شؤون إسرائيلية

“أزرق أبيض” يهدّد بحل الحكومة رغم ضعفه والأوراق لا تزال بيد نتنياهو!

بقلم برهوم جرايسي *- 12/10/2020

أظهرت كتلة “أزرق أبيض” ورئيسها بيني غانتس في الأيام الأخيرة، حالة من التململ والامتعاض من نهج وسيطرة بنيامين نتنياهو على قرارات الحكومة، وظهر وكأن الأمر تهديد بحل الحكومة، رغم ضعف الكتلة في استطلاعات الرأي العام. وهناك شك بمدى جدية “أزرق أبيض”. وعلى الأغلب فإن قرار حل الحكومة سيبقى بيد نتنياهو، الذي من المفترض أن يكون في حالة ارتباك حاليا، على ضوء استفحال انتشار كورونا، وهبوط حزبه الحاد في الاستطلاعات. ولكن حسابات نتنياهو الشخصية هي التي ستقرر في نهاية المطاف، وقد يصدر قراره في كل يوم من الآن، وحتى بضعة أشهر.

وقد بدأ حراك كتلة “أزرق أبيض” على ضوء استقالة وزير السياحة، أساف زامير، من منصبه الوزاري “احتجاجا على تقويض الديمقراطية والقيود على المظاهرات” في فترة الإغلاق، بحسب ما أعلن، وهي القيود التي أيدتها كتلته ورئيسها غانتس، تحت غطاء لجم انتشار كورونا. ومن الممكن أن تكون ادعاءات زامير صحيحة، ولكن حسب تجارب الماضي، فمثل هذه الاستقالات تستوجب الانتظار حتى التأكد من أسبابها، خاصة وأن الحديث عن نائب جديد في الكنيست، وصل اليه لأول مرة في نيسان 2019، وتولى حقيبة وزارية، بسبب كثرة الحقائب التي ألقيت على كتلته البرلمانية. وليس من المستبعد أن يكون زامير يتلمس مستقبله السياسي في الانتخابات المقبلة، وهو يرى حزبه يتهاوى في استطلاعات الرأي.

في الأسبوع الماضي، وخلال أيام عيد العُرش العبري، الذي انتهى في نهاية ذلك الأسبوع، ومعه موسم الأعياد العبرية، عقدت كتلة “أزرق أبيض” اجتماعا لها، وتبين حسب التقارير الصحافية، أن الأغلبية قررت عدم الاستعجال للخروج من الحكومة.

وفي نهاية الأسبوع، بعث بيني غانتس، المسمى في الحكومة بـ”رئيس الحكومة البديل”، إلى جانب حمله حقيبة الدفاع، برسالة إلى نتنياهو يطالبه فيها بالإسراع في طرح ميزانيتي العامين الجاري والمقبل 2021 على الحكومة والكنيست، منبها إياه من مغبة أن يخرق الاتفاقيات المبرمة بين كتلتي الليكود و”أزرق أبيض”.

وسارع نتنياهو للرد على غانتس بحديث إذاعي، واختار إذاعة للمتدينين المتزمتين الحريديم “كول براما”، وهي إذاعة خاصة يمينية استيطانية متطرفة. وقال إن رسالة غانتس بمثابة تهديد لاستمرار الحكومة، وإن “أزرق أبيض” ينشط كمعارضة في داخل الحكومة، وحتى أنه يعرقل عملها، وقال نتنياهو إن هذا لا يمكن أن يستمر وهو يقود نحو انتخابات مبكرة.

مع انتهاء الأعياد العبرية التي استمرت ثلاثة أسابيع، فإن الحلبة السياسية تعود هذه الأيام إلى وتيرة عملها الكاملة، ويصبح الحراك السياسي أقوى من ذي قبل، ولكن ليست كل الأحزاب في بحبوحة تسمح لها بالحراك الحر، إن كانت تلك الجالسة في الحكومة، أو تلك التي في المعارضة.

الأجواء العامة والاستطلاعات

حتى مطلع الأسبوع الحالي، استمر التراجع الملحوظ في عدد الحالات النشطة لفيروس كورونا، أكثر بقليل من 70 ألف حالة في الرابع من تشرين الأول الجاري، إلى محيط 51 ألفا يوم الإثنين 12 تشرين الأول الجاري. ولكن حالة الإغلاق الجزئي ستستمر لأيام أخرى، وفي بعض القطاعات قد يكون الإغلاق أطول، إلى حين لمس تراجع أكبر في عدد الإصابات، وخاصة في الحالات الصعبة.

