منوعات

أحمد دخيل: الختيار، رمز الحرية الذي لا يموت

أحمد دخيل 11-11-2025: الختيار، رمز الحرية الذي لا يموت

في لحظةٍ قد يظن البعض فيها أن الزمن قد مر، وأن الأثر قد زال، يبقى اسمك، يا ياسر، يتردد في كل زاوية من فلسطين كما لو أنه تلاوة خالدة، ترن في الأفق ولا تنتهي. غيابك، أيها الشهيد، لم يكن سوى فصلٍ جديد في قصة لا تُختتم، فأنت أكثر من ذكرى، أنت فعل مستمر، ومقاومة متجددة. كنتَ في أيامك، وفيما بعد، الأمل الذي يعانق الخوف، والتحدي الذي لا يُقهر.

أنتَ، يا من كنتَ السيف الذي صارع أعداء الأرض، وحلمك كان الهدير الذي أغرق محاولات التصفية والطمس. جعلتَ من فلسطين ملحمة تُسطر في أنفاس الثوار، في صرخات الأمهات، وفي دماء الأطفال التي لملمتها الأرض. أمثالك لم يُخلّدوا في تماثيل، إنّما في كل نبضة قلب، وفي كل خطوة على الدرب، وفي كل شجرةٍ تمسك بها الأرض.

لقد كنتَ، يا ياسر، أكبر من قائد. كنتَ الشعر الذي يكتب التاريخ، والفكرة التي تشعل النيران في قلب الظلام. لم تكن تسعى لتحرير الأرض فحسب، ولكن لتحرير الروح، لتنزع عن الشعب الفلسطيني غبار اليأس، وتعطيه القدرة على أن يقف شامخًا في وجه الطغاة. في اللحظات التي كانت تصطك فيها أسنان العالم، كنتَ أنت الصوت الذي يصدح: “لن نركع”، وكنتَ الجفن الذي لا يغلق، لأنك كنت تعرف أن الثورة ليست خيارًا، فهي حياة تنبض في عروقنا.

وأنتَ في ذروة التحديات، يا من كانت عيونك ترى بعيدًا، كانت يديك ترفع العلم الذي كان شعاعًا في ظلامنا. علم فلسطين، الذي حملته بروحك وأنت تُحلّق به بين الأمم، لم يكن قطعة قماش كما تفوّه البعض، لقد كان العهد المقدم على مذبح الحرية، كان وعد العودة، وعد الأرض، وعد الشعب بأسره.

غيابك أشبه بحضورٍ دائم! غيابك أضحى تكريسًا لحضورك الذي لن يُطفئه الزمان، ولن يعتم عليه الظلام. في كل زاروب من مخيماتنا جدار حمل صورتك، في كل بيت في الشتات، في كل نفسٍ فلسطيني، كنتَ هناك. في آلام الناس، في نضالاتهم، في صراخهم وحلمهم، كنتَ تجسيدًا حيًا لما يجب أن تكون عليه الحرية.

اليوم، وذكراك لا تزال تملأ سماء فلسطين، نستحضر في كلماتنا طيفك، وفي أرواحنا قوتك. قد تكون جسديًا قد رحلت، لكنك تركت بيننا الحلم الذي لا يموت. حلمك ليس حلماً عابرًا، إنّه رؤيةً لبناء الدولة الفلسطينية، حُلمًا أصيلًا في قلوبنا، عميقًا في تاريخنا، لن يسلبه الاحتلال. وكما علّمتنا أن القدس لا تُباع ولا تُغتصب، فهي الحق الذي لا ينكسر، فإننا نعلم أن فلسطين لن تموت، لأنك كنتَ روحها، وكلمتك كانت تردد في جدرانها.

نحن الذين نمشي على ذات الطريق الذي سلكته، في دربك الذي لا ينحني، الذي يمتد من القدس إلى كل جزء من فلسطين. ما زال حلمك مستمرًا، وكل خطوة نخطوها نحو الحرية هي تصديق على وعدك لنا. وكل مرة نرفع فيها صوتنا ضد الظلم، ترتسم صورتك في الوجدان، لأنك كنتَ أنت أول من رآى حلمنا، وأنت من أعطانا القوة للمضي في هذا الطريق.

لقد كنتَ أكثر من زعيم، يا أبا عمار. كنتَ الحلم الذي ننام عليه، والأمل الذي نستيقظ من أجله. نحن هنا اليوم، وعلينا أن نُحيي ذكراك بالفعل لا بالقول، بنضال لا يتوقف، وبقلب لا يتعب. سوف تبقى فينا، يا ياسر، ولن تُمحى صورتك أبدًا، لأنك كنتَ أول النضال وأبجدية الثورة التي لن ينساها التاريخ، وها نحن ماضون في مسيرتها خلف رفيق دربك، وإنها لثورة حتى النصر كما وعدتنا وأنت الذي لا يخلف وعدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى