أقلام وأراء

أبو شريف رباح: قمة الدوحة: بيان مكون من كلمات فاترة بينما الأمة تحت القصف

أبو شريف رباح 16\9\2025: قمة الدوحة: بيان مكون من كلمات فاترة بينما الأمة تحت القصف

بعد مئتين وتسعة أيام من المذابح والمجازر والإبادة الجماعية وتجويع الشعب الفلسطيني في غزة، وبعد التدمير الشامل لكل مناحي الحياة في القطاع، ومع استمرار العنجهية الإسرائيلية واعتداءاتها على عدد من الدول العربية كان آخرها قصف العاصمة القطرية الدوحة في محاولة لاغتيال قادة من حركة حماس انعقدت القمة العربية – الإسلامية في الدوحة وصدر بيانها الختامي الذي جاء دون مستوى الأحداث الجسام التي تعصف بالأمة.

فالبيان لم يتجاوز لغة الشجب والإدانة والتأكيد والترحيب والدعوة والإشادة، بينما الواقع يزداد دموية وقسوة، فغزة تباد ولبنان يستباح، وسوريا تنتهك أراضها، واليمن يقصف من إسرائيل وأميركا وبريطانيا، والدوحة نفسها تستهدف بصواريخ إسرائيلية من المصانع الأمريكية، ناهيك عن الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى المبارك وأحياء القدس والضفة الغربية ومصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات إضافة إلى حشد جيش الاحتلال لقواته عند الحدود الأردنية كرسالة تهديد واضحة للعرب الذين يلوحون بتشكيل قوة ردع عربية.

والبيان الختامي للأمة لن يحفظ كرامتها ولن يردع إسرائيل، فالبيان لم يحمل سوى إدانة الهجوم الإسرائيلي على الدوحة واعتباره عدوانا صارخا على دولة عربية، وانه يشكل انتهاكا لسيادة قطر وتهديدا خطيرا للأمن الإقليمي، والتضامن المطلق مع قطر واعتبار استهدافها اعتداء على جميع الدول العربية والإسلامية، والإشادة بالموقف الحضاري والحكيم لقطر في تعاملها مع العدوان، والترحيب بمواصلة جهود الوساطة القطرية من أجل وقف الحرب، والدعوة إلى احترام القانون الدولي والمواثيق الأممية، ولكن هل تكفي هذه العبارات أمام واقع يقطر دما، وهل أصبح أقصى ما يمكن للأمة أن تفعله هو إصدار بيانات تشيد بالحكمة وتدعو إلى ضبط النفس، بينما شعب بأكمله يذبح من الوريد إلى الوريد؟

أيها العرب، اللغة الدبلوماسية ليست عيبا لكنها تصبح جريمة سياسية حين تكون مجرد غطاء للعجز فالأمة اليوم لا تحتاج إلى عبارات الإشادة بالحضارة والحكمة، بل إلى قرارات عملية تردع العدوان وتحمي الدول الشعوب وتوقف آلة القتل الإسرائيلية، والحضارة لا تقاس بالبيانات بل بالفعل، كفرض عقوبات سياسية واقتصادية على الاحتلال وقطع العلاقات أو تجميدها مع القوى الداعمة له، وتحريك ملفات قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتوفير حماية فعلية للمدنيين الفلسطينيين في غزة والقدس والضفة الغربية.

لقد قيل قديما “حلمنا بعروس بحر فإذا بالمولودة قردة”، وهذا ينطبق تماما على البيان الختامي لقمة الدوحة، فقد انتظرت الشعوب العربية والإسلامية موقفا يعيد شيئا من الكرامة العربية المبعثرة فإذا بها تتلقى مزيدا من التطمينات الفارغة، أين الحضارة في زمن تدمّر فيه مدن عربية كاملة، أين الحكمة حين تستباح القدس والأقصى ويعرض نتنياهو خارطة إسرائيل “من النيل إلى الفرات” على الشاشات بوقاحة، إن لم يصح العرب اليوم فسيصيبهم ما أصاب أسلافهم يوم اجتاح المغول بغداد وذبح الناس على أيدي هولاكو وجيشه.

الواقع المؤلم للامة يفرض ثلاثة مطالب عملية لا نقاش فيها:

اولا: لا يكفي الإدانة الكلامية يجب أن يتبعها قرارات سياسية ودبلوماسية، عزل قوى أو فرض عقوبات دبلوماسية مؤقتة أو استدعاء سفراء، أو تعليق اتفاقات تسهل الانتهاكات كحد أدنى لردع أي اعتداء مستقبلي.

ثانيا: حماية المدنيين واجب إنساني وفعل ملموس، كفتح ممرات إنسانية مؤمنة وفرض مراقبة دولية على نقل المساعدات والضغط على الجهات التي تسمح بتمويل أو تسليح الجيش الإسرائيلي.

ثالثا: استعادة الدور العربي الجماعي المتضامن، فلا تكتمل الوحدة بكلمات موحدة إن لم تترجم إلى سياسات تؤمن غطاء سياسيا وعمليا للفلسطينيين وتوقف سياسة القضم والتهجير.

فالقمة اليوم قدمت مشاعر تضامن وهذا جيد، ولكن الأمة اليوم تحتاج أكثر من مشاعر التضامن الأمة تحتاج قرارات سياسية وإجراءات عملية وإلا فستبقى بيانات القمم بمثابة مرثيات جميلة تقرأ في قاعات فخمة بينما يكتب على الأرض تاريخ من الدمار لأجيال عربية قادمة.

بيان القمة لم يرتقي لمستوى الحدث ليس إهانة للقمة بل دعوة لإعادة التفكير والعمل الجاد فالقيم الحضارية الحقيقية لا تقاس ببلاغات تشيد بالحكمة بل بأفعال تحمي الشعوب وتردع المعتدين، فإيقاف الإبادة في غزة وحماية القدس وكرامة الفلسطينيين لن يتحقق بمجرد عبارات، بل بإرادة عربية وإسلامية حقيقية تترجم إلى أفعال ممكنة وملموسة على الأرض، وبالمحصلة فإن قمة الدوحة بما خرجت به تمثل انعكاسا لأزمة أمة تراقب ولا تتحرك وتشجب وتستنكر ولا تقرر، لكن التاريخ لن يرحم من تقاعس فإما أن تتحول بيانات الإدانة إلى أفعال تليق بدماء الشهداء وآلام الملايين أو تبقى مجرد أوراق تحفظ في الأدراج بينما تتواصل المذابح ويكتب فصل جديد من فصول الزمن العربي الرديء.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى