#شؤون فلسطينية

أبومازن وعون وسلاح المخيمات!

مركز الانطلاقة للدراسات 24-5-2025: أبومازن وعون وسلاح المخيمات!

جاءت زيارة الرئيس محمود عباس الى لبنان من أيام هذا العام (2025م) في ظل حاجة فلسطينية ولبنانية متبادلة لضبط العلاقات أو إعادة تقنينها في الإطار الفلسطيني واللبناني الموحد أي دولة مقابل دولة، وبالتالي شكّلت استجابة واعية وفهم عميق للظروف الداخلية، والإقليمية والعالمية التي تغيّرت بما يفوق التصور نتيجة العدوان الصهيوني الفاشي على فلسطين، وارتكابه أسوأ مذابح التاريخ وفي ظل تغيرات إقليمية في لبنان وسوريا أعقبت أو تقاطعت مع المتغيرات الفلسطينية حيث اختلال المعادلة لصالح الطاغية الإسرائيلي، وبالدعم الامريكي العسكري الذي لم تحد منه المحاولات العربية لفرض حل الدولتين التي تشكلت برئاسة سعودية وفرنسية.

جاءت الزيارة لإغلاق ملف مقلق استمر سنوات منذ اتفاق القاهرة مع المقاومة الفلسطينية والمنظمة عام 1969 وما حصل لاحقًا من عدم ضبط شؤون المقاومة الفلسطينية في لبنان وإبان الحرب الأهلية فحصار بيروت 1982م، والصمود العظيم، وما تلاه من حرب طرابلس وحرب المخيمات، ثم صعود نجم حزب الله المرتبط بإيران، ثم خبوّه إثر الدمار الهائل الذي أصابه بعد مقتل قياداته الرئيسة، وتدمير مقراته، في الهجوم الصهيوني على لبنان.

ورغم أن النتائج قد لا تختلف كثيرًا عن زيارة العام 2017 إلا أن الظروف كلها قد تغيرت كما قلنا بالبداية، وعليه قد تُفهم هذه الزيارة كما فهمها القادة اللبنانيون بشكل إيجابي ومثمر لاسيما ولقاء الدولتين كان حاضرًا، أو قد تُفهم من منظور المعارضين الرافضين لنهج أبومازن وما يفترضونه محور لا يتفقون معه، وإن عبّروا عن ذلك بكلمات نارية واتهامات هوليودية مع عدم الاعتراف بدولة فلسطين التي مازالوا يعبرون عنها تحت اسم “سلطة رام الله”!؟ رغم أن غالب المصادر قد أشارت للبيان الرئاسي المشترك بين الرئيسين اللبناني والفلسطيني باحترام وتقدير ومشيرة للنجاح الكبير، وربما لأول مرة بترسيخ علاقة جديدة الأركان بين الدولتين والشعبين.

إن الرافضين الأبديين لأي عمل سياسي أو دبلوماسي أو ثقافي أو مقاومة جماهيرية ممن يدّعون دعم المقاومة أوالثورة الفلسطينية بمعنى أنها حصرية في فصيل محدد، وبمعنى أنها رصاصة ضد الطيارة!؟ ولو مات كل الشعب الفلسطيني!؟ هم الذين يغفلون عمدًا أن كل الشعب الفلسطيني وبكافة أشكال الثورة والنضال لا يتعلم منهم بل هم من يتعلم منه، وهو شعب مقاوم ومناضل ومجاهد وصابر وثابت على أرضه ومرابط قبل أن يعرفوا (الفرجة النضالية)! أو (استبداد لوحة المفاتيح) وهو الشعب  الذي يجترح ما يشاء من وسائل ليست بالضرورة مرتبطة بعقلية المشاهد لمبارة كرة القدم أمثالهم الذين يشجعون “الفريق” على الفوز، ولو كانت حياة هذا الشعب ثمنًا لفرجته الجميلة! وبذا ما نراه من التعليق على الزيارة بأسلوب لا صحفي ولا علمي ولا موضوعي، ومثير واستعطافي للجماهير وتحريضي وتجييشي بذيء من بعض الفضائيات التدليسية ومن مثل هذا العنوان العاطفي المثير بصحيفة رأي اليوم (مفاجآت وانفجار كبير يقترب.. عباس في لبنان لتنفيذ مهمة “نزع سلاح المقاومة” والغموض يسيطر حول الدوافع والأسباب الخفية.. هل تنجح المهمة؟ وهل ستوافق الفصائل على تسليم سلاحها؟.. هذه تفاصيل ما يجري داخل الغرف المُغلقة) وعليه لا داعي لقراءة المقال لأن النتيجة للزيارة أكانت ناجحة أم فاشلة قد اتخذت من العنوان!

عمومًا بالعودة للجانب الإيجابي والزاهر فلقد قال الكاتب مصطفى فحص مشيدًا بالرئيس أبومازن “نجح الفلسطينيون واللبنانيون في إعادة تعريف العلاقة التاريخية بينهما.” وقال الكاتب سمير عطا الله “للمرة الأولى تتخلى فلسطين اللبنانية عن دورها العسكري، ولا يبقى ممنوعاً على اللبناني أن يسأل الفلسطيني عن هويته، ويظل مسموحاً للفلسطيني أن يقيم دولته ضمن الدولة.

وقال الكاتب حسين خليفة “ تبدو زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان مهمّة جدًا، بل استثنائية”، الا أنه يقول بتحليله أيضًا ” لكن، هل يعني ذلك أنّ موضوع السلاح الفلسطيني قد حُسِم فعليًا، وبصورة نهائيّة؟” ليرد على تساؤله بالقول: “يقول العارفون إنّه لا يزال من المبكر لأوانه الحكم على ذلك، ولو أنّ الأكيد أنّ زيارة عباس من شأنها أن تشكّل بابًا لمقاربة جدّية للملف قد تكون الأولى من نوعها بالمُطلَق”

الا أن الكاتب السياسي حسان الحسن وبكلمات “محور المانعة” الذي أفل نجمه من زمن يقول لـ vdlnews “لا شك أن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى لبنان، على ما يبدو، هي ضمن مسار معيّن واضح، بحيث نرى أن هناك ضغطا عربيا، أميركيا وغربيا لوضع ملف السلاح بأكمله في لبنان على طاولة البحث للبت بكيفية ترتيب وضعه وذلك سواءً كان سلاحًا لبنانيًا أو فلسطينيًا، علما أنني لا أؤيد استخدام تعبير “نزع” السلاح”.”

بينما تفرّد موقع صحيفة الأخبار اللبنانية بالتشاؤم، والاتهامات حيث استخدم كلمات غير دبلوماسية وغير مهذبة بتوصيف الزيارة وباتهامات مصوّبة نحو الرئيس بتحليلها المعنون: (عباس في لبنان: ولّى زمن السلاح)، وسنعف عن ذكر الألفاظ التي لا تستقيم هنا عوضًا عن المفاهيم العجيبة لفكرة أن الفلسطينيين ضيوف وليسوا مقيمين أبديين  في لبنان! حيث فهمت “الاخبار” اللبنانية الأمر كالتالي منسوبًا لغيرها أنه “مدخل إلى التوطين لاحقاً، خصوصاً في ظل حكومة يمينية إسرائيلية متطرّفة”! مضيفة “أنه لم يظهر بزيارة عباس ما يبدّد الهواجس الحاضرة، بل اعتبر البعض أن كلامه عن الحقوق يفتح زاوية لنقاش آخر.”

وباطلاع سريع على التعليقات الايجابية لبعض القادة اللبنانيين مما لخصته وكالة الانباء الفلسطينية وفا، قال رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام أن: الرئيس محمود عباس ما انفك يصنع السلام اللبناني الفلسطيني ويحرص على صونه، وقال الرئيس الأسبق أمين الجميّل أن: الرئيس محمود عباس ضمير حيّ للقضية الفلسطينية وصوت عاقل وسط ضجيج الشعارات، وقال الرئيس العماد ميشيل سليمان أن: الرئيس محمود عباس يستحق جوائز السلام من أعلى المستويات، وقال سمير جعجع أن:  الرئيس محمود عباس حمل لبنان في قلبه دائما، وقال الحزب الاشتراكي التقدمي بزعامة وليد جنبلاط وبكلمات توفيق سلطان أن: الرئيس محمود عباس ضيف عزيز على لبنان.

نعود من هذه الجولة من التصريحات للاطلاع على مقال الكاتبة منى الحاج التي تقول تحت عنوان: (عندما يعد محمود عباس بتنفيذ قرار لا يملكه) أن “تسليم الفصائل الفلسطينية التي لا تعترف بالسلطة الفلسطينية سلاحها ليس بالأمر السهل، لكون هذه الفصائل لا تأتمر بأوامر السلطة الفلسطينية. فهل تسرّع عبّاس في حديثه عن السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، لاعتقاده بأن الفرصة قد تكون مواتية اليوم لبسط السيطرة الكاملة على المخيمات، في ظل ما تواجهه “حماس” في قطاع غزة.”

وتضيف “على ما يبدو، فإن “حماس”، وبعد الاجتياح والحصار اللذين تعاني منهما في غزة، باتت تعتبر الحفاظ على سلطتها وسلاحها داخل المخيمات اللبنانية ورقة سياسية بديلة عن غزة”

وتختم بالقول أنه “وعلى الرغم من نجاح الزيارة البروتوكولي والسياسي، فأنّ مفعولها سينتهي مع مغادرة عباس، الذي قدّم وعودًا لا يملك سلطة تنفيذها، ولا يسيطر على واقع جغرافي تقاسمه أكثر من فصيل فلسطيني، أغلبهم لم يستفد حتى من “حرب الطوفان”، ولا من معاناة غزة وأهلها.

والى ذلك ارتبطت الزيارة بمشاعر التقدير الأخوية والرسمية لفلسطين ورئيسها محمود عباس   وهو الذي كرّمته مؤسسة أكاديمية العلامة الراحل هاني فحص لصنّاع السلام[1]،في دورتها السابعة حيث منحته جائزة صناع السلام تقديراً لجهوده في إرساء المصالحة اللبنانية الفلسطينية، وتقديرا لمواقفه التي تعكس التزامه بالحوار ورفض العنف، وبحضور الرئيس أمين الجميل[2] ورئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، وبحضورقيادات لبنانية وفلسطينية.

الى ذلك يذكر رسميًا أنه تم التوقيع بين الطرفين الفلسطيني واللبناني على اعلان مشترك يعلن الالتزام الفلسطيني بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وعلى تعزيز التنسيق بين السلطات الرسمية، اللبنانية والفلسطينية، والالتزام بضمان الاستقرار داخل المخيمات الفلسطينية ومحيطها، في حين أكد الجانب الفلسطيني التزامه بعدم استخدام الأراضي اللبنانية منطلقاً لأي عمليات عسكرية، وتم تشكيل لجنة مشتركة لبنانية – فلسطينية لمتابعة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، والعمل على تحسين الظروف المعيشية للاجئين، مع احترام السيادة اللبنانية والالتزام بالقوانين اللبنانية.

وفي الزيارة أكد الرئيس أبومازن موقفه الثابت الذي أعلنه في لقائه مع الرئيس عون وخلال اجتماعاته مع الرئيسين بري وسلام حيث قال: إن “شعبنا الفلسطيني في لبنان، هو ضيف مؤقت إلى حين عودته لوطنه فلسطين. وأن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هي تحت سيادة الدولة والجيش اللبناني”. وأن الفلسطينيين في لبنان يُعتبرون ضيوفًا، ويلتزمون بقرارات الدولة اللبنانية، مع التأكيد على رفض التوطين والتمسك بحق العودة، وإنهاء كل المظاهر المسلّحة خارج إطار الدولة اللبنانية.

هوامش:

[1]  يُذكر أن جائزة هاني فحص للحوار والتعددية تأسست العام 2016، وهي جائزة سنوية تُقدم في ثلاثة مجالات: صناع السلام، والدفاع عن التعددية، والبحث العلمي، وتمنحها أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام وشركاؤها: كرسي اليونيسكو في جامعة القديس يوسف – بيروت، وكرسي اليونيسكو في جامعة الكوفة – العراق، وأكاديمية البلاغي في النجف الأشرف في العراق، وجامعة القديس يوسف في بيروت، في سبيل متابعة تراث الراحل هاني فحص في مجالات الفكر الديني والتعددية والحوار.

[2]  قال الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل (في التكريم والجائزة للرئيس أبومازن): “نكرّم اليوم مسيرة نضال واعتدال، نحيي رجل آمن بالسلام الممكن رغم صعوبته، وبالكرامة الوطنية رغم الرياح العاتية، إننا نكرّم اليوم الرئيس محمود عباس ليس فقط بصفته رئيس دولة فلسطين، بل بصفته ضميرا حيّا للقضية الفلسطينية، وصوتا عاقلا وسط ضجيج الشعارات والانفجارات العنيفة”.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى