل المشاكل، وهناك من رأى أنه لا فرق بين بايدن وترامب على اعتبار أن السياسة الأميركية منحازة لإسرائيل ولا تغيير فيها، فالديمقراطيون كانوا بالسلطة قبل ذلك ولم ينجحوا في إنهاء الاحتلال وتحقيق طموحات شعبنا وحقوقه في الحرية والاستقلال. وفي الواقع لا يمكن القول، إنه لا يوجد فرق بين بادين وترامب، فالأخير أضر بالقضية الفلسطينية أكثر من أي رئيس آخر، بل إن الضرر كان سيصبح أكثر خطورة لو استمر بولاية أخرى في الحكم وسمح لإسرائيل بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة.  

بايدن قد لا ينجح في إنهاء الصراع وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وهو سيبدأ بمعالجة مسائل تشكل أولوية بالنسبة له على الأقل في السنة الأولى وربما في الثانية كذلك قبل أن يولي أهمية للصراع عندنا. فلديه مشكلة انتشار فيروس «كوفيد-19» الكورونا، ومشكلة إعادة الولايات المتحدة إلى مكانتها الدولية ومعالجة مشاكل الانقسام الداخلي والمشاكل الاقتصادية في الولايات المتحدة، ومشاكل أخرى عديدة. ولكنه دون شك سيتخذ بعض الخطوات يلغي من خلالها بعض القرارات التي اتخذها ترامب ضدنا وقد يعيد الدعم المالي الأميركي للسلطة وتوفير الدعم لوكالة الغوث «الأونروا» وربما يحث الدول العربية على إعادة تمويل السلطة، ويعيد افتتاح مكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن. والأشياء التي سوف لن يمسها هي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ومسألة نقل السفارة إلى القدس. ولكن سيعمد لافتتاح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية في خطوة لخلق توازن معين.

من الصعب التفكير برؤية بايدن يتحدث عن مفاوضات أو عملية سياسية قبل مرور وقت يحقق فيه بعض ما وعد ناخبيه به. وحتى يمر هذا الوقت علينا أن نخرج من فكرة أن التغيير في الرئاسة الأميركية سيغير الواقع الفلسطيني على الأرض بشكل جذري، والتحول من بعض الآمال المبالغ فيها إلى الواقع الذي ينبغي أن نفهمه ونعمل على تغييره بذكاء وحكمة. وهذا الواقع في الحقيقة يقول، إنه يجب عدم توقع أمور كبيرة من بايدن على مدى العام أو العامين الأولين في الحكم. وعليه ينبغي أن نصوغ خطة فلسطينية مفصلة بمطالب محددة وممكنة من بادين في هذه الفترة، مثل وقف الاستيطان وأي إجراءات إسرائيلية لفرض حقائق جديدة على الأرض، وتوسيع صلاحيات السلطة وسيطرتها على قسم من مناطق (ج) والسماح بإقامة مشاريع اقتصادية والبناء في هذه المناطق، ووقف سياسة الهدم في القدس ومناطق (ج)، وتوفير مظلة دعم دولي للاقتصاد وبناء المؤسسات الفلسطينية بحيث تتم تقوية الكيانية الفلسطينية المؤسسة لدولة فلسطينية، ومنع إسرائيل من قرصنة أموالنا واتخاذ سياسة تسمح لاقتصادنا بالتطور من خلال فتح المجال أمامنا للاستيراد والتصدير بحرية وخاصة مع الدول العربية والعالم بصورة عامة، وتطوير اتفاق باريس، وأشياء مشابهة، وإطلاق سراح المعتقلين أو قسم كبير منهم.

ربما تستوعب إدارة بايدن مثل هذه المطالب التي لا تتطلب جهداً خاصاً وتوظيف موارد وطاقات كبيرة لإنجازها واستثمار ارتباك إسرائيل وحاجتها لتحسين علاقاتها مع الحزب الديمقراطي وإدارته الجديدة بعد أن رمت بيضها كله في سلة ترامب والجمهوريين. ولكن هناك أشياء لا تقل أهمية بل يجب أن تسبقها داخلياً وهي استعادة الوحدة الوطنية وتوفير المناخ للضغوط الدولية على إسرائيل. ولا شك أن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية يحتل أولوية قصوى لإقناع الجهات الدولية ويقف في مقدمتها الولايات المتحدة للوقوف إلى جانبنا. وهناك حاجة لإطلاق حوار هادئ ومعمق مع الدول العربية المركزية لإعادة لملمة الصف العربي وتجاوز عمليات التطبيع ومحاولة استثمار ما حصل وتجييره لصالح شعبنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى