أقلام وأراء

أسعد عبود: الهند محور التكتلات المتنافسة

أسعد عبود 10-9-2023: الهند محور التكتلات المتنافسة

أي التكتلات الاقتصادية والإقليمية هي الأشدّ انسجاماً والأقدر على أن تتحكّم بمصائر العالم أكثر من غيرها؟ لم تكد مجموعة “بريكس” تُنهي اجتماعاتها حتى انعقدت قمّة “آسيان” لدول جنوب شرق آسيا في أندونيسيا، ومن بعدها كانت قمّة مجموعة العشرين في نيودلهي.
كل هذه التجمّعات تضمّ دولاً متفاوتة في المواقف حيال القضايا الدولية التي تواجه العالم، من النزاعات والحروب إلى الاحتباس الحراري. وتحاول كل من الولايات المتحدة والصين أن تشدّ أكبر كتلة من الدول، تساعدها في تحقيق أهدافها الجيوسياسية.
الصين وروسيا دفعتا نحو توسيع “بريكس” لجعلها “بريكس+”، فتضمّ ست دول جديدة إليها، ما يعزز المكانة الدولية لهذا التجمّع الاقتصادي المنشأ، لكنه لا يخفي طموحاته السياسية.
توسيع “بريكس” الذي قابلته الولايات المتحدة بقليل اكتراث، أضمر في الوقت نفسه قلقاً حيال ما يمكن أن تشكّله هذه المجموعة من تحدّيات جديدة لقيادة الغرب النظام العالمي.
تضمّ “بريكس” دولاً مشتركة بين هذا التكتل ومجموعة العشرين. هذا ما يسهّل للولايات المتحدة المضي في لعبة قديمة- جديدة، وهي استمالة الهند إلى جانبها وتعزيز مكانتها في مجموعة العشرين، في مقابل دفع نيودلهي إلى تخفيف اهتمامها بـ”بريكس”، لا بل دفعها إلى مواجهة مع العملاق الصيني، ما يقوّض طموحات “بريكس” إلى دور جيوسياسي في العالم.
تقدّم واشنطن للهند مغريات كثيرة، تبدأ بالتجارة ولا تنتهي بالعلاقات العسكرية. الإعتقاد الأميركي السائد أنّ موقفاً هندياً مناهضاً لروسيا ومعارضاً للحرب في أوكرانيا، قد يقود الهند في نهاية المطاف للانضمام إلى نظام العقوبات الغربية على موسكو، التي ستُحرم من شريك اقتصادي كبير، وتالياً إضعاف آلتها الحربية.
لكن هذه مسألة غير محسومة في الهند التي تقيم علاقات تاريخية مع روسيا، اقتصادياً وعسكرياً. وبعد نشوب حرب أوكرانيا، استفادت نيودلهي من أسعار تفضيلية للنفط الروسي، الذي تعيد الهند بيعه إلى الأسواق الأوروبية بأسعار مضاعفة.
هذه أفضلية تصبّ في مصلحة الهند وتقوّي اقتصادها عالمياً. ولذلك، يبدو أنّ الإنقلاب الهندي على روسيا سيكون مكلفاً لنيودلهي، وينزع عن الهند تاريخية الدور الريادي في تأسيس حركة عدم الإنحياز في عزّ الحرب الباردة، وعدم انضمامها إلى تكتلات حادّة تذهب بعيداً في المواجهة.
المطلوب أميركياً من الهند أيضاً، الإضطلاع بدور أكثر نشاطاً في احتواء الصعود الصيني في المحيطين الهندي والهادئ. لكن مثل هذا الدور يتطلّب زيادة في الموازنة الدفاعية على حساب القطاعات الإنتاجية الأخرى.
الهند وصلت إلى مرتبة الاقتصاد الخامس في العالم لأنّها إنتهجت سياسة عدم الإنحياز. والإنخراط في التصدّي للصين وفق الرؤية الأميركية من شأنه زيادة الأعباء الاقتصادية والعسكرية على الهند، وهي التي تعاني توتراً حدودياً مع باكستان، فكيف إذا ما أُضيف إليه تأجيج التوتر الحدودي مع الصين.
حسابات كثيرة تجعل الهند تتروّى في تلبية المطالب الأميركية، والبقاء في المنتصف. صحيح أنّ ثمة تبايناً مع بكين إزاء قضايا كثيرة، لكن لن تخرج الهند رابحة من نزاع اقتصادي وعسكري مفتوح مع الصين.
بالاستناد إلى كل هذه المعطيات، لن يكون الضغط الأميركي له تأثير كبير في إحداث انقلاب هندي حيال روسيا والصين.
والهند مستفيدة الآن من الإنخراط في أكثر من تكتل اقتصادي وإقليمي. لا بأس في أن تضع رِجلاً في “بريكس” ورِجلاً في مجموعة العشرين، وأن تعزز الحياد الإيجابي التاريخي الذي اضطلعت به، أكثر من التزام محور بعينه.
هذا لا يعني أنّ الولايات المتحدة ستكف عن المحاولة. وهي تكثّف جهودها في زمن الحرب كي تضمن سيادة التكتلات التي تقودها على التكتلات التي للصين وروسيا، باعاً طويلاً فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى