أقلام وأراء

أشرف العجرمي يكتب – الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي: مصير العمل العربي المشترك

أشرف العجرمي – 19/8/2020

لم يكن الاتفاق بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل مفاجئاً سوى من حيث التوقيت.

فالمقدمات للإعلان عن اتفاق لتطبيع العلاقات بين الطرفين كانت واضحة منذ فترة، وقد بدأت باستقبال الوفود الإسرائيلية بصورة معلنة وغير معلنة أبرزها مشاركة الوزير الإسرائيلي عوزي لاندو في مؤتمر الطاقة المتجددة في مطلع العام 2010، وزيارة وزير الطاقة سيلفان شالوم على رأس وفد رسمي للإمارات للمشاركة في مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في العام 2014.

وكانت الذروة في زيارة وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف مع وفد من الرياضيين الإسرائيليين في العام 2018، حيث رفع العلم الإسرائيلي وأُنشد النشيد الوطني الصهيوني.

بالإضافة إلى حضور رياضيين إسرائيليين لمباريات دولية في الإمارات. عدا زيارات سرية عديدة لقادة أمنيين إسرائيليين كبار حتى أن هناك أقاويل بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو زار الإمارات سراً مرتين.

وشاركت الإمارات مع القوات الإسرائيلية في تدريبات ومناورات عسكرية في الولايات المتحدة،  وتم تسيير رحلات جوية التي كان أبرزها وصول الطائرة الإماراتية التي قيل أنها تحمل مساعدات طبية للفلسطينيين لمواجهة جائحة كوفيد – 19 (كورونا). كما تلقت إسرائيل دعوة للمشاركة في معرض إكسبو دبي.

لقد كان واضحاً أن الإمارات في الطريق لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وربما لم يتوقع الفلسطينيون أن تتم هذه العملية في هذا التوقيت بسبب طرح «خطة ترامب» والمشروع الإسرائيلي لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ولكن قطار التطبيع العربي – الإسرائيلي كان يسير بسرعة.
والإمارات ليست وحدها في هذا المسار بل هناك دول عربية عديدة منها قطر وعمان والبحرين والسودان والسعودية تجري اتصالات مع تل أبيب وبعضها تربطها علاقات حميمة معها خصوصاً قطر وعمان والبحرين.

والغريب في الإعلان عن الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي – الأميركي محاولة تسويغ العلاقة الرسمية مع إسرائيل بخدمة الفلسطينيين بادعاء أن الاتفاق ينص على وقف الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

الإمارات ودول عربية أخرى تأتمر بأمر الولايات المتحدة، وتعتقد أن العلاقة مع إسرائيل تعزز وضعها في الإستراتيجية الأميركية شرق الأوسطية، خاصة أن أبو ظبي ترغب في تعزيز قدراتها العسكرية وشراء معدات وأسلحة أميركية متطورة تحول إسرائيل دونها، على سبيل المثال التزود بمنظومات دفاع جوي متطورة والحصول على طائرات الشبح إف 35 وغيرها.

وقد أعلن بالفعل عن صفقة بثلاثة مليارات دولار تشتري بها الإمارات أسلحة أميركية فوراً في أعقاب الإعلان عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ويبدو أن بعض الدول العربية بما فيها الإمارات تريد تحالفاً عسكرياً مع إسرائيل في وجه إيران. والاتفاق بالمجمل يتحدث عن تطوير آفاق التعاون بين الإمارات وإسرائيل في المجالات الاقتصادية حتى أن نتنياهو يتحدث عن استثمارات إماراتية هائلة في إسرائيل، وأيضاً علاقات وتعاون أمني، وكما يقول نتنياهو ستحصل إسرائيل على قاعدة متقدمة مقابل إيران.

وفي الحقيقة لا توجد صلة للموضوع الفلسطيني بالاتفاق المذكور، وليس صحيحاً ما قالته الإمارات من أنها باتفاقها مع إسرائيل أوقفت الضم، والحقيقة أن الضم تأجل ولم يعد مطروحاً على أجندة الحكومة الإسرائيلية منذ فترة حسب اعتراف وزير الخارجية غابي اشكنازي، ورئيس الحكومة نتنياهو الذي صرح قبل الاتفاق بعدة أيام بأن الضم تأجل بسبب انشغال الولايات المتحدة بأمور أخرى.

ومن الواضح أن الإدارة الأميركية لم تكن متحمسة لفكرة الضم أحادي الجانب على الأقل في هذه المرحلة لأنها باعتقاد جاريد كوشنر رئيس طاقم خطة ترامب تقضي على الصفقة الأميركية التي يعتبرها رزمة واحدة.

والشيء الآخر هو أن الضم لم ينته تماماً بل تم تأجيله وهذا ما أكده الإسرائيليون والأميركيون، وهو لا يزال حياً بانتظار ظروف أفضل ربما بعد الانتخابات الأميركية في حال فوز دونالد ترامب بولاية جديدة.

الخطوة الإماراتية شكلت ضربة قوية للقضية الفلسطينية وللعمل العربي المشترك القائم على التوافق والإجماع.

وهي عدا أنها تشكل خروجاً عن مواقف الإجماع العربي الذي تقع المبادرة العربية للسلام في صلبه والتي تقول إن التطبيع والعلاقات مع إسرائيل تأتي بعد انسحابها من الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1967 وحصول الشعب الفلسطيني على دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.

والاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي لم تحصل فيه الإمارات على أي مقابل سياسي فيما يخص القضية الفلسطينية بل شكل سابقة في المعادلة العربية للعلاقة مع إسرائيل والسلام معها والقائمة على مبدأ «الأرض مقابل السلام». ونتنياهو يفاخر بأنه حصل على «سلام مقابل سلام» أي دون ثمن.

وعليه ستشهد العلاقات العربية – العربية المزيد من الانقسامات والتوترات بسبب غياب أسس العمل المشترك.

وحتى أنه ستكون هناك صعوبة في عقد قمة عربية في القريب كما يطالب الفلسطينيون.

وحتى لو عقدت القمة فمن المشكوك فيه أن يحضرها الزعماء العرب، كما أنه سيكون من شبه المستحيل التوافق على موقف موحد جامع، فالفلسطينيون يطالبون باتخاذ موقف ضد الإمارات وهناك دول عربية كثيرة تؤيدها.

وقد يؤدي فشل انعقاد القمة إلى تراجع دور الجامعة العربية والأطر العربية المرتبطة بها، وهذا سيؤدي إلى تحرر العديد من الدول من القرارات العربية بحيث تتخذ كل دولة ما تراه مناسباً.

ونحن سنكون الخاسر الأكبر. وهذا الواقع الجديد المأساوي الذي يشهده العالم العربي يحتاج إلى تفكير عميق ومبادرة ذكية وخلاقة لإنقاذ الجامعة العربية والإطار العربي الموحد، حتى لو كان بثمن أن نبتلع بعض المرارة.

وبغير ذلك ستكون الخسارة أكبر. وعلى المستوى الداخلي أصبحت الوحدة أولوية قصوى لمواجهة جميع التحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى