أقلام وأراء

أسعد تلحمي يكتب – أوروبا لن تتغير

أسعد تلحمي – 18/9/2018  

شكّل تصريح وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني بأن» قانون أساس القومية» الذي سنّه الكنيست الإسرائيلي قبل شهرين وعرّف إسرائيل بأنها دولة يهودية هو «مسألة داخلية»، صفعة قوية لقادة المجتمع الفلسطيني في إسرائيل الذين التقوها وسط توقعات كبيرة في بروكسيل، فأعادتهم إلى أرض الواقع وإلى حقيقة أن أوروبا المنحازة لإسرائيل، لم تتغير وأن مواقفها الرئيسة لم تتبدل.

كما أثار تصريحها سجالاً داخل أوساط الفلسطينيين أنفسهم، فرأى بعضهم أنه على رغم التصريح «المفاجئ»، إلا أن الانتقاد الخفيف الذي وجهته موغريني لإسرائيل وأعربت فيه عن خشيتها من مستقبل الديموقراطية فيها، كذلك مجرد اللقاء معها أقلق سدنة الدولة العبرية الذين يدرسون احتمال إيفاد ممثلين عنهم إلى موغريني لتوضيح موقفهم من القانون بداعي أن النواب العرب الذين التقوا موغريني «يعملون على تقويض طبيعتها الديموقراطية بواسطة أكاذيب فاضحة وتشويه الواقع في كل ما يتعلق بقانون القومية». كما يرى هذا البعض أن اللقاء مع مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد هو خطوة نوعية لتطوير آلية نضال من شأنها أن تفضح سياسات إسرائيل المنهجية ضد الأقلية العربية في إسرائيل.

في المقابل، يرى آخرون أن لا طائل من التوجه إلى القارة العجوز التي سبق لها، بقيادة بريطانيا (وعد بلفور) ثم عصبة الأمم التي كانت بريطانيا وفرنسا تسيطران على قرارها (صك الانتداب) أن حلت «عقدة الذنب» بما حصل لليهود في أوروبا في النصف الأول من القرن الماضي من خلال السماح بهجرتهم إلى فلسطين وإقامة دولة لهم على حساب سكان البلاد الأصليين الذين هُجر معظمهم منها وحرموا من العودة إليها، فيما البقية الباقية باتت اليوم في حسابات الدولة العبرية خارج هذه الأرض المسروقة، «الحصرية لليهود» وفق قانون القومية الجديد.

مع ذلك، لا يجب أن يوقف تصريح موغريني الذي يفتقر إلى أبسط القيم الإنسانية والأخلاقية، حين يعتبر العنصرية الإسرائيلية المتجهة نحو الفصل العنصري مسألة إسرائيلية داخلية، محاولات قادة المجتمع الفلسطيني لملاحقة إسرائيل دولياً وفضح سياستها العنصرية بهدف الضغط عليها لإلغاء القانون، لا التسليم به بداعي أن التوجه إلى المحافل الدولية لن يجديَ نفعاً. يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتنصل من مسؤولياته الأخلاقية لتفادي مواجهة مع إسرائيل، لكن لا يمكن لإسرائيل أن تتصرف على هواها كل الوقت إذا ما رأت أن هناك من يلاحقها بقوة في المحافل الدولية، وهي التي تعلم أن قضية العنصرية لا يمكن أن تكون شأناً داخلياً، وللقانون الدولي موقف واضح منها.

هناك مقترحات مختلفة مثل إعلان إضراب عام للجماهير العربية في إسرائيل أو حتى إعلان عصيان مدني. وهناك من يطالب أعضاء الكنيست العرب بترك الكنيست وفضح ديموقراطية إسرائيل، أو الإعلان بأن العرب لن يشاركوا في الانتخابات العامة نهاية العام المقبل إذا لم يتم إلغاء القانون. جميعها اقتراحات جدية، لكن يجب أن تُدرس جدياً مع فحص جاهزية المجتمع الفلسطيني لتصعيد النضال.

المعركة طويلة وتتطلب نفَساً عميقاً، وأمام الفلسطينيين في الداخل أكثر من محفل دولي يتوجهون إليه، وإذا لم يأتِ الفرج من أوروبا التي باتت معظم دولها حليفة لإسرائيل تخطب ودها بصفتها محبوبة الولايات المتحدة ودولة قوية تحتاج دول أوروبا الشرقية خصوصاً دعمها لها اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً، فإن هناك الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الدولية والمجتمع المدني ذات الشأن والتأثير التي ينبغي طرق أبوابها أيضاً. وهناك أيضاً وقت اللا مفر محكمة العدل الدولية في لاهاي.

تتطلب مواجهة هذا القانون برنامجاً واضحاً ومدروساً يشمل أيضاً، في موازاة خوض المعركة على الصعيد الدولي، حشد تأييد الشارع اليهودي اليساري على رغم انحسار نفوذه، والتعاون مع مختلف القوى الوسطية التي تدّعي أنها قلقة على مستقبل الديموقراطية في إسرائيل. ثمة ضرورة ملّحة لنقل المعركة إلى الساحة المركزية في إسرائيل، وهو ما بدأ بتظاهرتين كبريين في قلب مدينة تل أبيب، لكن يجب أن يكون لهما استمرار من دون توقف كي لا يتم تمييع الموضوع ونسيانه لاحقاً.

عن الحياة اللندنية

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى