أشرف العجرمي: الحرب البرية في غزة: أهداف إسرائيل المتغيرة
أشرف العجرمي 2023-11-01: الحرب البرية في غزة: أهداف إسرائيل المتغيرة
بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي حربها البرية في قطاع غزة وهي تواصل تقدمها في منطقة شمال غربي وشمال شرقي غزة وفي مناطق عديدة شرق غزة. وقد قامت بالتقدم قبل يومين في منطقة شرق غزة باتجاه البحر على محور يمر قرب موقع مستوطنة «نتساريم» السابقة في غزة، وبالرغم من أن القوات الإسرائيلية انسحبت مباشرة بعد ساعات قليلة، إلا أن هذا التقدم يعكس رغبة إسرائيلية في تقسيم قطاع غزة بخط عرضي يفصل مدينة غزة ومنطقة شمال غزة بشكل كامل عن وسط وجنوب القطاع، أي السيطرة برياً على المنطقة الأهم من الناحية العسكرية الإسرائيلية وهي نفس المنطقة التي طالبت إسرائيل المواطنين بإخلائها والتوجه جنوباً. ويبدو أن قوات الاحتلال ستعود إلى هذا المحور وهي الآن في حالة اشتباك مع المقاومين في كل المناطق التي تم التقدم فيها. ولا يعرف بعد حجم الخسائر التي يتكبدها الاحتلال.
إسرائيل تطبق خططاً أميركية للاجتياح البري في مناطق مكتظة بالسكان، وقد أرسلت الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل الجنرال جيمس غلين أهم خبراء «حرب المدن» والذي أشرف على القوات الأميركية في اقتحام كل من الرمادي والفالوجا والموصل في العراق. وفي الواقع لا يثق الأميركيون بخطط إسرائيل للحرب وهم يشاركون بشكل مباشر في إدارة المعركة من خلال وجودهم في مجلس الحرب. والخطة الأميركية تقضي بالتقدم بصورة تدريجية حياً بعد حي، أي تسيطر على منطقة بالكامل وتمشطها ثم تتقدم إلى منطقة أخرى، وهكذا يجري قضم تدريجي واحتلال متدرج لقطاع غزة بدءاً بالمنطقة الشمالية ومدينة غزة. طبعاً، كل شيء يتوقف على المقاومة التي تواجهها القوات الإسرائيلية على الأرض، وهل تسمح لها بالتقدم ومدى الخسائر التي تلحق بها وهل تستطيع إسرائيل تحمل الثمن.
المشكلة الإسرائيلية الجوهرية هي بتحديد أهداف لحربها على غزة تتمثل بالقضاء على حركة «حماس» والإفراج عن كافة الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة. وهذه الأهداف وخاصة الهدف الأول شبه مستحيلة. فمعنى القضاء على «حماس» الوصول إلى كل شخص ينتمي للحركة وقتله أو اعتقاله. وبعد أن أدركت الحكومة الإسرائيلية صعوبة تحقيق هذا الهدف بدأت بتغيير وتعديل صياغته مرة بالقضاء على قدرات «حماس» العسكرية، ومرة بإسقاط حكم «حماس» في غزة، وثالثة بالقضاء على قادة «حماس» المهمين ومنهم يحيى السنوار ومحمد الضيف وقادة عسكريين في قيادة «القسام» وفي مقدمتهم من قادوا علمية «طوفان الأقصى».
أما مسألة تحرير الأسرى فهي أيضاً معقدة بسبب توزيعهم في أكثر من مكان وموقع، وبالتالي لا يمكن الوصول إليهم عسكرياً وتحريرهم بالقوة هذا عدا عن المخاطر التي يسببها القصف المدمر لغزة على حياتهم، وبالذات قصف الأنفاق التي يتواجدون فيها، وقد أعلنت الفصائل في غزة أن عدداً منهم قد قتلوا نتيجة للقصف الإسرائيلي. ويبدو أن الحل الوحيد للإفراج عنهم هو صفقة تبادل، وإسرائيل غير جاهزة الآن لصفقة لأنها تتضمن تبادلاً شاملاً للأسرى وأيضاً وقفاً لإطلاق النار لعدة ايام على الأقل ودخول الوقود لغزة. والحكومة الإسرائيلية غير مستعدة لذلك، لأن وقف إطلاق نار لعدة ايام سيجعل من الصعب استئناف العمليات العسكرية بعد ذلك، وأنه قد يخلق آليات لوقف إطلاق نار دائم وعندها ستكون إسرائيل مهزومة. والوقت أمام إسرائيل للاستمرار في حربها البرية وجرائمها محدود وليس مفتوحاً إلى مالا نهاية أو إلى المدى التي تريده إسرائيل لتنفيذ خطتها وتحقيق أهدافها.
صحيح أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يرفض فكرة وقف إطلاق نار في غزة قبل أن تستنفد إسرائيل أهدافها هناك. وهذا ما عبرت عنه المواقف الأميركية والبريطانية على وجه الخصوص. فقد وصل الأمر برئيس حكومة بريطانيا ريشي سوناك أن أقال عضو برلمان من منصب سكرتير قسم العلوم والتكنولوجيا والأخبار في الحكومة فقط لأنه طالب بوقف إطلاق نار فوري، وضمان عدم معاقبة الناس في غزة على وصفه «جرائم حماس». ولكن هذا الضوء الأخضر الممنوح لإسرائيل لمواصلة جرائمها وعدوانها في غزة قد يصبح برتقالياً ثم أحمر في ضوء التغيرات الحادة في الرأي العام الدولي، وخاصة في الدول الغربية من مواصلة الحرب واستهداف المدنيين الفلسطينيين.
وقد تتغير الأمور رأساً على عقب في حال كانت الخسائر الإسرائيلية كبيرة للغاية، أو أن إسرائيل تتورط بقتل عدد هائل من المدنيين الفلسطينيين، بحيث لا يستطيع العالم الصمت على ذلك ومداراة إسرائيل كما هو حاصل اليوم. وإلى أن يحدث أحد هذين الأمرين تستمر جرائم الحرب الإسرائيلية ويستمر سقوط المدنيين الفلسطينيين وتدمير قطاع غزة بالكامل ومعاقبة المواطنين جماعياً، وتستمر القوى الغربية في سياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين وعدم مساواتهم بالإسرائيليين، والسماح لإسرائيل بإبادتهم بحجة «الدفاع عن النفس».