أشرف العجرمي: خطة نتنياهو للسلام: الهيمنة الإسرائيلية الكاملة
أشرف العجرمي 10-12-2025: خطة نتنياهو للسلام: الهيمنة الإسرائيلية الكاملة
تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال المؤتمر الصحافي مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الأحد الماضي، عن رغبته في طرح خطته للسلام خلال لقائه القادم مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتحدث عن سيطرة إسرائيلية أمنية كاملة بين النهر والبحر، وأن موضوع ضم الضفة السياسي لا يزال مطروحاً للنقاش، وأن الانتقال للمرحلة الثانية من خطة ترامب في قطاع غزة أصبح وشيكاً. فما هي معالم خطة نتنياهو التي لم يفصح عنها بشكل كامل؟
خطة نتنياهو، كما يتضح من أقواله المبعثرة هنا وهناك بما فيها خطابه في البرلمان «الكنيست»، تتناول أربعة محاور: المناطق الفلسطينية، ولبنان، وسورية، والعلاقة مع الدول العربية. والهدف الرئيس لنتنياهو هو السعي لترميم صورة إسرائيل على المستوى الدولي. وفيما يخص المناطق الفلسطينية يفصل نتنياهو بين الضفة الغربية التي يفكرون في ضمها، وفي أحسن الأحوال منح سكانها حكماً ذاتياً مع إبقاء السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الضفة ليس فقط الأمنية، بل سيطرة تحوّل مناطق (ج) لجزء من دولة إسرائيل حتى لو لم تعلن إسرائيل ضمها رسمياً. فخطط الاستيطان وتغيير معالم الضفة جغرافياً وديموغرافياً تجري على قدم وساق ولا تغيير في السياسة الرسمية الداعمة للاستيطان. وفي أحسن الأحوال يبقى الفلسطينيون في إطار حكم ذاتي كما هو قائم اليوم والسلطة الفلسطينية تتولى الشؤون المدنية والأمن بصورة جزئية.
وبخصوص قطاع غزة، فهذه مسألة مختلفة تماماً، حيث يعلن نتنياهو أن البدء في المرحلة الثانية بات وشيكاً، وذلك بضغط قوي من الرئيس ترامب الذي يريد الانتقال بسرعة للمرحلة الثانية، حتى أن الضغوط بدأت ليتم ذلك خلال أسبوع وفي أسوأ تقدير مع بداية العام القادم. وما يريده نتنياهو من هذه المرحلة هو نزع سلاح «حماس» وتدمير الأنفاق وضمان خروج الحركة من الحكم بشكل كامل ونهائي. وهو سيحاول المناورة لكي يبقى الاحتلال في غزة لأطول فترة ممكنة بحجة عدم إتمام نزع السلاح. وعملياً يرغب نتنياهو في فرض رؤيته الخاصة للمرحلة الثانية، أي عدم تسليم قطاع غزة لإدارة جديدة ولقوة الاستقرار الدولية، التي من المفروض أن تضمن الأمن في غزة بالتعاون مع الشرطة الفلسطينية التي يجري إعدادها لهذا الأمر. ولا شك أنه سيحاول الاستفادة من تعثر تشكيل القوة الدولية التي لا تسارع دول عديدة للانضمام لها؛ لأنها لا تريد لجنودها وضباطها أن يواجهوا المجموعات المسلحة في غزة في ظل عدم الاتفاق مع حركة «حماس»، مع أن الأخيرة أبدت بعض المرونة مؤخراً وصارت تتحدث عن تسليم السلاح والتعاون مع القوات الدولية في إطار تحديد دور هذه القوات في تأمين الحدود.
ويرفض نتنياهو فكرة الإعمار الشامل لقطاع غزة، ويريد إعماراً جزئياً لمناطق تحت سيطرة إسرائيل، أو لبعض المناطق فقط من القطاع. وغالباً هو يريد منع قسم كبير من سكان غزة من الاستقرار ودفعهم للهجرة. وفي كل الأحوال مصير غزة سيتقرر من الولايات المتحدة ومن الدول العربية المعنية، بالإضافة للفلسطينيين. ولن تستطيع إسرائيل أن تضع فيتو على تنفيذ المرحلة الثانية طالما لن تجد مبرراً مقبولاً أميركياً على الأقل. وستضطر إسرائيل للمضي قدماً في المرحلة الثانية التي يريدها ترامب بشدة. والدول العربية تسعى لتطبيق كامل للمرحلة الثانية وصولاً إلى عملية سياسية تؤدي إلى حل الدولتين.
أما خطة نتنياهو في لبنان، فهي تقوم على تجريد «حزب الله» من سلاحه بشكل نهائي، وسيظل الاحتلال في جنوب لبنان مع حرية حركة لجيش الاحتلال في لبنان حتى يتم الانتهاء من سلاح الحزب. بل إن هناك استعدادات كبيرة للانطلاق بعملية اجتياح كبيرة في لبنان بحجة القضاء على سلاح وقواعد «حزب الله»، طالما أن الجيش اللبناني لا يقوم بالمهمة. وهذا يجري الآن رغم ضغوط أميركية وفرنسية لمنح الدولة اللبنانية والجيش فرصة لإنجاز هذه المهمة. وتريد إسرائيل في نهاية المطاف منطقة أمنية عازلة كبيرة في جنوب لبنان.
وفي سورية، تواصل إسرائيل احتلال أجزاء واسعة من الجنوب السوري بحجة منع تموضع جهات «إرهابية» يمكنها تنفيذ عمليات ضد إسرائيل أو تهدد أمنها. ولا يبالي نتنياهو بمسألة تمكين السلطة السورية الجديدة المدعومة من كل الأطراف الدولية ومن الدول العربية. ويريد أن تكون المنطقة الواقعة بين دمشق العاصمة وهضبة الجولان المحتلة منطقة مجردة من السلاح. وعملياً هو يحرج النظام السوري ويمنعه من بسط سيطرته الكاملة على كل الأراضي السورية، خاصة في الجنوب.
والرئيس ترامب يريد من إسرائيل الانتقال من المبادرات الهجومية في كل من غزة وسورية ولبنان إلى الدبلوماسية وإجراءات بناء الثقة. حتى أن قيادة جيش الاحتلال تطالب بوقف الحرب والذهاب نحو إعادة بناء الجيش الذي تضررت بنيته كثيراً وقدراته بسبب الانشغال في حرب هي الأطول في تاريخ إسرائيل.
ومن العرب يريد نتنياهو تطبيعاً كاملاً وتوسيعاً لاتفاقات «إبراهيم» دون دفع أي ثمن، على اعتبار أن القوة هي التي تجلب السلام وطالما إسرائيل هي التي تفرض منطقها بالقوة المسلحة، وأنها قضت بصورة كبيرة على المحور الإيراني، فعلى العرب التسليم بهذا المنطق، وعليهم أن يدفعوا الثمن ويقبلوا إسرائيل كما هي حتى كقوة احتلال. طبعاً هذا المنطق مرفوض عربياً ولن تنجح فيه إسرائيل. ولا شك أن الموقف السعودي مفصلي في هذا الإطار. وترفض السعودية الذهاب نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون حصول تقدم ملموس في تطبيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية. حتى أن ترامب نفسه سلّم بالمنطق السعودي، ولم يعد يضغط في موضوع التطبيع.



