أقلام وأراء

عاطف الغمري: التضارب بين تحالف أمريكا مع إسرائيل ومصالحها

عاطف الغمري 1-5-2024: التضارب بين تحالف أمريكا مع إسرائيل ومصالحها

أهمية هذا التشريح لواقع العلاقة بين أمريكا وإسرائيل أنه جاء كخلاصة تقييم لقيادات سياسية وعسكرية من الدولتين، والذين سجلوا معلوماتهم التي كانوا شهوداً عليها، وأزاحوا ستاراً كثيفاً عن كثير مما كان يجري وراءه في الكواليس، بعيداً عما يعلن رسمياً.

ولعل أكثر ما يلفت النظر إلى ما سجلوه، هو وصول هذه العلاقة في مرحلة ما إلى نقطة فاصلة وحرجة، حين وجد صناع القرار السياسي الأمريكي، أهمية التفكير في صياغة استراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط ككل، وليس الاقتصار على العلاقة مع إسرائيل، حرصاً على مصالح الولايات المتحدة في دول العالم العربي. بالطبع كانت هناك قوى أخرى تمضي في الاتجاه المعاكس، حاولت تأكيد مفهوم أن إسرائيل حليف مهم لأمريكا وليست مجرد صديق، وإنها حسب مفهومهم رصيد استراتيجي أساسي، بل وقوة ردع لأمريكا في المنطقة.

هذه المعلومات استفادت من أقوال عشرات من الأمريكيين والإسرائيليين الضالعين في عمليات التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر: من الجانب الأمريكي السفير ويليام براون، والكولونيل جيمس كارني، والسفير صامويل لويس، ومارتن أنديك وكيل الخارجية السابق للشرق الأوسط، والسياسي ويليام كوانت.

ومن الجانب الإسرائيلي الجنرال مناحم ميرون، وإسحق رابين (رئيس الوزراء الأسبق)، ودور جولد (الذي كان من أقرب معاوني نتنياهو) وغيرهم، بالإضافة إلى جنرالات دبلوماسيين سوفييت منهم السفير سيرجي روجوف.

وتولت تجميع شهاداتهم الكاتبة الأمريكية كارين شل في ديسمبر/كانون الأول 1991، وساعد في توثيقها الباحث جاك سيجال.

وفقاً للتطور في المواقف الأمريكية، فإن الولايات المتحدة كانت قد تعهدت بالاستجابة للاحتياجات العسكرية طويلة الأجل لإسرائيل، وتزويدها بكل جديد ومتطور من المعدات مثل الطائرة المقاتلة F16، وحين عقدت اتفاقات كامب ديفيد قدّمت أمريكا لإسرائيل التزاماً صريحاً تجاه كل ما يتعلق بأمنها.

وجاءت فترة السبعينات لتشهد ترتيبات لحوار عسكري بين البلدين، وهو ما تطور بقوة في عهد رئاسة رونالد ريجان، وأوجد مرحلة لحوارات مستقبلية حول المشاكل الحساسة، ثم تزايدت وتيرة هذا التحاور بدءاً من عام 1974، عقب حرب 73، حيث قدمت إسرائيل لأمريكا قائمة بمتطلباتها العسكرية لخمس سنوات قادمة، وهو ما أوجد بداية لتخطيط طويل الأجل حول المسائل العسكرية بين البلدين.

وفي سبتمبر/أيلول 1974 زار وزير الدفاع شيمون بيريز واشنطن لاستعراض تفصيلي للعلاقة مع هنري كيسنجر، ومن ثم صار ضيفاً دائماً على العاصمة الأمريكية، ووقتها اتفق الجانبان على الحاجة لحوار مكثف ومستمر حول المشاكل العسكرية، وكانت بعض هذه اللقاءات تتم في البنتاجون مع القيادة العسكرية.

واستمر ذلك إلى أن أصبح جيرالد فورد رئيساً للولايات المتحدة في عام 1975، وهو الذي حاول قطع المعونات عن إسرائيل للضغط عليها حتى تستجيب لرؤيته لتحقيق السلام في المنطقة، بما في ذلك حل المشكلة الفلسطينية، وقتها وجد فورد دعماً لتوجهاته من خبراء ومسؤولي السياسة الخارجية.

في هذا التوقيت كان صناع السياسة الخارجية قد بدأوا في صياغة استراتيجية أمريكية لمنطقة الشرق الأوسط ككل وليس الاقتصار على العلاقة مع إسرائيل، بما في ذلك تأكيد أهمية السلام، وأن تكفّ أمريكا عن جعل سياستها قائمة على التدخل دائماً لصالح إسرائيل، وهو ما شهدته سنوات السبعينات، لكن هذا التوجه قوبل بحملات من قوى ركزت نشاطها على عدم المساس بالتحالف مع إسرائيل، لكن الاتجاه الأول لقي مساندة من عدد من صناع السياسة الخارجية الذين طالبوا بمراعاة مصالح أمريكا في العالم العربي.

وظهر في نفس الاتجاه في الثمانينات عدم ارتياح إدارة الرئيس كارتر لحكومة مناحم بيجين، عندئذ كانت المسألة الرئيسية التي يطرحها البعض هي تحديد نوعية التحالف مع إسرائيل، وهل يكون في صورة معاهدة دفاعية، أم تعاون استراتيجي، أو أي شكل آخر.

لكن حدث تحول جذري في عام 1981 مع مجيء ريجان الذي قفز إلى وضع وصف بأنه لم يسبق لأي رئيس آخر قبله القيام به، حين أعلن أن إسرائيل حليف مهم لأمريكا، ورصيد استراتيجي رئيسي، وهو ما جرى الالتزام به لعشر سنوات تالية، وبعدها جرى تعريف إسرائيل بوصفها الرصيد الاستراتيجي وأقرب حلفائها إليها في منطقة الشرق الأوسط.

وكما يتفق جميع المسؤولين السابقين الذين قدموا هذا الشرح، فإن معنى ذلك أن السياسة الخارجية في المنطقة تقلل من الاهتمام بالمشكلة الفلسطينية، وفتح الطريق أمام دور أكبر لإسرائيل في المنطقة، وهو ما أكده ألكسندر هيج، وزير الخارجية الأسبق، من أن إسرائيل تمثل قوة ردع لأمريكا في المنطقة، وذلك ضمن شرحه أهمية إسرائيل لواشنطن.

ويومها علقت مؤسسة راند الأمريكية على ذلك بقولها، إن إسرائيل صار لها دور حاسم تلعبه من أجل أمريكا في المنطقة.

ولكن ظل هناك سؤال يلحّ على الأذهان، وهو ما إذا كانت العلاقة الوثيقة على هذا النحو بين أمريكا وإسرائيل يمكن أن تخدم مصالح أمريكا وأهدافها في العالم العربي؟.

ثم أرفق واضعو السؤال، سؤالاً آخر وصف موقف أمريكا بأنه مثل «الرقص» على حبل مشدود بين طرفين متنافسين هما إسرائيل والعرب.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى