أقلام وأراء

أشرف العجرمي يكتب – الواقع العربي المتهالك : ماذا عن واقعنا؟

أشرف العجرمي – 16/9/2020

لا شيء في الواقع يبرر الانهيار العربي الرسمي والتهالك نحو التطبيع المجاني مع إسرائيل والتخلي عن الشرط العربي الجوهري الذي تتضمنه المبادرة العربية للسلام وقرارات الجامعة العربية. فما سيحصل عليه المطبعون هو المزيد من التوترات والمشاكل الإقليمية، خصوصاً وأن إسرائيل ستستخدم دول الخليج قاعدة متقدمة في وجه إيران التي يعتبرونها العدو المشترك. وفي النهاية إذا تم بناء التحالف العربي- الإسرائيلي المدعوم أميركياً فالذي سيدفع الثمن مادياً وسياسياً هم العرب، هذا إن لم تتطور الأمور باتجاه حروب إقليمية إضافية وقودها العرب وشعوب المنطقة، حيث تبقى إسرائيل والولايات المتحدة تتفرجان وتبيعان السلاح للعرب ووهم التكنولوجيا المدمرة.

التوجه نحو التطبيع الذي بدأ بالإمارات ولن ينتهي على ما يبدو بالبحرين سيؤدي لتفتت المنظومة العربية التي تجمع الدول العربية على مواقف موحدة فيها قدر كبير من التوافق الذي يقود إلى إجماع حتى لو لم يكن إجماعاً تاماً. فما عاد الموقف السياسي العربي من المسألة الفلسطينية التي هي القضية المركزية موحداً، وتكرار التمسك بالمبادرة العربية وبحقوق الشعب الفلسطيني أضحى نوعاً من الضريبة الكلامية لعدد من الأنظمة التي خرقتها بشكل فظ ووقح بالتطبيع مع الاحتلال. ومن الطبيعي أن ينقسم العالم العربي إلى قسمين أوثلاثة أقسام تبعاً للموقف السياسي الجديد والخروج عن قاعدة الإجماع القومي. ويبدو أن المال السياسي سيتحكم في مصير الجامعة العربية وفي قراراتها ومخرجاتها.

ولكن ما الذي جعل بعض الأنظمة العربية تخلع ثوب الحياء وتتحالف مع عدو الأمة العربية وقاهر شعوبها: هل هو الجهل الذي لا يتيح لأصحابه رؤية الواقع من حولهم وفهم ألاعيب وأحابيل السياسة والمؤمرات التي تحاك ضدهم؟ وهل هو نجاح الاستعمار الغربي في خلق قيادات موالية له وضد مصالح شعوبها وأمتها؟ أم أنه الشعور بالضعف والهوان الذي يقود إلى دفن الرأس في الرمال؟ وقد يكون كل هذه الأشياء مجتمعة. ولكن ماذا مع الفلسطينيين وما الذي جعل بعض القادة العرب يتجاهلونهم ولا يأخذونهم بالاعتبار كما تفعل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية؟

هناك عوامل عديدة قادت إلى الوضع الذي نعيش اليوم والذي شجع قادة عرباً على خلع ثوب القومية والعروبة؛ منها الانقسام الفلسطيني ودخول أجندات غير وطنية على خط الفعل الفلسطيني. فالسلطة في الضفة لا تزال متمسكة باتفاق “أوسلو” الذي لم تُبقِ إسرائيل منه سوى ما يخدمها فقط، وهي تحولت بفعل الوقت والمصالح الخاصة إلى شيء مقدس لا نستطيع الفكاك منه، حتى مع اتخاذ قرار بالتحلل من كل الاتفاقيات مع إسرائيل. لا تزال تركيبتنا هي نفسها ولم تتغير ولم نغير من سلوكنا. وهناك بلا شك الكثير من السلبيات المعششة في أداء المؤسسة السلطوية من فساد وسوء إدارة وقلة تخطيط وروتين قاتل وغيرها.

في المقابل هناك مشروع “حماس” وفصائل غزة، وهو مشروع مناقض لمشروع منظمة التحرير الجوهري ويقوم على إنشاء إمارة إسلامية ليس مهماً حجمها أو مساحة الأرض التي تقوم عليها، المهم أنها تحت سلطة الجماعة وتأتمر بأمرها، وفيها نشأت مصالح خاصة للمتنفذين تجاوزت كثيراً كل شعارات الطهارة والصلاح والإيمان والتقوى، فعلى الأقل لدى السلطة يقولون هذا فساد وينتقدونه وبعضهم يقف ضده، أما فساد الإسلاميين فهو مبرر وتغلفه العباءة “الربانية”.

ومن الصعب رؤية كيف يمكن التخلص من الانقسام بالرغم من الشعارات الجميلة التي نسمعها واجتماع الأمناء العامين وتشكيل لجان للوحدة والمقاومة الشعبية، لأن هناك برنامجين مختلفين، حتى لو توحدنا ضد التطبيع وصفقة القرن والضم شكلياً وبالإعلانات، فقسم منا هم جزء من الصفقة، وبعض العرابين كقطر وتركيا هما ليسا أفضل من الإمارات والبحرين. ولا يمكن أن ننسى إيران بطبيعة الحال كعامل إقليمي مهم ومؤثر وله نفوذه في غزة، وهذا التشتت والانقسام بتأثره بصراع القوى في الإقليم ليس سهلاً التخلص منه حتى إن حسُنت النوايا وهي بحاجة لإثباتات على الأرض تبدأ بالتخلي عن المصالح الشخصية والحزبية والانحياز للشعب وللوطن.

الواقع الفلسطيني المشتت بدون شك يشجع بعض الدول على الفلتان والوقوف ضد مصالح الشعب الفلسطيني. وإذا أردنا بالفعل أن نحد من هذا الانحدار السريع نحو هاوية التطبيع والتعاون مع العدو لا بد أن نبدأ من الوضع الداخلي الفلسطيني، ثم نذهب لترميم علاقاتنا مع العالم العربي بفتح حوار هادئ ورزين مع الدول العربية المؤثرة مثل السعودية ومصر والأردن ودول المغرب العربي للملمة الصف العربي من جديد ومنع انهيار جامعة الدول العربية، وأنه يجب أن ننأى بأنفسنا عن المحاور ونكون الجامع والموحد، كما أننا بحاجة بالتوازي مع ذلك لبناء وتعزيز الجبهة الدولية المناصرة لنا. وعلينا أن نعترف أن الدبلوماسية الفلسطينية بحاجة لتغيير جدي وتجديد يسمح بإعادة الروح للعمل السياسي والدبلوماسي الخارجي، حتى لا نفقد كل أوراقنا وتزداد عزلتنا ويزداد تفكك الأمة من حولنا، ويتم ترسيخ حالة الانهيار والهرولة نحو أحضان الأعداء ونجد أنفسنا في دوائر عداء أوسع وأشد فتكاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى