أقلام وأراء

أسعد تلحمي يكتب – تظاهرة فلسطينيي 48 انطلاقة قويّة

أسعد تلحمي  – 14/8/2018

تشكّل التظاهرة الأخيرة لعشرات آلاف فلسطينيي 1948 في تل أبيب، وإلى جانبهم آلاف اليهود من المحسوبين على القوى الديموقراطية والليبرالية واليسار الصهيوني، مطالبين بإسقاط قانون القومية الجديد، حدثاً تاريخياً بكل معنى الكلمة، من حيث عدد المشاركين والرسائل التي أطلقتها التظاهرة ووصلت إلى مقر رئاسة الحكومة في القدس المحتلة، ما استدعى بياناً تحريضياً، كالعادة، من بنيامين نتانياهو ووزرائه وأقطاب الأحزاب الصهيونية الكبرى.

كانت الرسالة الأبرز، وكررها رئيس «لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل» محمد بركة بكل وضوح، أن عام 2018 ليس كعام 1948، وأن الفلسطينيين داخل إسرائيل لن يقبلوا بنكبة أخرى، إذ خلعوا الخوف عنهم وباتوا يعتمدون وحدتهم في التصدي لأي مشروع اقتلاعي جديد يبغيه نتانياهو من قانون القومية الجديد.

نجحت «المتابعة» في حشد عدد غير مسبوق من المشاركين في التظاهرة، في أهم ميدان تظاهرات في الدولة العبرية، هذا الميدان الذي سبق أن أسقطت تظاهرات كبيرة فيه حكومات إسرائيلية أو حملتها على تغيير سياساتها.

فاق العدد حتى تصورات المنظمين لكنه أذهل المؤسسة الحاكمة، باعتراف إعلامها المجنَّد على الدوام ضد كل ما هو فلسطيني. عشرات الألوف، من مختلف الأعمار يمثلون ألوان فسيفساء المجتمع الفلسطيني في الداخل، توافدوا إلى تل أبيب لإدراكهم أن قانون القومية الجديد هو الأخطر على بقائهم، ليس أقل من القوانين التي سنتها الدولة العبرية مع إقامتها مثل «قانون العودة – لليهود (السماح لكل يهودي في العالم بالقدوم إلى إسرائيل) أو قانون الأراضي (مصادرة أكثر من 90 في المئة من أراضي الفلسطينيين).

لكن سبق هذا الحضور، وأعقبه، نقاش ساخن بلغ درجة التهجمات القاسية بين العرب أنفسهم حول المشاركة من عدمها، وذلك على خلفية مشاركة يهود ينتمون إلى اليسار الصهيوني في التظاهرة، وطلب منظمو التظاهرة عدم رفع العلم الفلسطيني فيها (مع ذلك رفعت عشرات الأعلام) واعتماد شعارات موحدة (لم يلتزم الجميع بذلك بل دوّت شعارات تطالب بتحرير البلاد بالمدفعمن الصهاينة)، وهو ما استغله نتانياهو لاحقاً للهجوم على التظاهرة وليدّعي أنه بسبب هذه الشعارات شرّعت إسرائيل قانون القومية. وعكَس النقاش، خصوصاً على شبكات التواصل، أزمة الهوية لدى «فلسطينيي 48» أو «العرب في إسرائيل» أو «عرب إسرائيل» أو «المسلمين» و»المسيحيين» و»الدروز»، وفق تعريف المتناقشين لأنفسهم.

وكانت هناك معارضة مشاركة، «اليسار الصهيوني»، بداعي أنه شريك في ما آل إليه وضع العرب الباقين في وطنهم. وسُمعت معارضة لحصر المطالب في تعديل القانون (كما تطالب حركة ميرتس اليسارية) أو الاكتفاء بتضمينه الالتزام بالمساواة لجميع المواطنين.

أشعلت هذه الخلافات حرباً ضروساً على مواقع التواصل الاجتماعي، وكعادة العرب علا التخوين بين «الوطنيين» و»المتأسرلين»، أساساً بين أنصار الجبهة (الحزب الشيوعي) و»التجمع الوطني الديموقراطي»، إذ ادعى الأخير ضد حماسة الشيوعيين للشراكة اليهودية – العربية وإشراك القوى اليهودية في التظاهرة التي ترفع العلم الإسرائيلي، ليرد الشيوعيون باتهام «التجمع» بشرذمة الصفوف وانتهاج شعارات لا تسمن ولا تغني عن جوع، وأنه من دون دعم الشارع اليهودي لن يكون ممكناً إسقاط هذا القانون.

مع ذلك، كانت هذه تظاهرة ضخمة، قوية بصوتها وحضورها. وفي رأيي، عززت مشاركة قوى يهودية تتضامن مع مطلب إلغاء القانون من أساسه، هذا الصوت ومنحت التظاهرة زخماً قوياً.

أثبتت التظاهرة، أنه على رغم كل الخلافات داخل المجتمع الفلسطيني، فإنه في الإمكان حشد غالبية هذا المجتمع وراء مطلب عادل يدافع عن كل فلسطيني في البلاد بغض النظر عن انتمائه العقائدي، حتى عن أولئك الذين خدموا المؤسسة ويخدمونها. هي نقطة انطلاق ممتازة لإبقاء قضية القانون القومية حاضرة على أجندة الرأي العام المحلي. انطلاقة تتبعها لقاءات رسمية بين ممثلي القيادة العربية في الداخل وهيئات دولية وعالمية ولقاء قريب مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي.

والمطلوب الآن، محاصرة الحكومة اليمينية العنصرية، واستخدام كل الوسائل المتاحة. ولن يتحقق ذلك، من دون حشد تأييد أحزاب وقوى يهودية لها تأثيرها على الرأي العام الإسرائيلي.

عن الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى