#شؤون اقليمية

آمنة الفايد: اعتقال إمام أوغلو: دلالات التوقيت

آمنة الفايد * 10-4-2025: اعتقال إمام أوغلو: دلالات التوقيت

آمنة الفايد

موجة غضب عارمة اجتاحت الساحة السياسية التركية إثر إعلان السلطات الأمنية يوم 19 مارس 2025، إلقاء القبض على رئيس بلدية اسطنبول، ومُرشح حزب “الشعب الجمهوري” المعارض للانتخابات الرئاسية القادمة لعام 2028، أكرم إمام أوغلو، مُوجهة إليه عدة تهم بالفساد والإرهاب، وذلك عقب ساعاتٍ فقط من إعلان جامعة اسطنبول الحكومية إلغاء شهادة أوغلو الجامعية.

وقد فرض ذلك ارتدادات على مستوى الداخل التركي وبين أوساط المعارضة على وجه التحديد، وكذلك على مستوى الساحة الدولية التي عدت تلك الإجراءات قد تجاوزت طابعها القانوني، لتُشكل لحظة محورية في مسار تركيا الديمقراطي، باعتبار أنها تهدف في الأساس إلى إسقاط حق أوغلو في الترشح للرئاسة، وتحييده عن المشهد السياسي العام في تركيا.

فبينما ينتظر إمام أوغلو صدور الحكم النهائي من محكمة الاستئناف العليا في القضية المعروفة بـ “قضية الأحمق”، التي صدر فيها حكم أولي عام 2022 يُفضي بسجنه لمدة عامين و7 شهور و15 يوماً، ومنعه من ممارسة العمل السياسي لـ 4 سنوات، بتهمة إهانة أعضاء اللجنة الانتخابية العليا؛ يواجه إمام أوغلو الآن عدة تُهم جديدة، من بينها تهمة تزوير شهادته الجامعية، على خلفية مزاعم انتقاله من إحدى الجامعات الأمريكية في جمهورية شمال قبرص، التي لم تكن مُعتمدة آنذاك من جانب مجلس التعليم العالي في تركيا، إلى كلية إدارة الأعمال في جامعة اسطنبول الحكومية. إذ أكد أوغلو أن القرار الصادر عن مجلس إدارة جامعة إسطنبول غير قانوني، مُعلنًا نيته الطعن فيه أمام المحكمة، وإمكانية اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إذا اقتضت الضرورة، خاصة أن الدستور التركي ينص على وجوب حصول المرشح الرئاسي على شهادة تعليم عالٍ، ما يعني أن إلغاء شهادة أوغلو الجامعية يحرمه من إمكانية الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة.

ضف إلى ما سبق، أنه تقرر امتثال أوغلو أمام المحكمة في 11 أبريل 2025، في إطار قضيتين يتم التحقيق بهما من جانب كل من مكتب تحقيقات الجرائم المنظمة، ومكتب تحقيقات جرائم الإرهاب.  بالنسبة للقضية الأولى، فإضافة إلى إمام أوغلو، أصدر المدعي العام قرارًا باعتقال حوالي 100 آخرين من رؤساء ونواب رؤساء البلديات التابعة لبلدية اسطنبول، والمسئولين والمديرين التنفيذيين فيها، إلى جانب عدد من رجال الأعمال والصحفيين، وذلك على خلفية تداول منصات التواصل الاجتماعي عام 2023 مقطع فيديو لشخص يقوم بإخراج أوراق نقدية من حقيبة سوداء ويضعها على طاولة داخل مقر حزب “الشعب الجمهوري”. إذ تشير لائحة الاتهام الصادرة عن النيابة العامة إلى أن إمام أوغلو تزعم شبكة إجرامية ربحية ضمت عددًا من المسئولين الذين كانوا معه أثناء توليه منصب رئيس بلدية “بيليك دوزو” في اسطنبول عام 2014 قبل فوزه برئاسة بلديتها الكبرى في عام 2019، وتم تعيينهم كرؤساء لوحدات وشركات تابعة للبلدية لتشكيل هياكل فرعية تضمن استمرار أعمال الشبكة، التي وفقًا للائحة الاتهام تعقد مناقصات غير قانونية، وتقوم بعمليات رشاوي وغسيل أموال وابتزاز، فضلاً عن استغلال موارد البلدية في استثمارات ومصالح شخصية.

أما القضية الثانية فهي معروفة باسم “الاتفاق الحضري”، في إشارة إلى الاتفاق الذي أجراه حزب “الشعب الجمهوري” مع حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب” الكردي -الذي تعتبره الدولة حليفًا لحزب “العمال الكردستاني” المُصنف تنظيمًا إرهابيًا- خلال الانتخابات المحلية لعام 2024. فبموجب الاتفاق امتنع الحزب الكردي عن الدفع بمرشحيه في بعض الدوائر الانتخابية الحضرية لصالح مرشحي حزب “الشعب الجمهوري”، الذين أشارت تحقيقات النيابه العامة بعد ذلك إلى وجود صلات بينهم وبين حزب العمال الكردستاني، وأنهم قاموا بالانتساب إلى حزب “الشعب الجمهوري” قبل أيام من الانتخابات، لدعم وزيادة نفوذ حزب العمال في دوائر ومؤسسات حكومية، تحت غطاء حزب “الشعب الجمهوري”.

لماذا الآن؟

لا يمكن قراءة تلك الإجراءات القضائية بمعزل عن خصوصية وحساسية توقيتها بالنسبة لحزب “الشعب الجمهوري”، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، إذ تزامنت تلك التهم والتحقيقات مع إطلاق أكرم إمام أوغلو حملته المبكرة للانتخابات الرئاسية القادمة، واستعداده لخوض انتخابات حزب “الشعب الجمهوري” التمهيدية يوم 23 مارس الجاري، كمرشح وحيد عن الحزب لخوض الانتخابات، التي من المُتوقع تقديم موعدها إلى نوفمبر عام 2027، بما يسمح لأردوغان بالترشح لولاية رئاسية جديدة. فوفقًا للدستور التركي، يحق لأردوغان الترشح لولاية رئاسية رابعة فقط في حال انعقاد الانتخابات قبل موعدها الرسمي في مايو عام 2028 سواء من خلال دعوة البرلمان إلى إجراء انتخابات مبكرة، أو إجراء تعديلات دستورية، يتم بموجبها إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

من هنا، ينطلق التساؤل الرئيسي: لماذا قد يسعى أردوغان وحزبه الحاكم جاهدين لإزاحة أكرم إمام أوغلو من السباق الرئاسي القادم؟

لطالما مثل أكرم إمام أوغلو عقبة سياسية وشعبية في وجه أردوغان وتحالفه الحاكم، حيث استطاع أوغلو عام 2019 أن ينتزع رئاسة بلدية اسطنبول من حزب “العدالة والتنمية” -الذي ظل مسيطرًا عليها على مدار 25 عامًا- وذلك خلال ثلاث انتخابات محلية متتالية. ففي عام 2019 تولى أوغلو منصب رئيس بلدية اسطنبول لمدة 18 يومًا فقط قبل إلغاء نتيجة الانتخابات التي صدر قرار بشأن بطلان أصواتها آنذاك، ما نتج عنه تكرار الانتخابات بعد بضعة أشهر، ليحقق أوغلو فوزًا ثانيًا، وبهامش أصوات أكبر. أما الانتخابات الثالثة التي استطاع خلالها أوغلو الحفاظ على منصب رئيس بلدية اسطنبول، فهي انتخابات البلدية لعام 2024، التي شهد خلالها حزب “العدالة والتنمية” هزيمة غير مسبوقة في اسطنبول وأنقرة وعدد من المدن الكبرى.

من هنا، يمكن القول إن إمام أوغلو قد استطاع أن يحصد قاعدة شعبية كبيرة من المؤيدين والداعمين له في بلدية اسطنبول على مدار سنوات رئاسته لها، وذلك نتيجة قدرته على استقطاب فئة كبيرة من الناخبين بمختلف التيارات الأيديولوجية، سواء الذين ينتمون إلى القاعدة العلمانية لحزب “الشعب الجمهوري”، أو أولئك المحسوبين على التيار المحافظ الأكثر تدينًا، وذلك من خلال تضمين زيارات المساجد في حملاته الانتخابية، والإعلان عن ترميم مسجد تاريخي في منطقة “كاراكوي” الشهيرة في اسطنبول. فضلاً عن استقطابه لفئة كبيرة من الناخبات الإناث على خلفية الدور البارز الذي تلعبه زوجته، ديليك إمام أوغلو، كشخصية معروفة بظهورها الدائم إلى جانب زوجها خلال حملاته الدعائية والانتخابية، وكذلك بحضورها النشط على وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركتها في الأعمال الخيرية[1].

إذ تأتي مخاوف أردوغان من تنامي شعبية أوغلو في مدينة اسطنبول -على وجه التحديد- من اعتبارها تُمثل أهمية خاصة بالنسبة له، بداية من أنه قد وُلد ونشأ فيها، وصولاً إلى كونها نقطة انطلاق رئاسة الدولة. إذ تولى أردوغان منصب رئيس بلدية اسطنبول في التسعينيات، قبل أن يصعد منها إلى رئاسة الوزراء، ومنها إلى رئاسة الجمهورية. ضف إلى ذلك القيمة الاقتصادية والاستراتيجة التي تُميز اسطنبول باعتبارها المركز المالي والثقافي لتركيا، وتبلغ ميزانيتها لعام 2024، حوالي 516 مليار ليرة، مقابل 92 مليار ليرة لأنقرة، وفقًا لسجلات البلدية[2].

بناءً على ما سبق، وفي أعقاب اعتقال إمام أوغلو، برزت مسألة فرض الوصاية على بلدية اسطنبول، وبما أن التهم الموجهة إلى أوغلو تتضمن تحقيقًا في قضية إرهابية، فإنه من المُرجح عزله من منصبه وتعيين أوصياء مكانه على البلدية. فبموجب القانون التركي، يتم فرض الوصاية لأسباب أمنية أو بناءً على ادعاءات بوجود مخالفات مالية. ووفقًا للمادة 127 من الدستور التركي، والمادة 45 من قانون البلديات، في حال عزل رئيس البلدية أو نائبه أو عضو بلدي من منصبه، أو اعتقاله، أو منعه من القيام بالخدمة العامة، أو إنهاء عضويته في رئاسة البلدية أو المجلس بسبب جرائم تتعلق بالإرهاب، فإنه يحق لوزير الداخلية تعيين بديل عنه[3].

ارتدادات محتملة

انعكست تداعيات أزمة اعتقال أبرز رموز المعارضة التركية، أكرم إمام أوغلو، على كافة المستويات الداخلية والخارجية المعنية بتطورات المشهد السياسي التركي وبمستقبل الانتخابات الرئاسية القادمة، بداية من موقف المعارضة وجهود تعبئة الشارع التركي ضد حكومة أردوغان، انتقالاً إلى السياسات المضادة التي تنتهجها الدولة في مواجهة ذلك، وصولاً إلى ارتدادات الأزمة على الوضع الاقتصادي والمالي في تركيا، الذي يرتبط في جزء منه بموقف المجتمع الدولي، على رأسه الاتحاد الأوروبي، من أداء تركيا في ملف الحريات وحقوق الإنسان. إذ يمكن رصد أبرز تداعيات الأزمة على النحو التالي:

1- تنديد المعارضة بالقضاء التركي: أسفر قرار اعتقال إمام أوغلو عن حالة من الاستهجان والرفض واسع النطاق من جانب جميع أحزاب المعارضة في تركيا، وتصاعدت الدعوات إلى توحيد الصفوف لممارسة الضغط التشريعي على السلطة الحاكمة، والفوز بأغلبية البرلمان في الانتخابات القادمة، ومقاطعة الانتخابات الرئاسية. إذ ندد حزب “الشعب الجمهوري” بالإجراءات القضائية التي اعتبارها محاولة للانقلاب على الديمقراطية وعلى الرئيس القادم، واصفًا الإجراءات القضائية -سواء تلك المرتبطة بتهم الفساد والإرهاب أو إسقاط الشهادة الجامعية- بأنها ليست قانونية بقدر ما أنها تحمل طابعًا وأهدافًا سياسية. وأكد رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، أوزغور أوزال، خلال كلمة ألقاها في تجمع حاشد أمام بلدية اسطنبول أنه وقيادات الحزب سيواصلون الاعتصام أمام البلدية حتى يتم إطلاق سراح إمام أوغلو والمعتقلين معه، وأن الانتخابات التمهيدية لتحديد المرشح لانتخابات الرئاسة القادمة ستستمر[4].

وعلى خلفية الحملة الأوسع نطاقًا التي سبقت اعتقال إمام أوغلو، تحديدًا التي شنتها الدولة منذ فوز المعارضة بعدد من البلديات الكبيرة والحيوية في انتخابات عام 2024، واستهدفت خلالها عددًا كبيرًا من المسئولين، والصحفيين، والمثقفين، والفنانين، والنشطاء السياسيين المحسوبين على تيار المعارضة، في محاولة لإعادة فرض السيطرة على المشهد السياسي في تركيا، استعدادًا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة؛ يمكن القول إن مسألة استقلال القضاء التركي من عدمها، تعد محورًا أساسيًا في هذه الأزمة، حيث تتهم المعارضة أردوغان وحزبه الحاكم بأنهم يقومون بتسييس القضاء واستخدامه كآلية للتطهير السياسي وإقصاء المعرضة وتحييدها عن المنافسة في السباقات الانتخابية.

وتستند المعارضة في موقفها إلى عمليات التطهير التي أعقبت انقلاب عام 2016، والتي استبدل أردوغان -بموجبها- حوالي 4634 قاضٍ ومدعٍ عام بآخرين موالين لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم، بسبب عضويتهم المزعومة في جماعة فتح الله جولن. هذا فضلاً عن التعديلات الدستورية التي تمت في عام 2017، والتي منحت رئيس الجمهورية حق تعيين نصف أعضاء المحكمة الدستورية، ونصف أعضاء مجلس الدولة. وكذلك تصنيف منظمة “فريدوم هاوس” لتركيا عام 2024 على أنها “غير حرة”، بدرجة حقوق سياسية تبلغ 16/40، انخفاضًا من 31/40 في عام 2014 [5].

2- فرض سياسات حظر واسعة النطاق: في أعقاب صدور قرار اعتقال إمام أوغلو، سارعت الحكومة التركية إلى فرض قيود صارمة على مزودي خدمة الإنترنت لتقويض الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل القصيرة الـ SMS. فوفقًا لهيئة مراقبة الإنترنت “Netblocks” المعنية بفحص جودة الوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي، فرضت تركيا حظرًا شاملاً على تطبيقات مثل: “إكس”، و”يوتيوب”، و”إنستغرام”، و”تيك توك”، و”واتساب”، و”تليغرام”، وخدمات أخرى، بهدف تضيق الخناق على المعارضة ومنع أي محاولات تعبئة شعبية من جانب المعارضة، لاسيما بعد أن حصد الفيديو الذي نشره إمام أوغلو على منصة “إكس” قبل اعتقاله أكثر من مليوني مشاهدة في غضون ساعات.

إذ ظهر أوغلو في الفيديو وهو يرتدي ملابسه ويستعد للذهاب مع عناصر الشرطة عقب قرار إلقاء القبض عليه، مؤكدًا أن كل ما يجري غير قانوني، وأنه لن يستسلم وسيحاسب الذين اتخذوا هذا القرار. وبعد ساعات من اعتقاله، تم نشر ورقة كتبها أوغلو على حسابه الشخصي جاء فيها: “سترد أمتنا بكل قوة على المؤامرات والفخاخ والأكاذيب، وعلى منتهكي حقوق الشعب، وعلى من يسلبون إرادة الشعب”.

إضافة إلى ما سبق، أعلنت اسطنبول حظر كافة أشكال التجمعات، والمسيرات الشعبية بدءًا من يوم الأربعاء 19 مارس ولمدة 4 أيام، وتعطيل حركة المرور وخطوط النقل القريبة من البلدية والمؤدية على وجه التحديد إلى ساحة ميدان “تقسيم” التي عادة ما تشهد أنشطة شعبية من هذا النوع، في خطوة تهدف إلى منع أي تجمهرات محتملة في اسطنبول، لاسيما أنه وفقًا لبيانات معهد الإحصاء التركي (TÜİK)، تشكل اسطنبول ما يقرب من 18٪ من سكان تركيا، ما يجعلها بؤرة شديدة الحساسية لتأجيج المشاعر الغاضبة، وشن حملات التعبئة الشعبية ضد الدولة في مثل هذه الأزمات المتصاعدة.

3- خروج المسيرات والمظاهرات: رغم حالة الحظر التي فرضتها الدولة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الشوارع والميادين العامة لمنع المسيرات والمظاهرات الشعبية، إلا أن دعوة المعارضة إلى رفع الأصوات، بقيادة عدد من شخصيات التيار، على رأسهم زوجة إمام أوغلو، وزعيم حزب “الشعب الجمهوري”؛ قد نجحت في تعبئة الشارع التركي وخروج عشرات الآلاف في شوارع اسطنبول وفي عدد من البلديات الأخرى التي تحظى فيها المعارضة بقاعدة شعبية كبيرة، تنديدًا بالإجراءات القضائية الصادرة ضد أوغلو.

إذ شهدت مدينة اسطنبول تجمعات حاشدة أمام مبنى البلدية، وأمام مجمع محاكم “تشاغلايان” عند مقر نيابة اسطنبول، وفي الشوارع العامة، والجامعات، ومحطات مترو الأنفاق، في مشهد غضب شعبي لم تشهده تركيا منذ سنوات، حيث كان يردد المحتجون هتافات مناهضة للحكومة التركية مثل: “أردوغان أيها الديكتاتور”، و”إمام أوغلو، أنت لست وحدك”، و”لابد أن تستقيل الحكومة”. ووردت أنباء عن وقوع اشتباكات وصدمات بين المُحتجين وقوات الأمن، التي سارعت لإغلاق الشوارع بالحواجز واستخدام غاز الفلفل لفض المظاهرات.

وجاء رد أردوغان على تلك المسيرات يوم 21 مارس الجاري، مُناشدًا رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، بأن يتصرف بمسئولية بدلاً من الانسياق خلف المنظمات اليسارية المتطرفة واللصوص الذين نهبوا البلديات، مؤكدًا أن بلاده لن تتهاون أبدًا مع أي محاولة للإخلال بالنظام العام، ولن تسمح لمجموعة من اللصوص داخل حزب “الشعب الجمهوري” بتحويل مشاكلهم الخاصة إلى مشكلة تخص الشعب بأكمله، مُعتبرًا أن ما يتم ممارسته في شوارع تركيا من احتجاجات ومظاهرات هو شكل من أشكال الإرهاب الذي تحاربه الدولة.

4- ارتدادات اقتصادية سريعة وغير مسبوقة: نتج عن الإجراءات القضائية المُتخذة ضد إمام أوغلو تداعيات اقتصادية حادة، وغير مسبوقة، لاسيما بالنسبة لليرة التركية، حيث هبطت الليرة التركية  بنسبة 0.5 % مُسجلة 38 ليرة مقابل كل دولار، لتبلغ خسائرها خلال الأيام  الماضية 3.8%، وهو أسوأ أداء أسبوعي لها منذ يونيو عام 2023، فضلاً عن انهيار مؤشر BIST 100 لبورصة اسطنبول يوم 19 مارس الجاري بنسبة 8.7%، ما أدى إلى وقف مؤقت للمعاملات المالية[6].

جاء هذا التدهور نتيجة امتداد الضغوط القضائية والاعتقالات إلى رجال الأعمال، ما أدى لزعزعة ثقة المستثمرين الأجانب في السوق التركية -التي بالفعل تشهد تراجعًا حادًا بسبب تدهور الوضع الاقتصادي خلال السنوات الماضية- نتيجة عدم استقرار البيئة السياسية والاقتصادية في البلاد، وتوقع المزيد من التراجع في المؤشرات الاقتصادية، على خلفية تنامي حملات الغضب الشعبي، وتصاعد تنديدات المعارضة بسياسات أردوغان وحزبه الحاكم أمام المجتمع الدولي، والغرب على وجه التحديد. 

5- انقلاب الموقف الدولي على سياسة أردوغان ضد المعارضة: لم تتوقف تداعيات الإجراءات القضائية التي اتخذت ضد إمام أوغلو عند حدود السياسة الداخلية أو التداعيات الاقتصادية فحسب، إذ امتد أثرها إلى المستوى الدولي، وحصدت انتقادات دولية واسعة النطاق، لاسيما فيما يتعلق بإشكالية استقلال القضاء، وتراجع مسار الديمقراطية وحقوق الإنسان في تركيا. إذ انتقدت إيما سنكلير ويب، مديرة منظمة “Human rights watch” في تركيا، بشدة احتجاز إمام أوغلو ومسئولين آخرين في البلدية، مُشيرة إلى أن الاعتقالات كانت عملية ذات دوافع سياسية ضد المعارضة، ودعت إلى الإفراج الفوري عن أوغلو وغيره من المعتقلين.

هذا، كما جاء موقف الدول الأوروبية، مناهضًا لسياسة أردوغان تجاه المعارضة، باعتبار ما يحدث انتكاسة خطيرة للديمقراطية. إذ أصدر مجلس أوروبا بيانًا في 19 مارس 2025، ندد خلاله بشدة بقرار اعتقال إمام أوغلو، واصفًا إياه بأنه تحرك ضد إرادة الشعب والديمقراطية، ويحمل كل السمات المميزة للضغط على شخصية سياسية تعتبر أحد المرشحين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأعلن أنه سيتم مناقشة ملف إقالة رؤساء البلديات في تركيا في جلسة يوم 24 مارس الجاري. كما وصفت كاتي بيري، المُقررة السابقة للبرلمان الأوروبي بشأن تركيا، قرار اعتقال أوغلو بأنه خطوة كبيرة نحو الاستبداد الكامل من قِبل نظام أردوغان، وشددت على دور الاتحاد الأوروبي في وقف تلك الإجراءات قبل أن تترتب عليها عواقب وخيمة.

بناءً عليه، من المُتوقع أن تُلقي هذه الأزمة بظلالها على ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، خاصة أنه لطالما لعب تراجع سجل تركيا في ملف حقوق الإنسان دورًا في عرقلة فرص انضمامها إلى الاتحاد، في ظل تعاقب تقارير عدم التزام تركيا -كدولة مرشحة للعضوية- بالديمقراطية واستقلال القضاء وحرية التعبير، على خلفية حملات تقويض واعتقال السياسيين والصحفيين المعارضين.  

ختامًا، تطرح تطورات المشهد السياسي في تركيا -وما نتج عنها من تداعيات- العديد من التساؤلات المرتبطة بمدى إمكانية تأثير حالة الغضب الشعبي التي تشهدها بلديات عدة في تركيا، إلى جانب الموقف الدولي الداعم لأكرم إمام أوغلو أمام القضاء التركي؛ على مسار التحقيقات في القضايا الموجهة إليه، وعلى فرص إطلاق سراحه، وعودته لممارسة العمل السياسي كرئيس لبلدية اسطنبول، ومرشح حزب “الشعب الجمهوري” في الانتخابات الرئاسية القادمة. فضلاً عن مدى تأثير هذه التطورات على تراجع شعبية أردوغان وحزبه الحاكم، وتآكل مكاسبه التي حققها في الآونه الأخيرة على الساحة السورية، وفي ملفي الأكراد واللاجئين، ما يُنذر بتراجع فرصه في الانتخابات الرئاسية القادمة، إن استطاع الدفع إلى تقديم موعدها لعام 2027، لاسيما في ظل تصاعد شعبية إمام أوغلو كرمز للمعارضة، وتصاعد دعوات مقاطعة الانتخابات في حل إثبات التُهم الموجهة إليه، وتحجيم فرصه في خوض السباق الانتخابي القادم.


[1] Who is Turkish opposition leader Ekrem Imamoglu?, bbc, 19 March, 2025, available at: https://shorturl.re/7ga0a

[2] The Arrest of Ekrem Imamoglu: A Seismic Shift in Turkey’s Political Landscape and Its Global Implications, Debug lies news, 19 March, 2025, available at: https://shorturl.re/7g9zz

[3] 7 تهم قد تطيح بأكرم إمام أوغلو.. ما تفاصيل اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى في تركيا؟، تركيا الآن، متاح على: https://shorturl.re/7ga0b

[4] اعتقال إمام أوغلو يضع تركيا في مواجهة تحديات داخلية وضغوط أوروبية، الشرق الأوسط، 19 مارس، 2025، متاح على: https://shorturl.re/7ga0d

[5] The Arrest of Ekrem Imamoglu: A Seismic Shift in Turkey’s Political Landscape and Its Global Implications, Op.Cit.

[6] الليرة التركية تشهد أسوأ أداء أسبوعي منذ عام.. وبورصة اسطنبول تخسر 10 مليارات دولار، RT عربي، 21 مارس، 2025، متاح على: https://shorturl.re/7ga0g

 

*آمنة الفايد باحثة مشاركة – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى