ترجمات أجنبية

أحوال تركية- إدوارد جي ستافورد – هل كان توقيت فرض ترامب العقوبات على تركيا نعمة لبايدن؟

أحوال تركية – إدوارد جي ستافورد* –  18/12/2020

فرضت الولايات المتحدة عقوبات خلال الأسبوع الماضي على مؤسسة الصناعات الدفاعية بالرئاسة التركية استناداً إلى قانون مكافحة خصوم أميركا، بسبب شراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس-400. وتشمل العقوبات فرض حظر على جميع تراخيص التصدير الأميركية وعلى مؤسسة الصناعات الدفاعية، وتجميد الأصول ووضع قيود على منح التأشيرات الأميركية لرئيس المؤسسة، إسماعيل دمير، وموظفين آخرين.

ولا يخلو الإجراء من المفارقات، فقد جاء هذا الإعلان في اليوم نفسه الذي ثبّتت فيه الهيئة الانتخابية الأميركية فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية. ويعدّ قرار فرض العقوبات التي طال انتظارها نعمة للرئيس المنتخب بايدن.

ولكن، دعونا ندرس خلفية القرار أولاً. يعد الرئيس دونالد ترامب نفسه صانع صفقات، ويتخذ القرارات من منظور المعاملات. فما الذي ربحه -أو يأمل في أن يجنيه- من خضوعه للضغط في النهاية والاتجاه إلى فرض العقوبات؟

في السياسة الداخلية، ضغط كل من الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس، وخاصة في مجلس الشيوخ، على ترامب لفرض عقوبات بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا على تركيا لشرائها الأنظمة الروسية. وستؤدي تصرفات ترامب إلى إضعاف أي جهود يبذلها الديمقراطيون لتصوير الجمهوريين على أنهم متساهلون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو نظيره التركي رجب طيب أردوغان وتوحيد الجمهوريين.

سوف يكون الحزب الجمهوري أكثر قدرة على جمع الأموال من الزملاء الذين أرادوا أن يفرض ترامب عقوبات لبعض الوقت، ولا سيما ليندسي غراهام وتوم كوتون، وبالتالي تحسين فرصهم. فقد كان توحيد الحزب عاملاً صغيراً أسهم في إنهاء مقاومة ترامب لفرض فرض العقوبات.

والآن، نحتاج إلى النظر في العلاقات الحديثة بين إسرائيل والعديد من الدول العربية ذات الأغلبية المسلمة، وكذلك الحرب في سورية. فقد شكل إنهاء عزلة إسرائيل الدبلوماسية مكوناً رئيسياً في سياسة ترامب الخارجية، وحقق تقدماً كبيراً نحو تحقيق هذا الهدف. وفي المقابل، حاولت إدارة ترامب إقناع تركيا ببناء علاقة أفضل مع إسرائيل.

لإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، قاومت إدارة ترامب الدعوات إلى فرض عقوبات على تركيا، ولم تتخذ موقفاً حازماً عندما أدين موظفون أتراك في السفارة الأميركية بتهم ملفقة، وعند سجن سركان غولغي، الباحث في وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، والذي يحمل الجنسيتين التركية والأميركية.

وفي سورية، صور ترامب نفسه على أنه صديق أردوغان حتى يخفف الرئيس التركي من لهجته المناهضة لإسرائيل. ولكن، لم يحصل ترامب على ما كان يتوقعه في هذا الحوار أو أي تبادل آخر مع أردوغان بشأن سورية.

يصعب تمييز أي مكاسب حقيقية من تركيا بشأن هدف السياسة الأميركية المتمثل في تحسين علاقاتها مع إسرائيل بالتزام الصمت أو دعم الإجراءات التركية في سورية. ويبدو أن تركيا قلصت من مفعول العقوبات ولم تتكبد سوى القليل من الخسائر.

ومن زاوية أخرى، يؤدي رفض الولايات المتحدة اقتراح شراء تركيا 100 طائرة مقاتلة من طراز (إف-35) إلى توفير مليارات الدولارات على تركيا. وإضافة إلى توفير الأموال، سيُمنع ضباط القوات الجوية التركية الذين يعتبرهم أردوغان جهات فاعلة رئيسية في محاولة الانقلاب في تموز (يوليو) 2016 من الوصول إلى أسلحة جديدة عالية التقنية.

ومن جهة أخرى، سيلفت فقدان الحصول على التكنولوجيا الأميركية التي يفرضها قانون مكافحة الخصوم انتباه أردوغان، نظراً لتأثيرها الكبير على صادرات الأسلحة التركية، وسيكون الأمر بالتأكيد مهماً لصناعة الدفاع التركية.

أمّا بالنسبة لمستشاري ترامب وحلفائه في مجلس الشيوخ، فيتعارض فرض العقوبات مع فكرة أن ترامب يغض النظر بطريقة ما عن جهود بوتين لتقويض حلف “الناتو” وجهود أردوغان للتصرف بشكل مخالف لتضامن الحلف من دون أي تبعات.

لن يتعامل الآخرون (من داخل التحالف العسكري وخارجه) مع الولايات المتحدة بجدية إذا لم تفرض عقوبات على تركيا. وإذا أراد الأعضاء أن تكون لتصريحات “الناتو” حول الحاجة إلى العمل الجماعي والتضامن أي وزن، فلا بد أن يكون هناك ثمن عندما ينكسر هذا التضامن.

يبقى كل ما ورد خلفية للقضية الأكبر: ماذا سيفعل بايدن عندما يؤدي اليمين الدستورية ويتقلد منصبه في 20 كانون الثاني (يناير)؟ هل سهّل ترامب جهود بايدن لإعادة أردوغان إلى عائلة الـ”ناتو” والغرب أم جعلها أكثر صعوبة؟

أولا، مع فرض العقوبات الآن، لن يواجه بايدن أي ضغط من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، والعضو الديمقراطي الأعلى في لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس روبرت مينينديز، لتطبيق العقوبات، على الرغم من أنهم قد يطلبون توسيعها وتشديدها. ومن المؤكد أنه لن يواجه ضغوطًا من الكونغرس للتراجع عن فرض عقوبات فرضت بموجب قانون مكافحة الخصوم.

ثانيا، سيكون لبايدن نفوذ أكبر مع أردوغان، إذا كان الرئيس التركي يرغب في رفع العقوبات. وليس هذا مؤكدا بأي حال من الأحوال، لأن أردوغان نجح في الانتخابات بتصوير نفسه وبلده على أنهما ضحيتان للقوى الغربية الشريرة. ولكن، قد يبحث أردوغان بشكل مكثف عن تغييرات صغيرة لمساعدته على الخروج من مأزقه الاقتصادي، حيث تؤدي خسارة صادرات الأسلحة إلى عواقب أكبر وتزيد الضغط على الاقتصاد التركي الذي يعاني مسبقاً.

ثالثا، من خلال فرض عقوبات قبل تولي خليفته منصبه، صعّب ترامب، الذي غالبا ما يصور على أنه كاره للإسلام في وسائل الإعلام، على أردوغان أن ينتقد إدارة بايدن المقبلة باعتبارها معادية للمسلمين. إذ تصور وسائل الإعلام بايدن على أنه سياسي ذو تفكير شامل وتقدمي، ولن تحظى اتهاماته بالإسلاموفوبيا باهتمام كبير.

باختصار، من المرجح أن يدفع قرار ترامب بفرض العقوبات على تركيا، في اليوم نفسه الذي ثبّتت الهيئة الناخبة الأميركية فوز جو بايدن، أردوغان إلى:

أولاً، الابتعاد عن العداء تجاه إسرائيل.

ثانياً، التوقف عن التقرب من روسيا.

وأخيراً تجنب تعطيل حلف الـ”ناتو” من الداخل.

بطبيعة الحال، يعتمد ذلك على مدى استعداد أردوغان لوضع احتياجات ومشاغل الشعب التركي فوق طموحاته إلى أن يكون اللاعب السياسي المهيمن في الشرق الأوسط الكبير، والزعيم الإسلامي الأبرز في العالم.

*أكاديمي عمل في أقسام تابعة للشؤون الخارجية الأميركية ومتخصص بالشأن التركي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى