أشرف العجرمي: صفقة التبادل: الحسابات الأميركية والإسرائيلية
أشرف العجرمي 2023-11-22: صفقة التبادل: الحسابات الأميركية والإسرائيلية
تتحدث الأنباء عن قرب التوصل إلى صفقة تبادل أسرى بين حركة «حماس» وبين إسرائيل. والتصريحات الصادرة عن البيت الأبيض والرئيس الأميركي جو بايدن تقول بقرب إنجاز الصفقة، و»حماس» تؤكد أنها سلمت ردها للأشقاء في مصر وقطر، والمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر اتخذ قراراً بتنفيذ الصفقة. وهكذا يبدو نظرياً أننا قاب قوسين أو أدنى من رؤية عملية التبادل. ولكن مع ذلك، تبقى احتمالات التعطيل والتأجيل قائمة. فما الذي يعقد الذهاب نحو التنفيذ ولماذا تبدو الإدارة الأميركية أكثر اهتماماً بالصفقة؟
الحكومة الإسرائيلية ومجلس الحرب على وجه التحديد وضع هدفين للحرب على غزة: القضاء على «حماس» و»تحرير الرهائن»، أي إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين. ومن الواضح أن الأهمية الأولى للانتصار في الحرب على «حماس» وفصائل المقاومة. وتكون قضية الأسرى ثانوية في جدول الاهتمام. والسبب يكمن في أن إسرائيل تريد تحريرهم دفعة واحدة حتى لا تستغل «حماس» عمليات وقف إطلاق النار من أجل إعادة ترتيب صفوفها والتزود بكل ما يمكنها من الصمود في هذه الحرب البربرية وتحقيق إصابات كبيرة في صفوف قوات الاحتلال. وكان جيش الاحتلال أكثر من يعارض هدنة لعدة أيام، خمسة أيام كما هو مقترح في الصفقة، لأنه يعتقد أن التوقف لمدة خمسة أيام أو أكثر سيؤثر على زخم العملية وعودة قواته لتنفيذ عملياتها بنفس القوة. وغير ذلك هناك خشية من أن أي وقف لإطلاق النار سيشجع الأطراف الدولية على طلب فترات وقف إضافية ومتلاحقة، ما يؤثر سلباً على عمليات الجيش.
هناك مصلحة لإسرائيل في تأجيل الصفقة قدر الامكان على الأقل حتى تكمل احتلالها وسيطرنها على شمال قطاع غزة ومدينة غزة، لأن الاعتقاد السائد لدى قادتها أن السيطرة على مناطق العمليات سيضعف «حماس» وسيساهم في تحسين شروط الصفقة من وجهة النظر الإسرائيلية. ومن ناحية أخرى، هناك ضغوط كبيرة من أهالي الأسرى والمحتجزين في غزة على الحكومة لعدم الذهاب إلى صفقات جزئية. وهناك خوف كبير على حياتهم وسلامتهم في ظل القصف الإسرائيلي الهمجي والإبادة الجماعية التي تنفذها في القطاع. وهؤلاء يعتقدون أن على إسرائيل أن توقف الحرب وتحرر الأسرى ثم بعد ذلك يمكنها أن تبيد «حماس» وأن تفعل ما تريد في غزة. ولكن هناك أيضاً من يؤيد في إسرائيل الإفراج عن أي شخص يمكن الإفراج عنه وعدم إضاعة أية فرصة قد يندمون عليها لاحقاً.
الإدارة الأميركية من جهتها تخضع لضغوط كبيرة جداً من الرأي العام في مسألة ضرورة وقف إطلاق النار، وقد سمحت بمرور قرار مجلس الأمن الذي يطالب بهدن انسانية ممتدة وإيصال المساعدات للمواطنين في غزة. ويبدو حجم الضغط أكبر بكثير مما توقعت إدارة الرئيس بايدن الذي يفقد التأييد الشعبي بصورة كبيرة بسبب دعمه اللا محدود لإسرائيل في حربها على غزة. حتى أن 70% من الشبان الأميركيين بين 18 و34 عاماً يعارضون موقف إدارة بايدن، و56% من مجموع الجمهور الأميركي يعارضونه كذلك. وهذه نسبة رفض عالية وتؤثر على مستقبل بايدن والحزب الديمقراطي. ويعتبر بايدن أن صفقة تبادل أسرى يمكنها أن تساعده في الظهور بموقف الداعم للقضايا الإنسانية في غزة وأيضاً في المساعدة في الإفراج عن المحتجزين وبعضهم من حمَلة الجنسيات الأميركية والأجنبية.
وكما قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في إطار تبريره للموافقة على إدخال السولار إلى غزة، بعد أن كان يرفض إدخال قطرة واحدة قبل الإفراج عن جميع المحتجزين، بأنه لا يريد فقدان الدعم الأميركي، أي أن الضغط الأميركي هو الذي قرر في النهاية، فهذا هو الحال بالنسبة لصفقة التبادل. ستماطل إسرائيل ولكنها ستنفذ في النهاية. وهذا لن يكون على حساب استكمال حربها البربرية والتوسع جنوباً في قطاع غزة.
أما بالنسبة للوسطاء العرب وخاصة قطر ومصر فالهم الأول لهما هو الوصول إلى وقف إطلاق النار وتطبيق قرار الهدن الإنسانية حتى لو كان بداية من خلال الصفقة. ويأمل الجميع أن تولد عملية التبادل ديناميكية متدحرجة لهُدن إنسانية متعاقبة تقود في نهاية المطاف إلى وقف كامل لإطلاق النار وبدء عملية سياسية جادة تبدأ بإعمار قطاع غزة وتنتهي بحل الصراع بصورة نهائية، بحصول الشعب الفلسطيني على حقه المشروع في تقرير مصيره في دولة خاصة به على حدود الرابع من حزيران من العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس الشرعية الدولية.