أسامة الغزولي يكتب – «الديموقراطية اليهودية» أحدث تجليات «الحائط الحديد»
أسامة الغزولي – 1/10/2018
يمكن المقترحات التي طرحها توماس فريدمان، بعد يوم من حلول الذكرى الأربعين لاتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل («نيويورك تايمز»، الثامن عشر من أيلول – سبتمبر)، إن قبلت بها السلطة الوطنية الفلسطينية والدول العربية الأربع التي أشار إليها فريدمان، أن تكون خطوة باتجاه شرق أوسط أقل اضطراباً. ويمكن هذه المقترحات أن تؤجل انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية، وأن تساعد في تخليق أجواء تعزز، من جهة، الاعتقاد بأن استراتيجية الضحايا البشرية المجانية في غزة ليست الوسيلة الأفضل لإخراج القطاع من أزمته المطولة، وتعزز، من جهة أخرى، الرأي القائل أن إسرائيل – فلسطين هي في حاجة إلى قائد سياسي يملك الرؤية والشجاعة اللازمتين للمضي بشعبيها إلى تعايش لا غنى عنه لاستقرار المنطقة، وليس إلى رجل علاقات عامة، مثل بنيامين نتانياهو، يؤسس سياساته على اعتبارات تتعلق بالرأي العام في الولايات المتحدة بأكثر مما تتعلق بحاجات الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، وبهدف المراوحة في المكان، من غير تقدم أو تراجع.
يقترح فريدمان قيام دولة فلسطينية منقوصة السيادة وغير معسكرة وغير مقطعة الأوصال، دولة تملك كياناً جغرافياً متماسكاً وليست مؤلفة من كانتونات، ولها «شكل ما» من أشكال السيادة في القدس الشرقية. وهو يطالب مصر والأردن والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بتأمين غطاء لن يكون ممكناً من دونه أن تقبل السلطة الوطنية الفلسطينية بهذه المقترحات. وقد تقبل السلطة الوطنية وظهيرها العربي، عاجلاً أو آجلاً، بهذه المقترحات وقد يرفضانها، لكن المهم أن فريدمان يروج لمقترحاته بالأسلوب ذاته الذي اتبعه كل من روج لمقترحات تتصل بالصراع الأقدم والأخطر في منطقتنا، وهو الصراع بين الصهاينة والعرب، عبر مراحله المتتالية، علماً أن مرحلته الراهنة هي مرحلة صراع بين القوميتين الإسرائيلية والفلسطينية اللتين حققتا قدراً من النضج، يوشك أن يفرض علينا أن نتحدث، لا عن صراع عربي – إسرائيلي، بل عن تناقض عربي – إسرائيلي مصدره هو الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
وإن كان فريدمان يتحدث عن إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني فقد لا تكون هناك فرصة أولى أو أخيرة، لأن الحروب الأهلية قد لا تنتهي أبداً، كما قال تي. إس. إليوت، عام 1936 وهو يتحدث عن الحرب الأهلية التي انفجرت في القرن السابع عشر في إنكلترا. وإن كان يتحدث عن الصراع العربي – الإسرائيلي، فهذا الصراع يوشك أن يتحول إلى إدارة سلمية للتناقضات العربية – الإسرائيلية، لن يكون وارداً أن تتجاهل الحرب الأهلية الدائرة في إسرائيل – فلسطين وضرورة التخفيف من حدتها والمساعدة على الانتقال بها إلى إدارة سلمية للتناقضات بين شعبيها.
ولن يساعد على التحول السلمي للتناقضات مفهوم «الديموقراطية اليهودية» الذي يطرحه فريدمان بهدف تكريس الانفصال بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. هذا المفهوم هو صورة جديدة من الصور التي استنسختها أجيال متتالية من الصهاينة من مفهوم «الحائط الحديد» عند زئيف جابوتنسكي الذي هو جوهر قانون يهودية الدولة السيئ الذكر. وتقوم هذه الصور كلها على فصل، يبدو مستحيلاً، بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لا ديموقراطية، يهودية كانت أو مسيحية أو مسلمة أو غير ذلك، بغير احتكام إلى الدولة الوطنية، في علاقتها بالخاضعين لسلطانها وفي صوغها العلاقات بين طوائفهم المختلفة، إلى المبادئ التأسيسية الثلاثة لعالم ما بعد الثورة الفرنسية: «الحرية والإخاء والمساواة». ولا انتقال بالحرب الأهلية الإسرائيلية – الفلسطينية إلى إدارة سلمية للتناقضات إلا باحتكام الدولة في إسرائيل – فلسطين إلى هذه المبادئ وهي تتعامل مع الفلسطينيين، من بقي منهم داخل حدودها (التي لم تتحدد بعد) ومن أبعدتهم إلى كيان جديد، سيبقى – على الأرجح – مرتبطاً بالكيان المنفرد اليوم بالسيادة على كامل أرض فلسطين التاريخية.
عن الحياة اللندنية