و”المعركة الأساس” دارت في الأيام الأخيرة مع جمهور الحريديم، الذين كبار حاخاماتهم رفضوا التعليمات والتخلي عن الاحتفالات الجماهيرية، وبالأساس الصلوات الجماعية في الأعياد، وفي عدة حالات وصل الأمر إلى حد الصدامات مع الشرطة، التي عجزت عن فرض التعليمات في غالبية مناطق الحريديم. وحسب التقديرات، فإنهم يشكلون أكثر من 30% من الإصابات، رغم أن نسبتهم من بين الجمهور لا تتجاوز 13.5%.

ورغم تباطؤ وتيرة انتشار الفيروس، إلا أن إسرائيل ما تزال من بين أكثر الدول تضررا من حيث عدد المصابين مقارنة بعدد السكان، كما أن عدد الموتى ارتفع أيضا من حيث النسبة المئوية. ويحذر خبراء من أن تباطؤ الانتشار حاليا لا يعني شيئا، وقد تشهد إسرائيل موجة ثالثة تكون أشد، مع بدء موسم الشتاء، على أمراضه التقليدية، وهذا ما يهدد الجهاز الصحي، من حيث قدرته على الاستيعاب. وهذا الوضع الصحي يشكل أحد التحديات في حال تم حل الكنيست والتوجه لانتخابات، لأن البعد الزمني بين حل الكنيست ويوم الانتخابات، 90 يوما على الأقل، يجعل كل الاحتمالات مفتوحة، وبضمنها تفشٍ خطير يمنع سيرا سليما لعملية الانتخاب، وقبل هذا الحملة الانتخابية.

أما الأوضاع الاقتصادية، فإنها تزداد سوءا، على صعيد الحصيلة الاقتصادية مع اقتراب انتهاء العام، الذي لم تقر الحكومة بعد ميزانيته، وتدير شؤونها على أساس ميزانية العام الماضي 2019، إضافة إلى ميزانية طوارئ استثنائية. والبطالة عادت لتسجيل نسبة عالية، وحسب التقديرات، تجاوزت 14% في أيام الإغلاق الأخير، غالبيتهم الساحقة ممن تم إخراجهم إلى إجازات من دون راتب.

كذلك تتوالى التقارير التي تتحدث عن ارتفاع مستمر في أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية. وهذا الارتفاع لا يظهر في تقارير التضخم المالي، لأنه في المقابل، هناك توقف خدمات وقطاعات استهلاكية، ما يجعل نوعا من التوازي، ويلجم وتيرة التضخم، الذي قد ينتهي في هذا العام مع تراجع، بمعنى “تضخم سلبي”. وتتحدث التقارير عن تراجع حاد في القوة الشرائية والاستهلاك العام.

في ظل هذه الأوضاع، وتوجيه الاتهام لنتنياهو شخصيا بسوء إدارة أزمة كورونا، تظهر استطلاعات الرأي، التي بدأت تشير إلى تراجع أشد في قوة الليكود، وتحدث آخر الاستطلاعات عن خسارة الليكود 10 مقاعد من أصل 36 مقعدا له حاليا، مقابل ارتفاع حاد لتحالف أحزاب التيار الديني الصهيوني- اليميني الاستيطاني من 6 مقاعد اليوم إلى 20 مقعدا، ورغم عدم المنطقية في هذا الارتفاع، فإن الاستطلاعات تشير إلى ازدياد قوة هذا التحالف المتشدد.

كذلك فإن تحالف “يوجد مستقبل- تلم” الباقي من تحالف “أزرق أبيض” السابق، ترتفع قوته الحالية بمقعدين فقط، من 16 اليوم إلى 18 مقعدا. أما كتلة “أزرق أبيض” بزعامة بيني غانتس، فإن قوتها تهبط من 15 مقعدا اليوم، إلى 8- 9 مقاعد، وأحد الاستطلاعات تنبأ بحصوله على 6 مقاعد.

وتحافظ كتلتا الحريديم، شاس- 9 مقاعد، ويهدوت هتوراة- 7 مقاعد، على قوتيهما. في حين تتوقع الاستطلاعات أن يحصل حزب ميرتس وحده على ما بين 5 إلى 7 مقاعد. وتحافظ القائمة المشتركة على 15 مقعدا، في الوقت التي تظهر فيه ملامح انشقاق في الانتخابات المقبلة، لربما يتم تداركه.

مصير “أزرق أبيض”

بطبيعة الحال، من السابق لأوانه الحديث عن نتائج شبه مؤكدة للانتخابات، ولكن ما يظهر في استطلاعات الرأي هو مؤشر لقوة “أزرق أبيض”، هذه الكتلة التي شقت التحالف مع حزبي “يوجد مستقبل” و”تلم”، وانضمت لحكومة نتنياهو، على أساس تقاسم الرئاسة، ولكن نتنياهو أظهر منذ الأيام الأولى خرقه للاتفاق. وأمام مشهد كهذا، فإن مبادرة “أزرق أبيض” للخروج من الحكومة ستعني تلقائيا حل الحكومة والكنيست مباشرة، إذ من الصعب رؤية نتنياهو قادراً على تشكيل حكومة بديلة، حتى بانشقاق كتلة “أزرق أبيض”، لأنه في هذه الحالة، سيكون على نتنياهو ضم كتلة “يمينا” للحكومة، ولكنها الأكثر معنية بالتوجه لانتخابات مبكرة. في حين أن انضمام حزب “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان، احتمالاته ضعيفة جدا، خاصة وأن الاستطلاعات تبشره بتعزيز قوته هو أيضا، ولو بمقعد أو مقعدين. ما يعني في حالة “أزرق أبيض” أن القرار ليس سياسيا، بقدر ما هو شخصي، لعدد كبير من النواب الذين سيخسرون مقاعدهم البرلمانية، وغالبيتهم ستخسر مقاعدها الوزارية، التي لم تحلم بها ذات يوم. في هذا السياق، فإنه في حال حل الحكومة والتوجه لانتخابات مبكرة، فإن الاحتمال هو أن يسعى غانتس لبناء تحالف جديد، يضم إليه بقايا حزب العمل الذي تتوقع استطلاعات الرأي اختفاءه كليا عن الحلبة السياسية، وشخصيات سياسية أخرى. ولن يكون ضربا من الخيال، أن يلتئم تحالف “أزرق أبيض” السابق من جديد، في حال بيّنت استطلاعات الرأي احتمال أن يقلص خسارته المجتمعة لقوته البرلمانية.

حسابات نتنياهو وارتباكه

طيلة الوقت يجري الحديث عن حسابات نتنياهو نحو انتخابات مبكرة، ولكن في تسارع الأحداث فإن هذه الحسابات تتقلب. فهناك قناعة بأن ما سيحسم لدى نتنياهو هي حساباته الشخصية، طالما هو الشخص الأقوى من دون منافس في الليكود، رغم ظهور بعض الانتقادات الخجولة له في الأيام الأخيرة، من النائب غدعون ساعر ووزير المالية يسرائيل كاتس.

ففي الأسابيع الأخيرة ساهمت اتفاقيات التطبيع التي أبرمها نتنياهو مع دولة الإمارات ومملكة البحرين، في عدم استعجاله لتأجيج الأزمة الحكومية، ولربما ينتظر نتنياهو اتفاقيات أخرى؛ لكن حسب الاستطلاعات، فإن كل هذه الاتفاقيات لم تحقق له انفراجا في وضعيته الانتخابية في الاستطلاعات. ومن المتوقع أن يعرض نتنياهو هذا الأسبوع الاتفاقيتين مع الإمارات والبحرين على الكنيست للتصويت، بعد أن يلقي خطابا، من المفترض أن يكون انتخابيا كليا.

والأمور التي ستدخل في حسابات نتنياهو، ليتجاوز الانتخابات بنتائج تبقيه متفردا على رأس الهرم الحاكم، بالإمكان تلخيصها بالبنود التالية:
– محاكمته التي من المفترض أن تبدأ جلسات مكثفة للاستماع إلى الشهود بعد ثلاثة أشهر من الآن.
– مصير الأزمتين الصحية والاقتصادية.
– الانتخابات الأميركية.

المحاكمة: يسعى نتنياهو في هذه الأيام، تحت ذريعة عدم اطلاع طاقم الدفاع عنه على كافة مواد النيابة العامة، لتأجيل بدء جلسات الاستماع للشهود، وفي حال صادقت المحكمة في الأسابيع القليلة المقبلة على تأجيل جلسات استماع الشهود، فإن نتنياهو قد يسارع لانتهاز التوقيت وحل الحكومة والكنيست، والتوجه لانتخابات سريعة. فأسوأ سيناريو لنتنياهو، هو أن تجري الحملة الانتخابية بالتزامن مع جلسات الاستماع للشهود، لأن الصحافة ستنقل مباشرة كل إفادات شهود النيابة ضده، وحسب تقارير سابقة، فإن هذه الإفادات منها ما سيكون محرجا له. لذا في حال بقي موعد جلسات المحاكمة في مطلع العام المقبل، فإن نتنياهو سيغامر إلى حد المخاطرة، إذا عمل على حل الحكومة وأجرى انتخابات حتى شهر آذار المقبل.

الأزمتان الصحية والاقتصادية: منطق الربح والخسارة الحزبية والانتخابية يقول إن التوجه إلى انتخابات في أوج أزمتين صحية واقتصادية متفاعلتين، مع احتمال احتدامهما، هو بمثابة مغامرة، وعلى الأغلب نتيجتها معروفة مسبقا، خاصة وأن نتنياهو، كما يظهر يتفرد بالقرار، لذا فإن غالبية الانتقادات والاتهامات بالتقصير موجهة له شخصيا.

وذات المنطق يقول إن على نتنياهو، كي يخرج بأضرار أقل، أن يعطي فرصة للأزمة الصحية، التي محاصرتها ستؤدي إلى لجم الأزمة الاقتصادية، وبضمن هذا إقرار ميزانيتي العامين الجاري والمقبل، اللتين يستعملها نتنياهو كأداة لحل الحكومة. ففي حال انتهى العام الحالي دون إقرار ميزانيته، فستكون هذه حالة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل، وستسجل ضده.

الانتخابات الأميركية: هناك اعتقاد سائد بأنه في حال خسر الحزب الجمهوري، وبالذات مرشحه للرئاسة دونالد ترامب، الانتخابات التي ستجري يوم الثالث من تشرين الثاني المقبل، فإن هذا سينعكس على الانتخابات الإسرائيلية. ولكن هذا الاعتقاد بحاجة إلى إعادة نظر لسببين:

الأول: أن نتنياهو خاض ثلاثة انتخابات في ظل إدارة الحزب الديمقراطي، وفي اثنتين منها كانت الانتخابات في ظل توتر مع إدارة الرئيس باراكأوباما، ونحن نتحدث عن الانتخابات الإسرائيلية في شهر آذار 2009، ثم في ظل التوتر مع البيت الأبيض، في شهر كانون الثاني 2013 وآذار 2015، وفي كلها فاز نتنياهو برئاسة الحكومة.

ثانيا: أنه في الخارطة السياسية الإسرائيلية الحالية، لا يوجد عنوان للناخب الإسرائيلي لحزب يدعمه، في حال فاز الحزب الديمقراطي، ورئيسه جو بايدن، وألقى بوزنه لإسقاط نتنياهو عن الحكم. ففي مقدمة الاستطلاعات الإسرائيلية يجري السباق بين كتلتي اليمين الاستيطاني الليكود وتحالف “يمينا”، ومن الصعب تشكيل أي ائتلاف حكومي إسرائيلي حاليا من دون أحزاب اليمين الاستيطاني.

رغم هذا، فحسب تقارير أميركية، وأخرى إسرائيلية، في حال فاز بايدن بالرئاسة مع أغلبية في الكونغرس والشيوخ، فإن العديد من الأوراق السياسية التي بيد نتنياهو ستتشوش، من بينها مخطط ما يسمى “صفقة القرن”، لأن الحزب الديمقراطي لا ينسى أن نتنياهو شن هجوما علنيا غير مسبوق لمسؤول إسرائيلي على الحزب في انتخابات 2012 و2016.

إسرائيل مقبلة على أيام حاسمة، وقد يجعلها نتنياهو أسابيع ولربما أشهر، حتى يقرر بما يخدم مصالحه، إلا إذا قررت كتلة “أزرق أبيض” خوض مغامرة نتائجها شبه معروفة لها، بقلب الطاولة والخروج من الحكومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى