أقلام وأراء

أخيرا .. المونديال في قطر

ملحم مسعود * ٦-٨-٢٠١٨

إنسدل الستار على أولمبياد روسيا لكأس العالم لكرة القدم , وصفه الكثيرون بالاجمل والأكثر تنظيما  , ولم لا  ….  دولة كبيرة تعج بالملايين والكفاءات , والقدرات تمكنوا من التخطيط والتحضير …. جددوا البنية التحتية للمؤسسات الرياضية , وتم تاهيل وتدريب الطواقم الإدارية التي تولت حاجات وضرورات هذا الحدث  الرياض العالمي , وكان هناك إجماع وترحيب من كافة شعوب روسيا الإتحادية بضيوفهم , وكان ذلك واضحا وجليا لمن تابع المباريات , ولم يصل الفريق الروسي للتصفيات النهائية , لكن نجحت روسيا وبإمتياز بتقديم صورة مشرقة وبهية وحضارية لبلادهم .

بعد هذه النهاية السعيدة لأولمبياد روسيا أصبحت الكرة في الملعب القطري …. في خريف عام 2022   “الآن حصحص الحق”

فازت قطر وتحديدا يم الخميس 2 ديسمبر بشرف إستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم البطولة الثانية والعشرين حيث إنتفضت قلوب ملايين القطريين والعرب والمحبين في العالم فرحا بهذا الفوز المتميز , وإستطاعت ان تنزع حق تنظيم كأس العالم في عام 2022 متفوقة على دول كبرى كحجم الولايات المتحدة وإستراليا واليابان , وإذا كان من الطبيعي أن يثير الأمر ما وصفه الكثيرون بالأجمل , حماسة كبيرة لدي الملايين من عشاق كرة القدم , فإن الكثيرين في الوطن العربي  راوا في الأمر ما يتجاوز البطولة الرياضية الأهم في العالم وإعتبروها منافسة تحدى فيها العرب وفازوا ….واليوم كلنا قطريين .  

اندلعت حرب التشكيك , وحملات التحريض التي تصاعدت مستعرة بدون خجل ولا وجل  , من البعض..وفي وسائل الإعلام ضد الملف القطري … وأخذت اليوم وبعد هذه السنوات من تحقيق هذا الإنجاز , وبالأخص بعد حصار الإخوة …..على قطر وتداعياته منحى آخر وغير مسبوق … وكأنها حرب البسوس التيوقعت في العصر العدناني بين قبائل ربيعة وبكر بن عبد مناة بتحريض من البسوس (سعاد التيمية) وسمي ذلك الوادي …”بوادي البسوس  ، وكأن حالنا اليوم  كما قال الفضل بن العباس اللهبي في بني اميةاللّه يعلم أنّا لا نحبكم … ولا نلومكم ألا تحبونا

إن المزاج العربي بوجه عام وربما الخليجي بشكل خاص ليس ب ” وادي البسوس ” آخر والتحديات والمخاطر المحدقة بنا تدق أبواب المعابر والممرات والبحار والجبال والوديان …. وإرتجاجات المنطقة تزعزع إستقرار الأنظمة التي باتت واضحة , ترصدها المراكز من قريب ومن بعيد … ولعلنا نجد في مثل هذه الفرصة الرياضية واحة نرتاح ونريح , كما فعل الإغريق في غابر الزمان …. يتوقفون عن الإقتتال بين دويلاتهم ( المدن ) ليجدوا فرصة للحوار والفكر والمنطق والفلسفة … في ما إبتدعوه لنا وللإنسانية و يعرف اليوم  ” بالألعاب الأولمبية ” وهذه حكاية طويلة نذكلر منها ما يناسبنا اليوم …  

ولدت فكرة الأولمبياد من رحم الالعاب الأولمبية , التي سعى من أجلها وبشكلها الحالي الاتحاد الدولي لكرة القدم والذي كان قد تاسس عام 1904 بعدما كانتمباريات كرة القدم تقام ضمن الألعاب الأولمبية نفسها وليس بالصورة التي آلت عليه اليوم , وقد قرر الإتحاد الدولي لكرة لقدم عام 1928 على إعطائها الطابع الحالي كمباريات تتنافس فيها الفرق الدولية , ممثلة لبلادها وتم إختيار  الأورغواي  ( الصاعدة ) كرويا حينذاك لتكون الدولة المستضيفة للنسخة الأولى من كأس العالم كما نعرفها اليوم والتي أقيمت عام 1930 , وبمناسلة الإحتفال بالذكرى المئوية لإستقلال الأوروغواي .

وعودة إلى روح   ألألعاب الأولمبية وأهدافها , والتي بدات عام 527 قبل الميلاد ولم تكن  مهرجانا رياضيا فحسب , بل كان في الأساس خليط ما بين الطقوس الدينية والرياضة , وساحة للفكر والسياسية والحوار لتكون فرصة لوقف الإقتتال بين الدويلات اليونانية مثل أسبارطة وأثينا وكورنثوس وغيرها  … وعادة ما تكون بعد ألإنتهاء من موسم  الحصاد , وبالتالي تستغرق وقتا طويلا نسبيا حيث يتوقف القوم عن العمل , كما أن هناك حضور ومشاركة لفعاليات سياسية وثقافية مصاحبة للألعاب الرياضية تجدها  فرصة كافية ومناسبة للحوار الفكري لنقل أجواء البلاد من التوتر والحروب إلى الهدوء والسلام … و تقام على شرف آلهة الاغريق ,. .  إلخ .

وقد استمر إقامة هذه الألعاب حتى العام 393 م وفي العام 146 قبل الميلاد سيطر الرومان على اليونان وفرضوا سيطرتهم بالتالي على الدورات الأولمبية، ورغم ذلك ظلت هذه الدورات تقام كل أربع سنوات حتى العام 393 الميلادي قبل أن يلغيها الإمبراطور البيزنطي المسيحي تيودوروس الأول لتتوقف الدورات الاولمبية ولو إلى حين بعد نشاط دام 1170 عام

 وعادت الألعاب الأولمبية في نسختها الجديدة لتحمل شعارات جديدة تتناسب مع مقتضيات عصرها. وحاولت شخصيات يونانية في البداية المبادرة بإحيائها لكن الظروف الإقتصادية وحداثة إستقلال اليونان حالت دون ذلك …….  إلى أن بدأ الفرنسي دي كوبرتان يفكر في قيم السلام والتعدد واحترام الآخر وبادر وناضل من أجل إعادة تنظيم الألعاب، وكان ذلك في العام 1896 .. وتم الحرص على تنظيمها في مهدها القديم : أثينا، نضال دي كوبرتان من أجل إشاعة قيم السلام والاختلاف، الذي كان يردد : “إن أهم شيء في الألعاب الأولمبية ليس الانتصار بل مجرد الاشتراك. …..

هذا بإختصار شديد لحكاية حضارية طويلة من التراث العالمي وإرث كبير يفيدنا ويعلمنا ولو بعض الشيء , وخصوصا أهمية الحدث الذي نحن بصدده  ,تعالوا وشاركوا ونعني هنا إقامة اولمبياد الدوحة2022 , وكيف يمكن تطويرهوتطويعه مع العصر الذي نعيش فيه , ويكون فرصة لمد الجسور وتوسع ابعاد التعاون الحضاري والحوار  , بين الأمم والديانات , وفرصة جيدة تتكرر كل أربع سنوات , يجب أن نخطط ونتعاون ليكون أولمبياد الدوحة 2022  متميز …. ومتطور …. يحاكي العصر الذي نعيش فيه , ذو لمسة إنسانية عصرية وبصمة عربية , لهذا فنحن في سباق مع الزمن , والفرصة متوفرة زمنيا , وإذا تركنا التقنيات ووسائل التغطية والأعمال الفنية لأصحابها والتي ستحكمها التقنيات الحديثة في ذلك الوقت …. فما علينا سوى التعاون الآن من أجل رؤية شاملة سمتها التميز , تتمخض عنها  بروز أشياء أو مشاريع أو صيغ تعاون لها طابع الإستمرارية…. بعد ان تضع المسابقات أوزارها في المجال الإنساني وخلافه . هذه أفكار على سبيل المثال , وأعتقد أن هناك من يعمل من أجل ذلك حتى تدخل أولمبياد الدوحة 2022 التاريخ وتقول أجيال قادمة عربية وافريقية وآسيوية وامريكية   : ما قبل الدوحة و ما بعدها.

* ملحم مسعود – اول معتمد للثورة الفلسطينية في قبرص واليونان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى